هالة منير تكتب: لماذا تحاكمون مبارك ؟!!

" اللِّي حصل إِنْ فيه ناس أحرار بيروحوا في الرجلين علشان ما بِنْحُطش اللي يستاهلوا في السجن ، البَوَظَان بقى في الكل " ..
العبارة اللي فاتت من فيلم ( زائر الفجر ) إنتاج 1973 عن مراكز القوى وعن مأساة كل من يتحدث بالسياسة ، مأساة من سأل عن سبب نكستنا في حربنا مع العدو الإسرائيلي ، ومأساة من يسأل عن سبب نكستنا في ثورة يناير ، ومأساة من سيسأل عن إمكانية السيسي في جعل مصر أد الدنيا كما وعد أم لا ..
 
تَنوَّعت المأساة بين زيارة الفجر أو القبض العشوائي والقذف في المعتقلات بتهم واهية أو ملفقَّة على يَدِ السلطة الحاكمة ، وبين الجلد بألسن المواطنين الشرفاء ممن يمشون في رَكْبِ عبد الرحيم علي وما يحمله من صناديق سوداء تمتلك أكثر مما يمتلك مرتضى منصور من سيديهات ومستندات ، ليشنِّعوا على معارضي النظام بتهم العمالة للخارج أو تهم الانضمام للجماعة الإرهابية المحظورة ، في حين يُلَمَّع كل يوم وبكل الطرق كل وجوه الفساد من فلول مبارك ..
 
الرئيس المخلوع يرتدي بدلته ونظارته الشمسية من جديد ويُلَوِّح بالسلام ضاحكاً وكأنه يخرج لسانه فاركاً قبضة اليد على راحة اليد الأخرى قائلاً : " عليكوا ثورة " .. بسماته وضحكاته ثم دموعه عند سماع الدفاع الذي وجَّه عتاباً لطيفاً للمخلوع ( لماذا تنحيت وتركت البلد للخمورجية ؟!! ) .. في الحقيقة لقد حَذَّر أَنَّ من بعده الفوضى بعد أن سخر بنا منذ البداية ( خَلِّيهم يتسلوا ) ، وبعد أن خلعناه كنا نردد أن ما يحدث من شغب واعتداءات هي بأيدِ فلول نظامه ، في حين كانوا يقولون هم أنها أصابع خارجية وطرف ثالث حتى يُبْعدوا الشبهة عن المجلس العسكري ، حتى وصلوا إلى أن أقنعوا الغالبية اليوم أن اليد الخفية هي الإخوان وليسوا إلا الإخوان ومنذ اللحظة الأولى ، ويجدون من يُصدقهم بسهولة جريان الماء ..  
 
بين بشائر براءة مبارك ونجليه ووزير داخليته التي بدأت تلوح للعيان ، وبين بشائر الأحكام المغلَّظة التي ستصدر في حق قادة الإخوان ، يقع كل من لم ينتمِ للفلول أو الإخوان أو شعب السيسي بين المطرقة والسندان ، إذا تحدث عن مبارك وفساده يذكرون لك أنه كان " شاكم " الإخوان 30 سنة وكان صحيح بيسرق بس معيشنا في أمان ، وإذا تحدثت عن مرسي وأخونة مفاصل الدولة وغوغائية مناصريه من المتأسلمين ومحاولتهم صبغ هوية الدولة بصبغة دينية زائفة انقض عليك بضع منافقين ليتهمونك بتهم التكفير والتغييب ومعاداة المشروع الإسلامي ، وإذا تحدثت عن نقض السيسي وعده بعدم إقحام الجيش في السياسة وعدم الطمع في السلطة وأن عزله للإخوان مجرد واجب وليس جميلاً أو بطولة تؤدي للتمجيد والفرعنة انفتحت لك طاقة جهنم من صنَّاع الفرعون الإله وأنَّه قال : ( أقسم بالله شرف حماية إرادة الناس وحريتها أنها تختار ما تشاء وتعيش كما تشاء أعز وأشرف من حكم مصر ) .. وكأنه لن يحكم مصر !! وكأَنه لم يطلب تفويضاً من قبل على شيء لا يتطلَّب تفويض !! وإذا انتقدت حال البلد من تسيُّب وتقصير وفشل أمني بحق التفويض المعُطى ، تتلقى لكمة : ( هو إنتوا عاملينه الشمَّاعة لكل أخطاء البلد ؟!! ) في انتظار اللكمة التالية بعد تولِّي الرئاسة : ( هو إنتوا فاكرينه معاه عصاية سحرية ؟!! ) .. وهكذا ..
 
مصر رايحة على فين ؟!! هي راكبة نفس وسيلة المواصلات منذ الأزل ، حاكم يَتَسَلَّط أكثر مما يقود ، حكومة تشكم أكثر مما تحكم ، شعب يعبد إله يصنعه أكثر مما يعي أو يعمل من أجل وطنه ..
منه من يتصدر الشاشات على مقاعد ضيوف البرامج ، يقابلهم إعلاميون إمَّا مُطَبِّلَاً وإما مِهنياً وإما مجرد بوق للنظام .. ومنهم من تتفاوت درجات جذبهم للمتابعين على صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي يشحذون الهمة ضد ما يسمونه إنقلاباً أو حرباً على الإرهاب ، وقليلون منهم من يمشي على الجمر قائلاً كلمة الحق سواء كانت لك أو عليك ، ومنهم من ينظم الوقفات والمسيرات والمظاهرات سلمية أو ما يقال عنها سلمية ، وآخرون يُقدَرون بالملايين لا يهمهم إلا تنصيب " آمـــون " والبركة ستحل على الشعب بمجرد أن يرفع الصولجان ..
إلَّا أن القشة التي تعلَّق بها الغريق هي ذاتها القشة التي ستقصم ظهر البعير .. !!
 
الملايين التي تعاير النشطاء لمطالبتهم بحقوق الإنسان وتصفق وتهلل لمن يهين ويقهر الإنسان ، الملايين التي تهتم إذا ما كان باسم يوسف وعلاء الأسواني حرامية مقالات وروايات أكثر من اهتمامهم عن السرقات التي لم تتوقف لعقود من الزمن ، الملايين التي خَوَّنت البرادعي لأنه حاول خلع مبارك ثم هدأوا لأن كتفه في كتف السيسي عند عزل مرسي  ثم هاجموه من جديد بعد استقالته واعتراضه على فض رابعة الدموي ، الملايين التي تتجاهل الإنفلات الأمني في أسوان ولا تطالب بعزل وزير الداخلية البطل الذي يقضي على الإرهابيين ، الملايين التي لم تصدق مرسي حين قال أن أحدهم يأخذ عشرين جنيهاً للعبث بسكينة الكهرباء ، واليوم ترى أن ترشيد استخدام الكهرباء وتَحَمُّل انقطاعها واجبٌ قومي للإستقرار وللدفع بعجلة الإنتاج ، الملايين التي لديها من الاستعداد للتخلص من أدوات الحصول على العيش والحرية والعدالة الإجتماعية في سبيل الحصول على العيش الحاف والأمن الزائف والكرامة المشروطة ..
 
الدرس لم ينتهِ ، خلوا الكراريس .. ولن يُغيَّر الله ما بنا حتى نُغَيِّر ما بأنفسنا ، قال تعالى :  (وفِرْعَوْنَ ذِي الأوْتَاد . الذينَ طَغَوْا في البِلاد . فَأَكْثَرُوا فِيها الفساد . فَصَبَّ عَلَيْهِم رَبُّكَ سَوْطَ عذاب . إِنَّ رَبَّكَ لَبِلْمِرْصَاد) الفجر(10- 14) ..
 
 تريد أن تعلم المستقبل دون أن تُنَجِّم أو تضرب الودع ، تدبَّر الآية السابقة ، أو انظر إلى حاضرنا أو إلى الماضي المرصود في تاريخ السينما المصرية ، حافل بعرض فساد الدولة والأفراد والحكومات والمؤسسات والقمع والقهر والذل والاستعباد ، وخاصة مشاهد الظلم التي تتكرر عقب كل ثورة أو احتقان شعبي 
تعليقات القراء