مروان يونس يكتب: الحرب الأهلية.. اليوم الأول

 

كثيرا ما ينظر المحللين السياسيين للوضع الحالي وعواقبه، أو يتخيلوا مستقبل مصر وماذا بعد، معتمدين على نظريات سياسية واجتماعية حول التوافق أو الصراع المتوقع أو الثورة المحتملة وذلك في قالب تنظيري جامد... ولذلك فقد ارتأيت من وجهة نظري المتواضعة أن ندخل في تقدير الوضع ولكن من بوابة سيناريو تخيلي لليوم الأول للحرب الأهلية ،كيف ممكن أن تبدأ ، ما هي نتائجها على الجميع ، هل ممكن احتواءها بعد بدايتها؟ 
 
ربما قد يغير نظرية المستحيل عند البعض أو الترحيب بها عند البعض الآخر أو يقرأها بعض صناع القرار، ولنبدأ سويا بيوم كئيب مشابه ليوم معركة الجمل في ساعاته الأخيرة من الليل:
 
القاهرة 11 مساء.. يوم كئيب مليء بالأحداث أدى لتجمد الجميع أمام شاشات التليفزيون وشاشات الإنترنت، وتنقل الغالبية العظمى من المصريين بين القنوات الفضائية وبين المواقع الإخبارية و التي لم تكن صالحة لنقل كل هذه الاحداث وبكل هذه السرعة مما أدى لحالة تخبط غير مسبوقة بين الأخبار وحالة ارتباك شديدة بين مذيعين القنوات انتقل كحالة اكتئاب عام وتوتر شديد للمتلقي... فقد اندلعت فجأة وبدون سابق إنذار اشتباكات متعددة في أماكن شاسعة  جغرافيا ولكن هذه المرة بالقاهرة.. 
 
ربما حمل الشهر الماضي عمليات اغتيالات محدودة جدا لبعض قيادات السياسية بالمحافظات من الجانبين ولكن كان الأبرز العملية الأولى والتي كانت غير مفهومة وهي اغتيال داعية سلفي مؤيد لجماعة الإخوان المسلمين بالصعيد، ونُسبت بالتأكيد العملية للمعارضة والمسيحيين المصريين من وسائل الجماعات الحاكمة للإعلام كمعارضين لانشاء الدولة الإسلامية المصرية والتي بدأ الحديث عنها من الرئيس... كانت عمليات السيطرة علي الأحداث بالصعيد جارية ولكن بلا أي نتائج تذكر، فتصريح الرئيس بأنه لن يتسامح في دماء الشهداء ولن يتسامح مع أعداء الإسلام قد ألهب المشاعر لتياره فكان مردوده الطبيعي عنف وعلى الجانب عنف مضاد على شكل مقاومة تطور من الطوب للمولوتوف للخرطوش للرصاص الحي...
 
بدأ هذا العنف بالصعيد حيث تمت العملية وتوجهت مجموعة من المسلحين الملثمين لبعض مقرات الأحزاب المدنية وبعض العائلات المسيحية التي اعتقدوا أنها وراء الحدث وتبادلوا معهم إطلاق النيران فما لبث أن كان عدد الضحايا كبير جدا من الجانبين بل غير محتمل السكوت عليه "من الجانبين أيضا".. للأسف كان الشعار الأساسي بأحداث الصعيد عند بدايتها "انقذوا الإسلام يا مسلمين" وتحول القصاص من الكفار، ومع الجهل، أتى بنتائج عظيمة في اتجاه الفوضى كما كان للعنف رافدا داعما آخر وهو صمت رهيب للرئاسة والجيش عن التعقيب مما رآها كثيرين مباركة فاستمر العنف...
 
وللأسف ومع اليوم الأول حاولت الشرطة "المتهمة سلفا أنها شرطة المرشد" رأب الصدع ولكن لأسابيع ووسط الفوضي المسلحة المستمرة، ووسط الفوضى الاجتماعية، ووسط حالة الغضب السابق منها، لم تستطع أن تفعل شيء بل وقفت متفرجة على سيل الدماء، فقد أبي معظمها أن يساعد أي طرف في مواجهة الطرف الأخر حيث أن الصراع أخذ جانب شديد العنف مما كبدها خسائر في الأرواح خلال أيامها الأولى ولكن بالطبع مستترة.. كانت تحمي السلطة والمتمثلة في الإسلاميين الغاضبين.. نهاية فقد تضائل دورها شيئا فشيئا حتى أصبح وجودها فلكلور أو لالتقاط الصور الصحفية...
 
لنتذكر بعض الأمور مع بداية القتل، فقد حاول العقلاء من الجانبين والأحزاب ومنظمات حقوق الإنسان رأب الصدع، كما حاول الجيش المصري أيضا التدخل من خلال قياداته في باديء الأمر ولكن كان العنف سيد الموقف، فما لبث أن خرج الجميع من اللعبة حتى لا يتحمل أحد المسئولية تاركين قوات رمزية للجيش في مناطق القتل والنزاع ومقرات محترقة لجميع الأحزاب حتى الدينية...
 
 ووسط هذا وذاك ظلت تسريبات دخول عناصر إيرانية وحمساوية بمصر مستمرة وللأسف مع تواتر الخبر وكثرة استخدامه بدون أي نتائج لما يقرب من ثلاث سنوات لم يعد الخبر يهم أحد تماما مثل تحول الصراع للمحاكم لم يعد يهم أحد أيضا، فدولة القانون غائبة تماما منذ شهور... 
 
رغم المحاولات للعقلاء لم يوجد أي رد فعل القانوني على الأحداث، فالقانون غياب بسبب قضاء منهار بين معركته الداخلية الناتجة من مذبحة قضاة جديدة قامت بها جماعة الرئيس، تركت خلفها القضاة ما بين ممتنع عن العمل ومعتصم أمام المحاكم ومحاكم مغلقة سوى محكمة واحدة وهي ما تسمى بمحكمة الثورة، والتي اعتدنا أن نسميها محكمة المرشد، والتي همها وشغلها الشاغل لشهور مضت هي حبس أصحاب الرأي من جانب واحد وهو المعارضة...
 
للأسف تفاقمت الأحداث بالصعيد ومع تبادل إطلاق النار من الجانبين وظهور أسلحة متطورة مع كل جانب بل دخلت بعض العائلات للصراع من باب الثأر هذه المرة مما اعطى طابع دموي أكبر وزاد عدد الضحايا ليصل للعشرات يوميا، وما كان من بقايا الدولة كردة فعل سوى استمرار التسريبات أن ما يحدث بسبب أصابع خارجية مندسة لتهدئة الرأي العام بحجب الأخبار تارة وخفض أعداد الضحايا تارة أخرى ربما لـ 10 % من الأعداد المنقولة من الجانبين.. 
 
ولكن في الأسبوع الأخير بدأ نوع جديد من الأخبار يظهر، وهو اشتراك قوات الشرطة أو مساعدتها اللوجستية لقوات الإسلاميين والذي أربك الموقف كثيرا، والذي بدوره أدي لتفكير القوى المدنية بالقاهرة للخروج بعدة مسيرات اليوم بالقاهرة وهي المكتظة بـ 30 مليون مصري... 
 
حقيقة لم يتخيل كثير من البسطاء أن ينتقل الصراع للقاهرة كما لم يتخيل الشرفاء من النشطاء الذين لم يتبق منهم الكثير بعد تحول البعض لناشط إسلامي والبعض الآخر كان عرضة للملاحقة والتأييد أن تكون المسيرات بأعداد كبيرة، ولكن مع أزمة الفقر والجوع الطاحنة كانت الأعداد متوسطة بل مبشرة ولكن لم تكن الغالبية من الطبقة المتوسطة هذه المرة ولكن من الطبقة الفقيرة اليائسة تماما مع استمرار حالة الفقر والجوع لشهور... 
 
بدأ اليوم بتجمع المسيرات بالقاهرة وانضمت لها بعض المحافظات، توجهت بعض المسيرات لمقرات القوات المسلحة مطالبين إياها بالتدخل وقلب نظام الحكم، وبعضها كان متوجها متخذا قرار الاعتصام أمام مديريات الأمن والبعض الآخر أمام مكتب الإرشاد ومقرات الأحزاب الدينية..
 
حقيقية لم تكن الأعداد كبيرة جدا ولكن الأمر المؤسف كان ظهور الطرف الثالث بجميع المسيرات، فمع بداية التحركات ظهر ما يسمى بالباعة الجائلين مهاجمون المسيرات التي كانت أعدادها آلاف بسيطة، ولكنه كان هجوما متطورا فقد شمل وابلا من الخرطوش، فما لبث أن ظهر الطرف الثالث (كما تحكي قصص شهود العيان) بأحداث الصباح وبدأ القنص للمتظاهرين وبدأت أعداد الضحايا في التزايد... وفي حركة عفوية وفي منتصف اليوم بدأت المسيرات تتحرك لمقرات الأحزاب الإسلامية والتي كانت في حماية الشرطة حينها، ومع وصول المسيرات والتي زاد اعدادها بسبب الدماء فوجئت بهجوم استباقي لا يعرف أحد مصدره، ولكن أُشيع أو ظهرت فيديوهات تشير أنه من التيارات الإسلامية (حقيقة أو كذبا لم يعرف أحد) وللأسف بدأت الشرطة في الاشتباك الكامل وبجميع الأسلحة مع المتظاهرين انقاذا للمقرات المقدسة لهذه الأحزاب...
 
هرع المصريون للمنازل متنقلين بين القنوات لمعرفة حقيقة الحدث، ومع موعد البرامج الحوارية بدأ المشاهد يتعرف على معلومة أن الاشتباكات قد امتدت خارج نطاق مقرات الأحداث وانتشرت بأماكن جغرافية متعددة، وكان الملاحظ أن الأحداث لم تشمل إلا جوانب أحياء القاهرة متوسطة الحال وهي الأحياء التي تشمل جمعا لكل الطوائف، فالأشد فقرا كانت هادئة فسيطرة التيار الديني ونفوذه كان فعالا والمناطق الراقية كان العكس لحساب التيار المدني... 
 
تسمر المصريون أمام التليفزيون ما بين فيديوهات متقطعة لعمليات مسلحة متفرقة لا تعرف من من وضد من!! ولكن مع اقتراب الساعات لمنتصف الليل بدأ ظهور أخبار جديدة وأعداد متزايدة من القتلى بل شملت مصطلحات مثل إعلان مناطق النفوذ من الجانبين وظهور مصطلح جديد بجوار المصابين والقتلى والمحتجزين والأسرى!!! 
 
مع اقتراب الفجر وفقدان السيطرة ظهرت أنباء عن تحرك الجيش لقلب القاهرة... للأسف كان التحرك مريب أكثر من ما يحدث على الأرض، فقد صدر بيانان، الأول من الرئاسة أنها أمرت الجيش بالنزول للشارع حفاظا على الأمن واستقرار البلاد والحفاظ على النظام والثاني يُتداول إلكترونيا من صفحات الجيش نفسه تفيد أن الجيش قد نزل بناء على الواجب الوطني....
 
إلى الآن وحتى ساعات الفجر لا يوجد أخبار وتعبت الناس من المتابعة بقيت تساؤلات بالغة الأهمية... ماذا سيفعل الجيش هل سيكون عرضة للنيران من الجانبين مثلما حدث للشرطة عند محاولتها للتدخل لفصل القوات من بعضها؟ هل سيتدخل بشكل رمزي وفلكلوري مثلما حدث بالصعيد ولا يتدخل ويتفرغ للتصوير أمام الكاميرات؟ هل سيثق فيه ثوار التيار المدني والذين بدأوا يسموا أنفسهم قوات المقاومة الشعبية أم سيثق فيهم ثوار التيار الديني والذي تحولت حربه إلى حرب إسلامية تماما بواسطة الآلة الإعلامية لهذا التيار؟؟ هل حتى لو وقف محايدا سيستطيع أن يمنع رجاله من أن يزج بهم داخل الصراع في وسط هذه الحالة من الانفلات وأخبار أن زي الجيش متوفر لدى الجميع؟؟ هل القوى المعادية لمصر ستترك هذه الفرصة بدون تأجيج للصراع وإشعال للحدود مما يضيف على الجيش مهمة أخرى؟؟ هل حتى لو أسقط الجيش الرئيس فماذا هو فاعل مع الإسلاميين الغاضبين؟؟
 
للأسف أزمة الجوع واليأس وفقدان الأمل قد أدت لفقدان ثقة كامل في كل الأجهزة فقد بُحت الأصوات مطالبة إياه لأشهر مضت بالتدخل ولو على أقل تقدير ليصحح مسار التيار الديني أو الوقوف بجانب القانون ودولته أو حماية المتظاهرين في مرات عديدة ولم يفعل...
 
المهم لم ينتظر المصريون كثيرا من الجيش ولم يعولوا عليه بعد اليوم الأول للحرب الأهلية فقد ذهب أغلبهم للفراش ما بين مقتنعا أن تقسيم مصر هو الحل، وبين من هو مقتنع أن إيران بدأت الآن في مصر وأن الجيش يعلن تأييده للمرشد، وما بين مقتنعا أن النهاية الحتمية جنرال يبطش بالكل لمصلحتة الشخصية وبناء دولة يوليو جديدة، وبالطبع ما بين من هو مقتنع من الجانبين بضرورة مقاومة الكفار أو مقاومة المحتل الديني...
 
ولكن بعد انتهاء هذا اليوم المظلم بات الكل يعرف أن بالوصول لهذا اليوم فقد نجحت عملية هدم مصر وإدخالها في سيناريو مظلم تقبع فيه لسنوات قادمة، ولن يرحم التاريخ كل من ساعد وساهم في خطة التمكين للإخوان على جثة الفوضى أو الاستمتاع به متفرجا معتقدا أنه خارج اللعبة السياسية كطرفا مقموصا أو غير مهتما أو على الحدود، فلم تكن محاولة انشاء الجمهورية الثانية فقد كانت الجمهورية الثانية هي الجمهورية الأخيرة... 
 
*انتهت هذه المقالة التخيلية لليوم الأول للحرب الأهلية ونحمد الله أننا لم نصل بعد لذلك اليوم ولكن بكل أسف مع كل يوم يمر تقترب احتمالاته، وحتى لا نصل له فعلى طرفي المعادلة أصحاب القرار الاختيار، وهم الجيش والإخوان، فإصرار مرسي على التمكين وصمت الجيش يضعنا على الطريق... 
 
 نهاية ليقتنع الإخوان أنهم سيسقطون وليقتنع الجيش أنه عليه واجب وطني، وليعرف الاثنان أن النهاية ولو بفوضى فلن يفوز فيها الإخوان، وإن كان انقلابا فلا يمكن أن يحكم الجيش وحده، فإعادة بعث الخميني أو ميلاد ناصر جديد مستحيل... 
 
وفروا علينا وعليكم وعلى الوطن ما هو قادم من أحداث.
تعليقات القراء