أحمد لاشين يكتب: الشاطر خيرت وأبو إسماعيل صاحب الكرامات‎

كان ياما كان..‏ هذه هي بداية كل الحواديت والأوهام التي تسكن مخيلة شعب بأكلمه،عن بطل مضطهد غلبان،وسلطان قوي ‏غاشم شرير يمارس عليه كل آليات القمع،وبعد أن يخوض البطل سنوات العذاب،يُكتب له الانتصار في ‏النهاية،فيتزوج الجميلة،ويحل محل السلطان الجائر.وهنا تتوقف أحداث الحكاية،فلا تفسر لنا ماذا فعل البطل ‏المغوار الذي عانى الأمريين ،بعد أن ملك وتحكم وتسلطن على رقاب العباد،فهل حكم بالعدل!!،أم انتهى كنهاية ‏الظالم الذي حل محله!!.فنهاية الحواديت سؤال مفتوح على كل الإحتمالات،خاصة أن الحكايات كالتاريخ يرويها ‏المنتصرون فيعيدوا تشكيل الواقع كما يرون،أو كما يريدون من الآخريين أن يشاهدوه.‏

ونحن شعوب تعشق الحكايات ،تخلق الواقع وهماً على مقاس أدمغتها القاصرة،تبجل الكاذبين،وتمجد الشطار ‏واللصوص،إذا أجادوا سرد الحواديت والحكايات على مزاج المستمعين،فتخلق من هذا بطلاً،ومن ذاك صاحب ‏كرامة يشفي المرضى،ويحقق المعجزات،فبنية الوهم هي التي تشكل الواقع في بلادي،وما السياسة في مجتمعنا ‏إلا إعادة خلق للأسطورة بكل ما تحمله من ثنائيات الخير والشر،الإله والشيطان،البطل والشرير،ثنائيات سطحية ‏تفرز وتصنف الأشخاص والمواقف،والضحية مجتمع يعاني الجهل والأمية والفقر ،ويُجسد الوهم حلاً.‏

الشاطر خيرت الشاطر،رجل الأعمال الناجح ،صاحب المشاريع الريعية التي لا تسمن ولا تغني من جوع إلا ‏له،يوسف مصر كما أسماه أصحابه،مهندس أموال الجماعة المحظوظة،التي خرجت من غياهب الجب ،بعد رحلة ‏طويلة من الصفقات والمؤامرات استمرت لثمانين عاماً،لتحكم وتتحكم وتحدد مصير وطن كمصر،قرر أن يقدم ‏نفسه هو وجماعته ومرشحهم الجديد للرئاسة محمد المرسي رئيس حزب الجماعة،كالبطل المغوار وشاطر ‏الشطار ،المنقذ لمصر من براثن العسكر،الذي احترف هو وجماعته العمل معهم ولهم منذ بداية الثورة المصرية ‏وإلى الآن، ضد الوطن بأكمله،فيخرج في ثوب المضطهد المهدد بثورة ثانية تأتي على الأخضر ‏واليابس،لاستبعاده من سباق الرئاسة على خلفية قضية مليشيات جامعة الأزهر،والتي اعتدى فيها على هيبة ‏الدولة والقانون،فيحشد الميدان ويجمع الأنصار من كل الأمصار،ليخطب فيهم ويؤجج ناراً وقودها حواديت ‏الوهم،ويهدد ويندد،ويدعو لمناصرة لقمان مصر محمد المرسي كما وصفه أحمد أبو بركة المستشار القانوني ‏لحزب الحرية والعدالة،فيصدّر لنا حدوتة وهمية جديدة مفادها أنه وجماعته ضد حكم العسكر الممثلين في ‏المجلس العسكري،نافياً تاريخ الصفقات التي بدأت ولن تنتهي إلا بفوز الجماعة على الأقل بكراسي الحكومة ‏الجديدة في ظل رئيس جديد يرضى عنه طرفي المجلس العسكري وجماعة الأخوان.فالشاطر خيرت هو المجسد ‏لكل فكر الجماعة التي خرجت كلها من السجون لتحكم مصر،متمثلة شخصية السجان.‏

واستكمالاً لدائرة الوهم والسلاح،قررت الجماعة أن تتوحد سياسياً مع أنصار صاحب الكرامات،الشيخ حازم أبو ‏إسماعيل،الذي اُستبعد بعد أن تبين كذبه وفصامه الذي يمارسه على رؤوس الأشهاد،بين سب أمريكا والاستفادة ‏بكل إمكانيات الحكومة الأمريكية ليس أهمها جنسية والدته رحمها الله.ذلك التوحد قد يكون سببه الجذور ‏الأخوانية للشيخ حازم نفسه أو لوالده الشيخ صلاح أبو إسماعيل،وقد يكون بسبب أن من ضمن أنصار حازم  ‏جهاديين من أصول قاعدية أو العائدون من بلاد الإرهاب ،والذين يتلقون أوامرهم ليس من الشيخ حازم كما يظن ‏هو أو كما يظن البعض،وإنما من أمراء القتال في بلاد بعيدة،وهنا مكمن الخطورة،فجماعة الأخوان التي تحاول ‏أن تنفي من تاريخها أي علاقة بالجماعات الإرهابية،تحاول استغلال غشم أنصار أبو إسماعيل كيد ضاربة في ‏أي وقت يكون فيه تهديد فعلي لأحلام الجماعة،ولنا في الجماعة الإسلامية بكل تاريخها الدموي والتي قررت ‏دعم الشيخ حازم خير مثال على ذلك،خاصة بعد تخلي التيار السلفي بمختلف توجهاته،الدعوي منها أو السياسي ‏المتمثل في حزب النور عن مناصرة حازم.‏

فتيارات الإسلام السياسي والحركي،قررت أن تنقلب على ما أعلنت تأييده منذ بداية استفتاء مارس ‏المشؤوم،وعادت إلى الميدان الذي لفظته وكفرته ولعنته مئات المرات وعلى مختلف المنابر،بعد أن شعرت ‏بخطورة ما تحدق بمشروعها التمكيني،بعد أن وقعوا بمنتهى السذاجة السياسية في فخ العسكر،بمجلس شعب ‏منتهي الصلاحية،ودستور لن يضعوه،وسلطة تنفيذيه صارت بعيدة المنال،فقرروا إلقاء كل آليات الديمقراطية ‏التي كانوا يكفرونها من الأساس ،والعودة لأصولهم الحركية الأولى،مهما كلف ذلك الوطن من آلام ودماء جديدة.‏

وتحول شعار " الشعب يريد تطبيق شرع الله "،إلى شعار فضفاض يزايد عليه كل فصيل إسلامي ‏بطريقته،فأنصار أبو إسماعيل يهتفون به في الميادين،كما حدث في مليونية الجمعة 20 / 4 ،أو التي قبلها،أو ‏أمام اللجنة العليا لانتخابات التي يعتصمون أمامها في إرهاب للدولة وقانونها،وكذلك يقدمه كل المرشحين ‏الإسلاميين كمشروع نهضوي عظيم ، في بلد لا ينقصه الدين،ولكن تنقصه الكرامة والعلم والقانون،مشروع ليس ‏له ملامح واضحة سوى تمكين وسلطة ونفي وإقصاء لكل المخالفين،لندرك جيداً ماذا حدث في الحكاية بعد أن ‏وصل البطل المضطهد إلى سدة السلطة والحكم.‏

وصاحب الكرامة الشيخ حازم،الذي أشاع عنه أنصاره قدرته على ارتكاب المعجزات،قرر أن يُرينا معجزته ‏الأخيره،في حشد مئات الألوف رافعين أعلام سوداء ترمز لأصولهم الجهادية الأولى،منتظرين صاحب ‏المعجزات أن يطبق شريعة الله كما يرونها هم،فيؤسس مجلس شيوخ جديد،أو كما أسماه مجلس للثورة ‏الجديدة،ويقدم نفسه هو ومن معه كمخلص وهمي خرج من عالم الحواديت التي تسكن عقول أغلب مجتمعنا،بعد ‏أن تعرض لمؤامرة كونية تبدأ بأوباما ولن تنتهي في إسرائيل،ويشارك فيها المجلس العسكري،خوفاً من تطبيق ‏فكر أنصار الشيخ حازم عن الشريعة،لنتحول إلى أفغانستان جديدة.وكأن مصرنا تحمل داخلها كل آليات التقدم ‏والمنافسة للكيانات العالمية ولا ينقصها إلا تطبيق شرع الله!!!!.‏

يا سادة،أنتم من سلكتم هذا السبيل منذ البداية،حينما توافقتم مع العسكر ومنحتوهم شرعية دينية على ‏منابركم،وسياسية بموافقتكم على تعديلات دستورية عوراء،أفضت بالبلد إلى التهلكة،وانتخابات تشريعية بلا ‏دستور يحكمها،وتخاذلكم عن نصرة ثورة كانت أحوج إليكم،بدلاً من مجرد مساندة مرشح سلفي أو ‏أخواني،وتكفيركم لكل صاحب فكر قدم رؤية واضحة توصلنا إلى بر الأمان،أمثال الدكتور البرادعي الذي أثبتت ‏الأيام أن حكمته كانت أوضح في معظم ما قال وأشار.فلعنة نعم التي ناديتم بها هي التي أوصلتكم إلى ما وصلنا ‏إليه الآن من انقسام وتشتيت وصراع مصالح،فلقد تماديتم في استغلال ذهنية الحواديت والثنائيات التي تحكم ‏طبيعة تفكير مجتمع لم يتجاوز بعد مرحلة الطفولة السياسية،ليتحكم به في النهاية أمثال الشطار وأصحاب ‏الكرامات.‏

 

تعليقات القراء