مروان يونس يكتب: النخبة البائسة وأيام الفرز

 

خلال عامان مروعان من محاولات إنجاح الثورة عاش شعب مصر الكثير من الأحداث، وحضر ميلاد ونشوء العديد من الكيانات السياسية، بدأت أحداث الثورة بدعاوى على الإنترنت ممن يسموا بشباب الثورة، حاولت من خلالها دعوة المتواجدين على الساحة السياسية حينها وهم بعض الأحزاب السياسية المعارضة وكيان هلامي يسمى الإخوان المسلمين وكيان هلامي آخر يسمى النخبة السياسية أو ما يعرف إعلاميا بالنخبة المصرية، إلى النزول للميدان...
 
لم تستجب الغالبية في بداية الأمر لهذه الدعوى، فالأحزاب القديمة بلا قواعد وتكلست أواصالها ولم يستطيعوا حشد 50 فرد بحد أقصى، والإخوان المسلمين كانوا حذرين من النزول نظرا لسوابقهم مع النظام "حتى لا يلبسوا الليلة" في حالة فشلها، ونخبة سياسية لم تتعامل بجدية مع الحدث...
 
ولكن حول النخبة سنتحدث، وسأخص فيما يلي الأغلبية منهم إلا فيما ندر من رجال، ولنبدأ معها من أول سطر الإخفاقات منذ رأى السياسيين والخبراء والاستراتيجيين ورجال الإعلام أن يناير لن يشمل شيء، بل لم يتخيلوا أن حقيقة النظام المصري مهتز، غاب عن النخبة أو ما يعرف إعلاميا بالنخبة أن الأرض السياسية تنذر بأمور خطيرة والتي على أقل تقدير ربما ستذهب لشكل احتجاجات كبيرة أو لثورة ولو خلال أعوام قريبة...
 
وإحقاقا للحق لم تكن النخبة مؤهلة لأي ثورة أو أي حركة سياسية فعالة سوى الحركة أمام كاميرات الإعلام فجاءت الرياح بما لا تشتهي السفن وتسارعت الأحداث عليهم...
 
فالكل كان يعرف أن نخبتنا نصف نخبة بنصف موهبة بنصف رؤية وبنصف حلم وذلك كمرآة لهذا العصر، فهم لم يتعودوا على هذا النوع من الأحداث، وكنتيجة لذلك لم تناسبهم سرعتها ولم يتحملوا مواكبتها أو اتخاذ خيارات ورهانات سياسية خطيرة فآثرت أن تتخد الوضع ترسو لحركة الشارع أي ردة فعل لما يتم من أحداث على الأرض، منه لا يخسروا مبارك تماما ومنه تكون قراراتهم بلا مغامرة لا يتحملوها...
 
المهم دارت عجلة الثورة أو ما يعرف إعلاميا بالثورة ووجدت نخبتنا ضالتها في اتخاذ مواضع الخبراء بالاستوديو التحليلي للمباراة...
 
فقدت النخبة قيادة الرأي العام أو الشارع اختياريا منذ اليوم الأول بل تخاذلت عن القيام بأي دور فعال أو على أقل تقدير القيام بدور التهذيب والتوجيه السياسي للآداء الثوري، ولذلك انتهت الثورة بمقدمة من الشباب العاطفي منقادين برأي الإخوان المسلمين فكانت ثورة بلا قائد بلا أجندة واضحة مما سَهَل كثيرا ابتلاعها لاحقا وإخفاقها في تحقيق أية أهداف تذكر إلى الآن...
 
خسرت النخبة المدنية أول معركة وهي قيادة الشارع والعبور بالثورة، وابتعدت شيئا فشيئا عن الواقع وآثرت السير وراء طلبات الشباب التي كانت تملؤها العاطفة وبدون أي مضمون، آثرت أن لا تتفاوض مع الحاكم العسكري وأعلنت استمرار العناد العاطفي...
 
وعلى عكس النخبة الدينية، فقد عملت هذه النخبة بشكل براجماتي نفعي، فلم تأبه بثورة أو غير ثورة ففورا اتخذت أماكن التفاوض السياسي مع سلطة مبارك ثم بعد ذلك سلطة المجلس العسكري، تارة تتفاوض وتارة تشعل الأحداث من خلال طرفها الثالث، عرفت طريقها لسرقة الثورة وسلكته وفازت...
 
أنتهت أول معارك النخبة بأول خسارة رسمية، وهي جعل قوى التيار الديني تضع خارطة الطريق مع المجلس العسكري وتضع قضبان الثورة على اتجاه الدولة الدينية قسريا...
 
استمر الإخفاق بعد الاستفتاء الدستوري وبعد أن خسرت النخبة أول معركة، ومع فقدان شراكة المجلس العسكري والإخوان ولو بضغط الشارع في رسم خارطة الطريق استمر المسلسل ودخلت النخبة بتياراتها المدنية انتخابات مبكرة لمجلس الشعب على قوانين لعبة الإخوان والمجلس العسكري وأصبحوا ركاب بقطار التمكين للإخوان أنصار الدولة الدينية...
 
لم ترى النخبة من خلال نظرتها السياسية المحدودة النتائج المتوقعة من قانون الانتخابات المجحف وغير الدستوري وقانونه المنحاز، ولم ترى نتائجه سوى بالتجربة العملية من خلال اكتساح لتيار المال والدين السياسي وذلك على الرغم من أنها كانت واضحة للعين المجردة لأي سياسي متوسط الموهبة، للأسف لم نجد النخبة ترفض القانون أو تصدر أي موقف رسمي حياله إلا عندما اتخذت  الوضع منافسا للسلطة في ظل هذا القانون بانتخابات 2013..
 
وكركاب في قطار التمكين بقيادة المرشد، اعتقدت النخبة البائسة أن معركتهم الوطنية كما رسمها لهم إعلام الجماعة تكمن في إقصاء الفلول من مجلس الشعب مقابل تفضية بعض الدوائر لأيقونات نخبتنا الغراء، للأسف خاضت النخبة المعركة مباركين الرشاوى الانتخابية واستخدام المساجد والمنابر واستخدام الدين كسلاح سياسي، وبكل أسف مباركة حتى التزوير لو كان لإجهاض دخول أي فلول المجلس بل ذهبوا بالرأي وساروا وراء الإخوان لطريق المحاكمات الثورية بغرض الانتقام الثوري وليس طريق العدالة الانتقالية...
 
ولكن بعد انتخابات مجلس الشعب وبالمرة الشورى كان الإخفاق الأخلاقي الأكبر للنخبة السياسية المدنية وكانت انتخابات الرئاسة وهي عدم الالتفاف حول مرشح واحد من المرحلة الأولى ولكن استكملوا الخطأ بدعم المرشح الديني محمد مرسي العياط..
 
عانت النخبة خلال انتخابات الرئاسة من الميراث الثقافي الموروث خلال سنتين من الثورة ولم يستطيعوا الخروج من المعركة الافتراضية التي فرضتها عليهم الجماعة وهي "الفلول"، لم يأبهوا أن المعركة القادمة معركة وطن وليست قناعات، لم يستطيعوا تحليل إرادة التيار الديني من مصر بعد أن صفعهم صفعات متعددة متتالية وذلك بداية من خلال وصفهم بالبلطجية أثناء المظاهرات لاكتساح لجان مجلس الشعب لتكفيرهم بالشوارع إلخ إلخ...
 
وللأسف لم تتعلم النخبة أي شيء واتخذت موقف لا أخلاقي مجددا، وأيضا موقف عاطفي، واستعان بهم الإخوان لتجميل صورتهم دوليا ووضعه بدلا من حزب ديني لخانة الحزب المدني... وكركاب في قطار التمكين خدموا الإخوان مره أخرى وأعطوهم صك البركة الأوبامي...
 
استكمل إخفاق النخبة تصدير فكرة الليمون للشعب ومنها ادعاء أن الإخوان تابوا وأصبحوا على ما فعلوا نادمين، ومرروا للمصريين أن الإخوان قد تتنازل عن حلم دولة الجماعة مقابل الحصول على دعمهم للوصول للحكم بل أن النخبة البائسة الراكعة ضامنا لذلك...
 
لا أعرف كيف استطاعوا الضحك على المصريين بهذه البساطة ولكن ما أعرفه أن هذا الدعم كان مقابل قطعة أو فتات من الكعكة والتي هي مصر.. وللأسف حتى الفتات لم ينالوه...
 
تولى مرسي الحكم ووصلنا لسقطة جديدة للنخبة وعدم تقدير المعني السياسي للإعلان الدستوري الأول والذي أطاح بطنطاوي ومباركة أول استخدام لشرعية القوة لمرسي فوق القانون مخالفين للدستور...
 
للأسف موقف لا اخلاقي جديد من صمت النخبة ومباركة ذلك بما أنه قد يحقق مصالح مجددة لهم أو ربما سيحفظ الإخوان الجميل لصمتهم عليه ومر هذا الإعلان وهذه المخالفة الدستورية مرور الكرام وبغطاء إعلامي من النخبة التي أصبحت في رأيي هنا مندسة، تعمل ضد صالح بناء مصر بناء ديمقراطيا سليما وشاركت بصمتها في وضع أول حجر في بناء دكتاتورية جديدة...
 
ولكن مع الإعلان الثاني جائت استفاقة متأخرة للنخبة مع انتفاضة الشارع ضد هذا الإعلان والذي بدأ أن يفهم حقيقة الإخوان لكن "قلبه مش مطاوعه" يقول النخبة شركائهم...
 
بدأت تتحرك النخبة على غير العادة ولكن في حركة شديدة التخبط، تارة تحشد الشارع تارة تختبيء، تارة سقط الرئيس تارة لم يسقط الرئيس، وهنا أيقن الشعب أيضا أن ما أسخم من سيدي إلا ستي وسقطت النخبة...
 
ظهر جليا خلال التظاهرات المتلاحقة بداية الانفصال للنخبة عن الشارع وتحولت لغطاء سياسي في شكل مكتب محاماة للثوار المقبوض عليهم، ولكن مع خروج النخبة من الشارع توحد الثوار الحقيقيون مجددا وهم المصريين الذين رأوا مصر تُسرق منهم وحلم يناير يضيع ويتحول لكابوس رهيب مع إشراقة الديكتاتور الأول محمد مرسي العياط...
 
وصلت مصر مع مرحلة إعادة بعث الديكتاتور إلى أسوأ حالة، رئيس سقطت كل شرعياته الممكنة ولم يتبق له سوى شرعية الشرطة وصمت الجيش وغض البصر الأمريكي، وبدأت تشتعل مصر  وبدأت تتسارع الأحداث في الشارع بين معارك لنصرة الدين ومعارك لنصرة مصر، واحتكرت حرب الهوية المشهد السياسي وأصبح العنف قيمة، مما أكد نظرية سابقة كنت أحد معتنقيها أن استقتاء 19 مارس لن يصل بمصر إلا لخميني سُني أو ناصر جديد وستكون الفوضى هي الداعم لانشاء مملكته...
 
ومع الوصول لمرحلة الفوضى لكل مفاصل مصر والتي من مظاهرها الجلية التدمير الإخواني للوضع السياسي الداخلي وبحصار المحاكم وهدم دولة القانون مرورا لدعم العنف والقوانين الانتقائية ثم دستور نوعي مميِز، بل امتداد ذلك ليشمل الوضع السياسي الدولي واستحداث انحيازات جديدة وتتبُع سياسات منفرة لكل تحالفات مصر السابقة، فقد أضاف الإخوان بؤسا اقتصاديا وضيق الرؤسة في اتباع طريقة تثبيت رجال الأعمال من خلال أمور ضبط ملفقة وتحفظ على الأموال في مقابل التنازل عن بعضها للدولة مما هدم سمعة اقتصاد مصر وانهياره وهروب المستثمرين وزيادة الفقر فقرا للبسطاء...
 
وصلت مصر لنقطة فارقة، فمن الواقعية السياسية يجب أن نعرف أن الجيش لم يعد اختيارا، بل أصبح آخر أمل لإنقاذ ما تبقى من الوطن ليعيد بنا الساعات للوراء ليوم التنحي وندخل في خارطة طريق محترمة ومنطقية، فلم يصبح ممكنا بعد سنتين من حنث اليمين والقسم والعهد استمرار دولة العشيرة في هدم مصر إلا من خلال نقطة نظام وإسقاط كل ما بني على باطل سابقا، فالبناء التشريعي والقانوني الذي فرض على الوطن لن يمكن تضميده مجددا... ولكن أين النخبة من هذه الرؤية والتي أصبح يراها كل قاص ودان في العالم ولا تحتاج لتحليل... ولكن أين النخبة..؟؟؟
 
كالعادة النخبة البائسة إما صامتة غير مدركة لجسامة التهديد على مصر، إما مدعية أنه لازال الحوار ممكنا أو لنؤجل سقوط النظام لحين الهدم الكامل للوطن... أو مدعية أنها تريد إسقاط النظام بدون تدخل جيش أو شرطة!!! قد ربما لقلة رؤية أو حيلة أو من الممكن لإعطاء مزيد من الوقت للإخوان للسيطرة ومزيد من الوقت لتحويل الغضب ليأس بالشارع..
 
عزيزتي النخبة بإعلامييكم، لتعوا أنها أيام الفرز ولتعوا أن عليكم اتخاذ قرار وطني سيكتبه التاريخ، إما رافضين نزول الجيش مستمرين في هدم مصر بيد الإخوان انتظارا للفتات الذي لن يأتي ولتعلموا أن السقوط قادم قادم وسيشملكم أنتم، أو إنقاذ ما تبقى من مصر وإنقاذ ما تبقى من سمعتكم...
 
فالاختيار واضح، إما فاشية محتملة من حكم عسكري، إما فاشية دينية مؤكدة وإعلان خُميني لمصر...
 
ولكن في النهاية وأثناء الانتظار للفتات سيحرق الوطن ولن يرحمكم التاريخ...
 
تعليقات القراء