مروان يونس يكتب: هل يغسل كيري أيادي أوباما من «الربيع العربي»؟؟

 

اقتربت زيارة مندوب الباب العالي الأمريكي جون كيري، واقتربت الساحة السياسية في الدخول في مرحلة جديدة أخرى، قد ربما تكون نضال ثوري أو عمل سياسي أو عصر ليمون الاستقرار ولكن كل الخيارات مفتوحة...
 
الجديد أن جون كيري جاء عبر تغيير رئاسي خلال فترة إعادة الانتخاب للرئيس أوباما، وعادة لا يتم تغيير وزير الخارجية ووزير الدفاع إلا في حالات تغيير السياسية الأمريكية أو تغيير الوضع الخارجي أو مشاكل وإخفاقات لا محدودة لوزير الخارجية السابق، وهو ما لم يحدث مع هيلاري، ولكن تم التغيير ودفعة واحدة للدفاع بانيتا بـ(هاجل) وللخارجية هيلاي بـ(كيري)...
 
 ارتاب الكثيرون في مصر والولايات المتحدة من هذا التغيير، كما حمل معه تساؤلات كثيرة...
 
فمع ظهور ثمرة الربيع العربي الأوبامي، بدأ يظهرعدم ملائمة ثماره مع الذوق الأمريكي العام، كما لم تكن النتائج ملائمة ومقنعة لدافع الضرائب في بلاد العم سام، فالنتيجة من القيادة السياسية الأوبامية للربيع لم تسفر عن أردوجان كما توقع المشاهدون بل أسفرت عن ميلاد دولة خمينية سنية ناشئة...
 
توقع الكثيرون أن يكون التغيير نحو مجموعة أكثر شدة في التعامل مع المنطقة وأصحاب سياسات فرض القوة الخشنة وما أكثرهم، ولكن كان المثير في التغيير الأمريكي هو وزير الدفاع (هاجل) المحب لإيران والرافض للتدخلات الخارجية وصاحب العلاقات القوية مع حماس، بل أحد دعاة السلام الكامل مع إيران مما ألقى هذا الاختيار بظلاله حول كيري، ومنه أثير تساؤل لدي العالقين بالربيع العربي أو المتابعين له، كيف سيسير أوباما قدما في دعم نتائج الربيع العربي؟ فهذا الاختيار لم يكن إلا مؤشرا لذلك!!! و هل المضي قدما في ربيع سنيى متطرف توجه استراتيجي أمريكي أم هناك عدول ربما عن الخطة؟؟
 
المهم الربيع العربي أمام زيارة مراجعة سياسية قريبة للمبعوث السامي الأمريكي، و قد أعلن خلال هذه الزيارة أو قد تم تسريب أن الأجندة ربما تشمل لقاءات بعض القيادات السياسية من جبهة الإنقاذ كما ستشمل الرئيس، وأعتقد شخصيا أنها ربما قد تشمل القوات المسلحة والفريق السيسي أيضا بصفتها لاعبا سياسيا حاليا وراء الكواليس، إضافة أن ما سيسفر عنه اللقاء سيكون له التأثير الأكبر على الإخوان ومرسي، فالشرعية الأمريكية إضافي إلى شرعية صمت الجيش هي الشرعية الوحيدة المتبقية للنظام الفاقد للشرعية الدستورية والقانونية، بل بدأ يفقد السيطرة على أجزاء من مصر إلا تشاركيا بوضع الجيش و"الإيد الواحدة" للقوات المسلحة في المقدمة...
 
ولكن ماذا نتوقع من توجيهات سياسية من الباب العالي الأمريكي ؟
 
ومع ميلاد الفاشية المصرية وأيضا استمرار تصدير صور الاعتصامات والمظاهرات وسحل المواطنين للإعلام الغربي، ومع الربط ببداية زهق الولايات المتحدة التي ظهرت بمقالات عديدة منبهة لخطورة مصر الفاشية الدينية ومنها مقالات توماس فريدمان، إضافة لما يسرب من مواقف سياسية للإدارة الأمريكية، سنجد أن الولايات المتحدة بصدد اتخاذ قرار جديد أو ربما تعديل بالموقف السياسي العام لها حاليا...
 
لنتفق أن الحل الأقرب للأزمة المصرية ولقلب أوباما ولوردات الحروب الجمهوريين بالكونجريس هو استمرار الإخوان في مصر ولكن "بانضباط" وبشكل مودرن ملائم للمتلقي الأمريكي و العالمي مما يتيح للإعلام المسيس هناك بالتغني برؤية أوباما الثاقبة واختياره للإخوان المسلمين "الديمقراطيين رعاة الحرية" كقادة التغيير بالمنطقة، فلو استطاعت أمريكا تضميد جراح الشعب المصري واسترضاءه وتشريب قياداته الشعبية الشاي بالياسمين ومقاسمتهم أي فتات فهي لن تضطر لتعديل الخطة والتي كانت: سيناء دولية، تهجير ناعم لأهل غزة، تقليل نفوذ إيران بالمنطقة من خلال مصر...
 
ونهاية وبعد تسليم الاستحقاقات يكون العدو الجديد جاهزا لاستثمار لوردات الحروب وبيع الأسلحة في عملية القضاء عليه وإنعاش الاقتصاد العالمي بحرب جديدة...
 
و لكن هناك حلا آخر بدأ يظهر بالأفق، وهو غسيل الأيدي من نتائج الربيع العربي وترك الأمور للقرار الداخلي لكل دولة فيه، فهذا الحل يبدو موضوعيا أيضا للأسباب التالية:
 
أولا: بسبب استمرار الضغط الروسي ورفض الخروج من دائرة النفوذ بمنطقة الشام ومنه استمرار مساعدة حكومة الأسد في التصدي للمتمردين المسلحين من السوريين والأجانب والذين هم تحت قيادة كتائب الإخوان كجيش حر أو جهاديين ومن القاعدة بجيش النصرة مما يجعل تنحي الأسد صعب الآن...
 
ثانيا: وضوح عدم قناعة الاتحاد الأوروبي وبالأخص ألمانيا وفرنسا بإمكانية أمريكا السيطرة على الربيع العربي المتطرف الذي بدأت بوادره ونتائجه في الظهور، فقرب الحدود وبداية وصول الألم بأوروبا والخوف من النتائج قد وضع القارة العجوز في خانة غاسلي اليد من هذه الخطة..
 
ثالثا: إصرار حكومات الإخوان على صناعة منتج للربيع العربي غير ملائم للمشاهد الأمريكي مستخدمين سياسة الأمر الواقع معها أيضا، فلن يقتنع جمهور المصوتين الأمريكيين بأن صناعة خميني سني متطرف ودولة دينية فاشية ممكن أن تكون بديلا عن صناعة دولة ديمقراطية ولو صوريا مثل تركيا حتى لو ذات مرجعية دينية مغلفة بالعلمانية...
 
فخوف المواطن الأمريكي بدأ أن يصل ليؤثر على صانعي القرار للباب العالي بواشنطن، فالرهان على الإخوان قد بدأ يفقد بعض مميزاته، فها هم الإخوان مصرين على الإلتفاف عن اتفاقاتهم وطلب مكاسب إضافية بات واضحا، وها هم يتعثرون في تسليم الجيش المصري سياسيا للمرشد الممثل للإرادة الأمريكية، بل إتضح أنه أمرا صعبا سيأخذ وقتا أكثر من المتفق عليه، بل ضف إلى ذلك أن تدويل سيناء تحت حماية القوات متعددة الجنسيات في ظل مشروعية حربا مصغرة على الإرهاب تعرقل أيضا مما سيؤجل معه تنفيذ عملية التهجير الناعم لإخواننا في قطاع غزة وإنهاء القضية الفلسطينية مرة واحدة وإلى الأبد...
 
فلذلك ستكون الاقتراحات والنهايات مفتوحة أمام كيري من خلال هذه الزيارة الاستطلاعية، فكيري الآن سيكون أمام آخر محاولات رأب الصدع بين المعارضة وبين حكومة الإخوان المسلمين والجيش، وأمام محاولة الحصول على نصف مكاسب أو تاجيلها من خلال إقناع الجميع بأن لا مشكلة بنصف خميني بمصر ولا مشكلة في نصف حرية ونصف ثورة ولنؤجل أحلام المصريين لجيل آخر...
 
قد ربما يقنع أساطين الثورة الثانية وبعض القيادات لجبهة الإنقاذ بالبقاء على الوضع ركوعا ولكن مشاركا في الغنائم مستندين على رجال كثر لهم وسط الوطنيين بجبهة الإنقاذ وبذلك يعطوا مشروعية للانتخابات وكل ما تم من أعمال منافية للقانون مقابل بعض الضمانات (الواهية) لإقناع الشارع بالصمت والركوع معهم، وأعتقد أن مواقف البعض منهم وتلونها أصبح واضحا الآن تمهيدا للزيارة...
 
ولكن هناك محور آخر وهو الجيش، ونظرا لمعلومية كيري أن شعبيته في ازدياد مما سيؤثر سلبا على قدرتهم على التفاوض معه، بدأوا الاستباق والتجهيز للزيارة بحملة إعلامية ضده يقودها بعض النشطاء سواء عن علم أو عن غير علم لإخراجه من المعادلة السياسية بالكامل، حيث أن هدمه معنويا في هذه اللحظات سيسهل مهمة التفاوض وإجباره على رأب الصدع بينه و بين الرئيس...
 
هذه المهمة التي قد تحمل بعض الترضيات مثل ضمان بقاء السيسي والقيادات بعد مجلس الشعب (كما أراهن أن الإقالة قادمة لا محالة بعد الانتخابات) أو ربما صفقات أسلحة متطورة أو تهديدات بمنع المعونة العسكرية أو عدم الاعتراف الدولي بحكومة مصر في حالة الانقلاب العسكري الوارد إلخ..
 
كل هذا في إطار محاولة أخيرة لاقناعة بضرورة الوقوف بجانب المرشد و إعلان الولاء له صراحة حتى تتمكن شرطة المرشد من زيادة قوة البطش ودفع الوضع بقوى الإجبار والأمن للاستقرار...
 
ولكن يبقى السؤال ولو استقر الوضع، هل يثق أي من أطراف المعادلة الوطنيين أو حتى الأمريكان بالتزام الإخوان؟؟ لا أعتقد ولكن هناك حلا جديدا هذه المرة...
 
ففي حالة عدم تنفيذ لأي طرف مسئولياته خلال هذه المحاولة للتوافق سيكون هناك بديلا متاحا وهو غسل أيدي الغرب من نتائج الربيع العربي وترك مصر والمنطقة لمصيرها والذي يعتقدون أيضا أنه سيتلاقى معهم مؤكدا بقوى الدفع الطبيعية؟؟
 
فللحل الأمريكي ثلاث مستويات، الأول وفاقا واستمرارا للإخوان تحت الضغوط، إن لم ينجح غسل الأيدي عن دعم الإخوان والبحث عن حليف جديد مدني، إن لم يتوفر ستترك الأمور لقرار الجيش وعليه أن يختار أو يصنع بديلا مدنيا حسب هواه وحسب رغبته..
 
فمصر الآن أمام لحظات فارقة، وعلى كل الوطنيين اغتنام هذه الفرصة وفرض أمر واقع جديد بواسطة الشعب والجيش، فالولايات المتحدة بدأت تستوعب درس أن لا عهد مع الإخوان، كما استوعبت أن الوضع المصري ملتهب واستوعبت أن التفكير في عودة خاطفة للجيش لتصحيح الوضع انتقاليا ربما حلا متاحا يكون أفضل من حليف "مزدوج" بلا ثقة، حليف للغرب وإيران في آن واحد...
 
فكالعادة الزيارة الأمريكية في توقيت مناسب وقبل أحداث هامة وكالعادة الكل منتظر ماذا يريدون وما هو القرار... ولكن هل سيوافق الشارع على هذه الإرادة و غمض عينه ويستسلم لفاشية مرعبة بدأت في التكوين أو السير مغمضا العين وراء الإرادة الأمريكية؟؟
 
خاب من تخيل أن إرادة الولايات المتحدة قد تتجه بالربيع العربي لصناعة خطر كبير على حليفها وممثلها بالشرق الأوسط (إاسرائيل) من خلال إنتاج مصر قوية اقتصاديا ومنفصلة عن القرار السياسي الأمريكي فخطورة مصر كدولة عظيمة تتخطى بكثير خطورة مصر دولة فقيرة وإرهابية...
 
فالآن نحن شعبا وجيشا أمام اختيار سيتذكره التاريخ، إما فرض أمر واقع وطني جديد ودفع أمريكا لمرحلة غسيل الأيدي أو الالتزام بخطة القضاء على مصر والتي هي سارية على قدم وساق ...
 
تعليقات القراء