مروان يونس يكتب: عفوا.. مصر لا تملك الاختيار

 
للأمم والشعوب لحظات تكون فيها الخيارات في منتهى الأهمية، خيارات ترسم المستقبل وتحدد المصير، ومصر تمر بإحدى هذه اللحظات الآن..
 
فلم يعد أمرا مبهما أو مجالا للحديث والتساؤل، الوضع السياسي الدولي لمصر ودوائر المصالح فيه، كما لم يعد لغزا قد نختلف على فهمه، التوجه الأمريكي وماذا يريدون بمصر والمنطقة، بل ما هي مآربهم من الربيع العربي بالكامل...
 
فشئنا أم أبينا، الربيع العربي كان نتاج سنوات شرق أوسطية مرتبكة، حكمت الملوك والرؤساء فيها الشعوب بواسطة القوة  والأمن، مانعين أو متصورين أنهم بذلك قد يمنعون أي تطور سياسي أو اجتماعي أو أي مطالبات بزيادة مساحات الحرية لتتقارب من المساحات المتاحة بالدول الغربية..
 
لم تكن الحكومات والأنظمة في العالم العربي أو حتى المؤسسات جاهزة أو مرنة بالقدر الكافي حتى تستطيع منح تلك المساحة أو حتى التفاوض عليها، فمع الاستمرار بالسلطة والبعد عن الشعوب تكلست مفاصل الحكم، ولم تكن مستعدة لمواجهة أية هزات سواء داخلية نتاج حراك شعبي أو خارجية نتاج مؤامرة أو تهديد..
 
كان الوسط الاجتماعي مؤهلا أيضا لهذا الربيع كما يسميه الغالبية من شعوب العالم، فالمنطقة تعاني من عدم تناسب ديمغرافي وعمري بين المواطنين، فالصراع الاجتماعي كان دائرا بين قلة نسبية من السبعينيين وزيادة مضطردة في نسبة الشباب مما أدي لعدم تجانس في النسيج العمري، ولكن لم يكن الفارق عمريا فقط في دولة أكثر من 50 % منها تحت الـ 30 عاما، ولكن كان تقنيا ومعلوماتيا وثقافيا، فكان الشباب العربي في معزل عن قياداته تماما ويعيش في عالم آخر موازي، صنع الشباب فيه قيمه وقناعاته بنفسه "أو صُنعت له" هذه القيم من خلال أجهزة الكمبيوتر والانفتاح على جميع الأفكار مما صبغ فكرهم بصبغة دولية تختلف تماما مع قناعات وأفكار الأجيال الأكبر سنا…
 
وأزاد ذلك الحراك الشعبي قوة، وأهّل الصراع العمري الاجتماعي، المنطقة لهذا التغيير، والذي كان في شكل صراع بين استمرار تشبث جيل الشيوخ بالسلطة وبين شباب يرغب في اتخاذ مكانه وفي التغيير،  ولنا مثالا مصريا شديد الوضوح لوصول هذا الصراع داخل أروقة السلطة نفسها والتي ثار عليها الشعب، ولنتذكر الصراع بين جيل جمال مبارك وبين الشيخ صفوت الشريف ورجاله كمرآة توضح لنا الأمور...
 
فنتيجة لذلك، كان الوسط مؤهل للدفع بالربيع العربي ولازما للغرب لفتح بوابة التدخل الأمريكي المباشر لتشكيل المنطقة العربية في شكل الشرق الأوسط الجديد، فها هو الشباب فاقد الثقة والاتصال بأجيال الشيوخ، ها هي أجيال الشيوخ في السلطة متشبثة فيها بلا قيم، ها هي مؤسسات متكلسة مهتزة غير متماسكة، وها هم الحكام تكلست مفاصلهم وأصبحوا جاهزين للرحيل ...
 
وبدون الدخول في تفاصيل المؤامرة، وإن كان الوضع العام نتيجة طبيعية لطريقة الحكم أو نتيجة مؤامرة "أم" استباقية كان غرضها الوصول بالمنطقة لهذا الشكل الثقافي والسياسي والاجتماعي بغرض التأهيل لما يعرف بالربيع العربي ظاهرا وباطنا خريفا أمريكيا، فالنتيجة واحدة، فقد كانت المؤامرة تستند لعنصر هام، وهو الاستفادة القصوى من الفوضى الناتجة من هذا الربيع والقضاء التام على المؤسسات المتواجدة أو الباقية داخل الدول العربية بغرض رسم خريطة جديدة للمنطقة، تتحول فيها الدول لمجموعة من الدويلات الصغيرة المتناحرة، وخارج إطار التاريخ والإنسانية، لتمهيد الأرض لحرب كبيرة لاحقا وزيادة النفوذ، بل الوصول للمنطقة بالكامل لشكل احتلال رسمي غربي مكتمل الأركان...
 
وانتقالا للحظة الفارقة الحالية، وهي إحدى لحظات المكاشفة المصرية مع المجتمع الدولي، فمع بداية المواجهات الاخيرة مع الجماعة الدولية المسلحة "الإخوان" والتي يرعاها باقتدار وبدون مواربة البيت الأبيض وأممه المتحدة، بات مؤكدا أنها الممثل الشرعي لإرادة الغرب من هذا الربيع والمدير التنفيذي له والذي لا غنى عنه...
 
فها هي أماكن النفوذ للجماعة يتم تقسيمها، اليمن بدأ والسودان سبقه وقريبا ليبيا وسوريا كمرحلة أخيرة، ها هي الجماعة أيضاً تتحالف بشكل فج دوليا مع إدارة أوباما، بل تعلن إدارة أوباما رسميا أنها لم ترى منهم إرهابا بل تراهم فصيلا سياسيا واجب الرعاية وبالاخص رعاية حقهم في التواجد المسلح ومواجهة السلطة والدولة...
 
لم يعد هناك ألغازا، فالأعداء والأصدقاء واضحين للعيان وعلى مصر وشعبها الاختيار، ولكن قبل الاختيار وجب علينا التيقن أنه لم يعد لدينا رفاهية العودة لحدود 24 يناير 2011 ومنها البقاء خارج المعادلة الدولية أو على هامش الصراع، فنحن الآن في مركز وقلب الصراع الدولي...
 
فأعدائنا اختاروا المعركة وأصدقائنا اختاروا انحيازاتهم، ولم يتبقى سوى الاختيار لشعب مصر وتحمل عواقب اختباره، فاختيار المعسكر الجديد لن يكون سهلا وسيشمل ضغوطا وربما حروبا قادمة سواء أديرت اقتصاديا بضغوط وحصار دولي، أو اجتماعيا بالإرهاب ومعاونيه من الانتحاريين، أو دوليا لدعم ملفات هدم مصر، سواء دفعنا لعمل عسكري خارج الحدود بإثيوبيا أو المواجهة مع جيش حر جاري تكوينه في جنوب غرب مصر بواسطة ميليشيات المرتزقة أو أنفاق مدرة للإرهاب والإجرام مع غزة...
 
فمكان بداية المعركة الأخيرة غير معروف، ولكن المعروف فقط هو أنه جاري التجهيز لها ، فعلى شعب مصر وقياداتها تقرير المصير، فنحن الآن لا نملك رفاهية الاختيار، فإما انتصرنا في جميع معاركنا القادمة وتحولنا قسريا وبدون اختيار لدولة عظمى جديدة سترث النفوذ المباشر بالمنطقة والناتج من الربيع العربي الأمريكي، إما انتهينا عالميا وسط فوضى عارمة وفقدان ثقة بالدولة أو بالنفس، فرفاهية البقاء على هامش المعادلة الدولية لم تعد في إمكاننا الآن...
 
فعفوا، مصر لا تملك الاختيار، فالاتجاه جبريا للأمام ومصر تنتصر، إما دولة عظيمة أو لا دولة.
 
تعليقات القراء