هالة منير بدير تكتب: العلاج بالكفتة

وينحصر حديث المشككين في قدرات الجيش العظيم على أن اختراع القوات المسلحة للقضاء على فيروس سي والإيدز ليس أكثر من دعايا فاشلة لترشيح السيسي رئيساً للجمهورية ، فيما تنحصر ردود المدافعين عن الابتكار الباهر نصرةً لسمعة ومكانة الجيش وكل من يشكك في مصداقيته ما هو إلا كاره لجيش بلده لإسقاطه كمثيله في العراق وسوريا ، في حين تظل فئة أخرى في المنتصف تحيا فقط للبحث والتقصى خلف كل خبر قبل الإنضمام لأحد الجناحين لتتلقف تهم الإنقلاب وعبادة البيادة من الجناح الأول ، وتهم العمالة والخيانة وعضوية الطابور الخامس من الجناح الثاني ..
 
 
لا أخفيكم سراً بذلت مجهوداً جبَّاراً لتلجيم لساني عن نقد الاختراع الفريد من نوعه بمجرد سماع أنباء هذا الجهاز ، خصوصاً أنه كان لي دور مهاجم في الأيام الماضية لقوات الداخلية والجيش لما رأيته من تباطؤ في إنقاذ ضحايا سانت كاترين وبعد أن خفت وطأة حنقي على الجيش عندما علمت أن نداء الاستغاثة به ربما جاء متأخراً ،  فقررت التريث هذه المرة ( زيادة عن اللزوم ) حتى لا أظهر بمظهر المهاجم طول الوقت وتمنيت أن تخيب ظنوني ، جاء عدم ارتياحي لأنباء هذا الجهاز ليس تشككاً في قدرة أبناء الجيش العظام على اختراع كهذا ، ولكن عندما شاهدت اللواء الدكتور إبراهيم عبد العاطي صاحب الاختراع وهو يُقدِّم الابتكار الجبَّار إلى النور ،أثار شكوكي في باديء الأمر أسلوب اللواء أن يكون فعلاً أحد المنتمين للصفوف العسكرية لما يفتقر له أسلوبه من انتقاء الألفاظ ورصانة الحديث ودقة الكلمات وثبات العرض وهيبة العسكرية ، بالإضافة لعلمي التام بمدى تفخيم الإعلام ونفخه الأخبار العادية وإظهارها على أنها معجزات وعجائب نادرة ، خاصة عندما يكون الخبر لازال قيد الانتشار ولم يدخل بعد مرحلة التدقيق والتأكيد والتوثيق من جهات رسمية ..
 
لمجرد اعتراض الدكتور عصام حجي المستشار العلمي للرئيس على الجهاز المبتكر ووصفه إياه بالفضيحة العلمية الكبرى حتى انهالت عليه تهم العمالة لأمريكا وما تشكيكه في كفاءة الجهاز إلا ارضاءاً للسياسة الأمريكية التي تعمل على مخطط التقسيم للوطن ، وفي المقابل مطلوب نفي أو إثبات ما ورد بتقرير أذيع على قناة الشرق أن اللواء صاحب الإختراع ليس ضمن أفراد الجيش ، وإنما معالج بالأعشاب منذ سنوات ، وكان له برنامج على قناة الناس الدينية يعرض فيها حقائق الإعجاز العلمي ، وقدَّم الاختراع للقوات المسلحة وعلى إثره نال رتبة اللواء الشرفية من الجيش مع ادعائه محاولة اختطافه بسبب الاختراع واعتكافه على الاكتشاف أكثر من عشرين عاماً ، ليس عيباً أن يكون الإختراع على يد معالج بالأعشاب ، وإنما العيب أن يتم تقديمه على أنه من صفوف القوات المسلَّحة ..
 
ردود الأفعال تتأرجح كالعادة ، فتارة بالتهليل والتطبيل وإنشاد " تِسْلم الأيادي " وتصريح طبيبة من فريق العمل على الجهاز أنه معالج أيضاً للسرطان ( المرض الغير فيروسي .. !! ) ، ورغبة مذيعة حرمان المستهزئين والمستهزئات بالاختراع من العلاج به هم وأقاربهم وجيرانهم ومن يتشدَّدلهم ( ناقص تقول نحقنهم بفيروس سي والإيدز عقاباً لهم لسخريتهم ) .. وتارة أخرى بالتشكيك وعدم الاقتناع لأسباب مقنعة أو لمجرد السخرية كعادة الشعب المصري ..
 
العلاج لازال في طور التجارب ، ولم تعلن نتائجه النهائية ولا نسبة نجاحه ، هذا هو ما دفع كل من لم يُبْدِ سعادة غامرة بعبقرية الاختراع  ، بالإضافة إلى سطحية العرض وخلوه من الشرح الوافي عن كيفية العلاج ومدته وتكلفته والحالات التي تستجيب له بسهولة أو تستعصي عليه أو تطول مدة علاجها ، لا ننسى أنه منذ أشهر أُعْلِنَ وبشكل مُوَسَّع أيضاً عن علاج أكيد وفعَّال لحالة الإصابة بفيروس سي ، وبنى المرضى آمالهم في العلاج ثم صُدِمَ المجتمع المصري أن هذا العلاج الأجنبي لن يوجد في مصر في القريب العاجل ، وأنه ليكون فعَّالاً ويجلب الشفاء التام لابد من كورس علاجي يُكَلِّف مئات الآلافات من الجنيهات مما يحرم ملايين المصريين ( على أد حالهم ) من إماكنية الحصول عليه ..
 
من لم يُرحب بالجهاز العلاجي ليس بثاً لروح الإحباط والتشاؤم وإنما لنُوَفِّر على ملايين بناء أبراج واهية من فرحة الشفاء القريب ليسقطوا من هذه الأبراج بمجرد اكتشافهم أنها مجرد أبراج على الرمال لا تحقق لهم كلما قد يتخيلوه من البرء من مرض مزمن ، خاصة أننا دوماً نفرح ونُهَلِّل في باديء الأمر ولا نتكفَّل عناء متابعة آخر المستجدات في الشيء المطروح حتى نعرف إلى أي مدى تم بنجاح ، فكم عرضنا مشاكل حوادث المزلقانات والطرق والمباني الآيلة للسقوط وهاهي على حالها تنتظر مزيد من الضحايا ، وكم عرضنا مشاكل النجوع والكفور والقرى من رداءة مياه الشرب وتهالك شبكة الصرف الصحي وانقطاع الكهرباء وندرة رغيف العيش وانعدام وقود المحركات ونوصل الشكوى للمسئول ولكننا لا نتابع هل فعلاً تم حل المشكلة أم لا ؟؟ وننسى وننسى وننسى  ..
 
 
الموضوع ليس اختراع ماكينة قماش على يد فؤاد المهندس في فيلم أبيض وأسود ، وإنما جهاز أو علاج يبني عليه ملايين المرضى آمالهم وأحلامهم بالوصول لعلاج فعَّال يرحمهم عذاب الألم ، ويكفيهم مصاريف الاستشفاء منه ، ويبعد عنهم شبح الموت ، ويُبعد عن الأصحاء هواجس الإصابة بعدواه من مجرد نقل الدم أو أثناء العمليات الجراحية ..  
 
تعليقات القراء