«كان قناصاً شديد الخطورة .. الداخلية استأجرت ثلاث راقصات لإستدراجه» .. فرقة الموت تحركت بعد غضب الملك فاروق للقضاء على «محمد منصور الخط»

الموجز

"خط الصعيد" هو اللقب الأكثر رعبا لدي فئة كبيرة من الشعب المصري، حيث أنه دخل في التراث الشعبي وتوارثه المجرمون والقتلة، بدافع التباهي بين أقرانهم من الخارجين عن القانون، وتشير بعض الروايات والمصادر التاريخية إلى أن أول من أطلق عليه لقب "خط الصعيد" هو محمد محمد منصور ابن قرية درنكة بأسيوط، والذى لم يعرف تاريخ محدد لمولده وإن كانت بعض الدلائل تشير إلى عام 1907 حسب بعض روايات اهالي قرية درنكة بأسيوط ، وأن سبب التسمية بـ"الخط" جاء نتيجة تحريف لقب عائلته من سر الختمة الذى أطلق على جده نسبة لحفظه القرآن الكريم ثم إلى الختمة والختم والخت وأخيرا" الخُط" .

 

تحدى شيخ الغفر

مارس خط الصعيد الكثير من الجرائم البشعة على الأهالى لبث الرعب في صدورهم واجبارهم على دفع الإتاوات والضرائب، والسطو المسلح والخطف والنهب والقتل لحساب الغير، وتحدى شيخ الغفر بالنزول في وسط النهار وليس متخفيا ليلا.

يوما بعد يوم بدأت الروايات تنسج حوله، فتحول إلى بطل أسطوري، ونسبت إليه كل الجرائم التي فشل الأمن في العثور على مرتكبها فكانت أسطورته تتضخم، حيث قتل "الخط" ما يزيد على 60 شخص إضافة إلى جرائم الخطف والسلب والنهب وفرض الإتاوات والجبايات.

وللقضاء على "خط الصعيد" تم تشكيل فرقة خصيصا لملاحقته من شرطة منفلوط بقيادة ملازم محمد سعيد هلال وأطلق عليها فرقة الموت، ولقى مصرعه بعد تبادل لإطلاق الرصاص أثر واقعة خطف صبي بواحد عشرين طلقة في جسده، فى يوم 6 أغسطس 1947.

كيف تحول محمد منصور إلى خط الصعيد؟

هرب منصور وقتها إلى الجبال للإختباء من العائلة، التي قتل أفراد منها، خوفًا من النيل منه وقتله، للأخذ بالثأر منه، ما جعل العائلة يقتلون أثتان من اخواته للثأر منه، ودفعه الأمر للإصابه بالجنون.

أصبح خط الصعيد، مجنونًا بإرتكاب الجرائم وسفط الدماء، وشكل عصابة من مطاريد الجبل، وقادها لإرتكاب العديد من الجرائم من قتل وسرقة وهطف وسلاح وفرض إتاوات، وأثارت جرائمه الرعب في قلوب المواطنين.

اللقب الشهير "خط الصعيد"

انتشرت روايات حول سبب تسمية خط الصعيد بهذا اللقب، والذي جاء تحريفًا لـ لقب عائلته من «سر الختمة» الذي أُطلق على جده نسبة لحفظة القرآن الكريم، حيث تم تحريف الاسم إلى الختمة، ثم، الختم، ثم الخت، وانتهى الأمر بالخًط، الذي أًطلق على محمد منصور.

النساء من أسباب سقوطه

كانت متع «الخط» موزعة بين لف السجائر واحتساء الخمور التي كان يحصل عليها مجاناً من المحال في أسيوط، إلى تعاطي مخدر الأفيون (لم يكن فمه يخلو منه) وكان يحصل عليه مجاناً. أما متعته الأساسية فكانت النساء، وخاض بسببها معارك دامية كما باشر أعمال قتل كثيرة بسبب المرأة وكان يختار نساءه من راقصات الأفراح والموالد ويقال أنه تزوج عشر مرات. أنجب من زوجته رشيدة ذات التسعة عشر ربيعاً ابنه الوحيد هاشم الذي لم يجتمع به عشر مرات مذ تزوج حتى مصرعه.

هو الحظ بنقطة فوق الخاء ولا نقطة فوق الطاء؟!

في 1946 بدأت وزارة الداخلية ترسل حملات أمنية مجهزة الى الجبل حيث يحتمي «الخط» للقبض عليه أو تصفيته جسدياً، لكن «الخط» وعصابته كان لهم بالمرصاد وقتل العشرات من رجال الأمن ومضت شهور من دون ظهور أي شيء يشير إلى تحسن الموقف.

كان الخطّ حتى ذلك الحين قتل ما يزيد على 60 نفساً إلى جرائم الخطف والسلب والنهب وفرض الإتاوات والجبايات. وفي 1947، خلال الاحتفال بعيد الملك فاروق السابع والعشرين وفيما كان الملك يصافح المدعوين من كبار الشخصيات، جاء دور صاحب السعادة عزيز أباظة باشا، الشاعر الكبير، وكان عهدذاك مدير مديرية أسيوط. بادره الملك بعبارة ذات مغزى خاص فهمه الشاعر الكبير، إذ قال له الملك: قولي يا عزيز باشا هو الحظ بنقطة فوق الخاء ولا نقطة فوق الطاء؟!

وكان ظاهر العبارة أن الحظ يلازم الخط الذي كانت أخباره ملء السمع والبصر، لكن المعنى المبطن للعبارة كان يقصد به فشل مدير المديرية في القضاء على «الخط» ونوع من اللوم المخفي في ثنايا الدبلوماسية الملكية.

عاد الباشا المدير الى أسيوط واجتمع بمعاونيه وراح يلومهم ويوبّخهم ويتهمهم بالتقصير وخص عبدالحق بك مأمور مركز منفلوط بالقدر الكبير من اللوم والتوبيخ فعاد عبد الحق بك إلى مقر مركز الشرطة موجهاً اليهم بدوره اللوم والتوبيخ وقرر خلال اجتماعه بضباطه تشكيل فرقة لمطاردة «الخط» أطلق عليها «فرقة الموت» بقيادة الملازم أول محمد سعيد هلال وبمساعدة الكونستابل محمود الغول. كانت مهمة هذه الفرقة قتل الخط لا القبض عليه، على أساس أن أجهزة التحقيق أمام النيابة والقضاء قد لا تقتنع بشهادات سمعية ولأن «الخط» لم يضبط مرة واحدة متلبساً بارتكاب جريمة.

راحت الفرقة تجوب أنحاء أسيوط وتقترب من الجبل الذي يختبئ «الخط» فيه وتتبادل الاشتباكات مع المطاردين في معارك سقط خلالها أكثر من مئة مطارد، لكن «الخط» لم يكن بينهم إذ كان يتمتع بنوع من الحدس وقدرة فائقة على الرماية.

كانت بندقيته الإنكليزية من طراز «لي انفيلد» ذات خزنة تتسع لعشر رصاصات تسبق خطواته، وكان يستطيع إصابة ضحيته بها في الرأس من على بعد مئات الأمتار. كان رجال الشرطة يدركون وكذلك «الخط»ـ أن الخروج من الجبل والنزول إلى الأرض المنبسطة فيه نهايته، لذا وضع ضباط الداخلية خطة لاستدراج «الخط» إلى الأرض المنبسطة.

ولما كان مأمور منفلوط يعلم مدى غرام «الخط» بالنساء استأجر ثلاث راقصات ليرقصن ثلاثة أيام متصلة في بلدة العزبة التابعة لمنفلوط، لعل «الخط» يبتلع الطعم، لكن المثير هنا أن «الخط» ذهب إليهن فعلاً واستمتع بهؤلاء الراقصات «الحكوميات» ثم تمكن من الفرار!

أحضان حليمة

أكثر من أوقات وجوده في وابور المالطي بجوار عشيقته التي كانت تجيد فن الغرام وفن الطهو معاً. وبسببها غير خططه التكتيكية في طريقة ارتكاب جرائمه فبعدما كان يرتكب جرائمه ويلجأ إلى مغارته المحصنة في الجبل، أصبح يلجأ إلى وابور المالطي ليرتمي في أحضان حليمة ووصلت رائحته إلى رجال الأمن فشرعوا في رسم الخطط لاصطياده على الأرض المنبسطة بعدما أراحهم من عناء المطارة على قمم الجبال. كان وابور المالطي يقع في دائرة منفلوط وبدأت الجرائم تتزايد في تلك المنطقة وعلم مأمور مركز منفلوط عبدالحق بك بأن «الخط» استقر في قرية العزبة لدى محروس عازر أحد الأعيان الكبار فيها فاتصل به المأمور وناقشه في أمر «الخط».

وفي نوبة ضيق من طلبات «الخط» أبدى محروس عازر استعداده للتعاون مع الشركة والإيقاع به، لكن مع اقتراب ساعة التنفيذ تراجع محروس خوفاً من «الخط».

أخذ «الخط» أخذ يثقل في طلباته على محروس مثل توفير الطعام والسجائر وزجاجات الخمر، لمواصلة سهراته مع حليمة في وابور المالطي، وكان محروس يدفع مصاريف كل احتياجاته وبدأت نية محروس تتجه الى التعاون الصادق مع الشرطة للايقاع به، لكن من دون «معارك» في بيته، فعرض عليه المأمور أن يضع له مخدراً في الطعام لتستطيع الشرطة الإمساك به من دون إراقة دماء، لكن الخطة لم تفلح، فـ «الخط» لم يكن يأكل أي طعام قبل أن يأكل منه المضيف أولاً.

 

مشهد النهاية

كان «الخط» خطف في تلك الأيام صبياً يدعى شوقي عوض حنا مطالباً أهله بفدية قدرها مائتي جنيه فطلب أهل الصبي وساطة العمدة لدى «الخط» فذهب إليه وحده ونجح في خفض المبلغ إلى مائة جنيه فقط وعاد بالصبي المخطوف. في صباح اليوم التالي خرج «الخط» إلى المكان المتفق عليه لتسلّم الفدية فوجد شقيقي المخطوف غير حاملين المبلغ فتصور «الخط» أن هناك مؤامرة عليه فساق الشابين أمامه الى حقل ذرة.

لكن على الطريق شاهد أحد الرعاة «الخط» ومعه معاونه «عبد الصالحين» يسوقان الأسيرين إلى الحقل فأسرع الراعي مهرولاً إلي العمدة لإخباره خوفاً من أن يصيبهما سوء. لدى معرفة العمدة بالأمر جمع عدداً من أقاربه المسلّحين واتجه الجمع صوب مكان الحقل الذي دخله «الخط» مع الشابين. تنامى الى سمع العمدة صوت رصاص قادم منه، ما أكد له أن «الخط» قتلهما ووصل العمدة إلى «الخط» والدم يغلي في عروقه ودارت بينهما مشادّة كلامية انتهت بإطلاق العمدة وأقاربه وابلاً من الرصاص على «الخط» وزميله وبادله «الخط» إطلاق الرصاص، ثم سكت صوت البنادق واكتشف الجميع مصرع «الخط» بإحدى وعشرين طلقة وإلى جواره معاونه «عبد الصالحين» وقد مزقه الرصاص. وكان ذلك في 6 أغسطس 1947.

المشهد الأخير حمل عبد الحق بك مأمور المركز ورجاله جثة «الخط» وعرضوها على الخالة فضة والدته فأنكرت أنه ابنها، وطلبت من المأمور أن يلقي بالجثة بعيداً فلجأ الأميرالاي عباس بك عسكر حكمدار أسيوط إلى حيلة ذكية عندما صاح في رجاله أن يستدعوا الطبيب الشرعي لتشريح الجثة فانهارت فضة وصرخت طالبة ألا يتم تشريح الجثة، قائلة: «يا بك دا ولدي» ثم راحت تصرخ: «يا أزرق العينين.. يا أشقر». أما زوجته رشيدة،فظلت تصيح وهي تهدد» ٍسننتقم لك من قاتليك يا زوجي... يا أبو ولدي».

وجاء المشهد الأخير مع إلقاء جثة «الخط» في عربة نقل مكشوفة بجوار جثة رفيقه «عبد الصالحين»، وفي ركن من العربة وقفت أمه فضة وزوجته رشيدة متشحتين بالسواد. وأمام العربة سيارة أخرى تقل صاحب العزة الأميرالاي عباس عسكر حكمدار أسيوط، يحيط بها عدد من كبار رجال الأمن في سياراتهم وعلى دراجاتهم النارية. طافوا في شوارع مديرية أسيوط وكان الأهالي يتفرجون على جثة المجرم الخطير، غير مصدقين أنه مات. ثم أمر الحكمدار بأن يتجه الموكب إلى بلدة درنكة مسقط رأس «الخط»، حيث كان الأهالي يحتلفون بعيد العذراء فشهد ألوف البشر «زفة» «الخط» إلى مثواه الأخير.

تعليقات القراء