رمضان زمان .. سمير غانم أيقونة رمضان في قلوب المصريين

الموجز

عبر صفحته على موقع فيس بوك ، تعمق الناقد والكاتب الكبير محمود عبد الشكور في نوستالجيا رمضان المرتبطة بالراحل سمير غانم .

مؤكداً خلال سطوره على أسطورة الكوميديان الذي لازال يعيش في قلوب المصريين ومرتبط معهم برمضان خاصة بفوازيره "فطوطة".

حيث كتب عبد الشكور يقول : ظل سمير غانم وسيبقى جزءا من ذاكرة رمضان، سواء بفوازيره مع جورج والضيف، أو بفوازير سمورة وفطوطة في الثمانينيات، أو بعرض بعض أعماله الدرامية في رمضان، مثل مسلسل "حكاية ميزو"، أو مسلسل "شربات لوز"، أو بمشاركاته الأخيرة مع ابنته الموهوبة دنيا، كما في مسلسل "لهفة".

ولكن ذاكرتي الشخصية عن سمير واعماله حافلة بالتفاصيل والحكايات، ففي أول مرة شاهدت فيها سمير غانم شخصيا، أدهشني أنه يبدو كرجل عجوز.

كان خارجا لتوه من الملحق التجاري لفندق رمسيس هيلتون، حيث يعرض مسرحية بعنوان "بهلول في اسطنبول"، ويسير ببطء شديد، مرتديا معطفا أسود، في طريقه الى مبنى التليفزيون.

ظننت في البداية أن دهشتي سببها ارتباطه في ذهني بصورته القديمة كشاب، ولكني عندما عدت الى أعماله في نفس السنة التي رأيته فيها، اكتشفت أنه يتحول تقريبا عندما يقف أمام الكاميرا أو الجمهور، يعود شابا شديد الحيوية، ويتبخر تماما ذلك الرجل العجوز المرهق.

من المستحيل ساعتها أن تخمن عمره الحقيقي، أو أن تعرف من أين يأتي بهذه الطاقة والحيوية؟

سمير  كان دائما شابا بفنه وبأدائه، وكان يعرف ويدرك ذلك، ولذلك لم يتوقف أبدا عن العمل، حتى أيامه الأخيرة.

كان فنه هو عمره الأهم و الموازي، والذي يستحقه عن جدارة.

وكلما شاهدت عملا استثنائيا لسمير غانم مثل " موسيكا في الحي الشرقي" أو" حكاية ميزو" أو "البعض يذهب الى المأذون مرتين"، تتجسد أمامي فكرة "سلطنة" المؤدي وهو يبدع، وكأنه مطرب، يأخذ من الجمهور، ويعطيه، يمتع ويستمتع، ويفعل كل شيء، يكتشف إمكانياته، بقدر ما يكتشفها الجمهور، يصول ويجول، ويطير بلا أجنحة، وينتشي بلا خمر.

في مشهد استدعاء سمير لأولاده من خلال النفير في "موسيكا في الحي الشرقي"، قال لصفاء أبو السعود : " يا سيدي ..ايه اللي باهببه ده؟"

أحسب أنه كان يقول العبارة لنفسه، منتشيا بابداعه، في لحظة سلطنة فريدة.

يمكن أن يكتفي الكوميديان بقدرة او قدرتين، ولكن سمير غانم كان يمكنه الاضحاك في كل الاتجاهات، وبكل الأدوات:

بوجهه، وبجسده، وبحركته، وبصوته الذي يحوله أحيانا بكل سهولة الى مؤثر صوتي.

بملابسه، وبهيئته، بالنظرة، وبالاكسسوار، بالصلعة، وبالباروكة، بالشارب، وبدونه، بل وبمجرد الظهور أو الطلة.

كان يستطيع أن يبدع من خلال موقف ونص محكم، وكان يمكنه أيضا أن يضحكنا مرتجلا، واقفا، أو جالسا، صاخبا، أو هادئا.

يضحكنا بالحوار والإفيه، أو من خلال أغنية، مؤديا لاسكتش، أو من خلال دراما، مقدما للبرامج، أو ضيفا عليها.

ممثلا في إعلان تليفزيوني.

وسط كوميديانات كبار، وكجزء من الثلاثي، أو يضحكنا بمفرده.

كان يسير معه الضحك حيث يسير.

أتوقف عند أفضل مسرحياته براعة وإحكاما: مسرحية "موسيكا في الحى الشرقى"، وهذا بالمناسبة اسمها الرسمي، أشاهدها في كل مرة سعيدا ومستمتعا ومتأملا هذه المواهب المدهشة، التى قدمت واحدة من أجمل مسرحيات السبعينيات، وعلى رأسهم سمير بالطبع.

كتبت كثيرا عن أستاذية المخرج حسن عبد السلام، الحركة التى تبدو مستقيمة الخطوط فى بداية المسرحية، سرعان ما تتأثر بحركة نرجس المربية عاشقة الموسيقى، نرجس نفسها لا تتحرك حركة عادية، ولكنها تتحرك حركة راقصة طوال الوقت، وسرعان ما يقلدها الجميع بحرية في مشهد النهاية.

سمير في دور فريد، أب مثير للسخرية من فرط تشدده وغروره وجهله بالموسيقى، يرتجل ببراعة، ويصول ويجول، يضحك بكل شئ: من الافيهات اللفظية والحركية، الى الملابس والنظرات واللفتات.

أعتقد ان هذه المسرحية أنضجت تماما محاولات سمير، لكي يكون له أسلوب من خلال الدراما، وليس عن طريق الاسكتشات، جورج أيضا كان رائعا، وانسجامه فى الأداء مع سمير واضح ومميز، وصفاء فراشة جميلة، تقف راسخة أمام موهبة سمير وجورج.

عمل متكامل مبهج، وتمصير ذكي من فهيم القاضى لفيلم" صوت الموسيقى". اعتبرت المسرحية سخرية لامعة من السلطة الأبوية بكل مستوياتها: صورة الأب هنا مسخرة كاملة، بإدارته التي تعتمد على العصا والزمارة، وبهيئته وملابسه وحركاته، وبحركات سمير وارتجالاته، وبالأسماء التي يطلقها على أبنائه، وبآرائه الغريبة في الأغاني وكلماتها.

يصف الجميع الأب، قبطان الأسرة، بأنه "تافه"، وتقول له نرجس :" اللي عملك أب ظلمك"، هذه العبارة مفتاح خطير للعمل.

المسرحية محاولة لإصلاح سلم الحياة المكسور، باستبعاد النشاز، وبالعودة الى سلم الحياة الصحيح، سلم الموسيقى ، كل شيء في العرض يترجم هذا التحول، من الاضطراب الى الانسجام والتوافق، وسمير هو قلب النص والأداء كله.

في آخر رمضان حضره، كان سمير غانم يضحكنا أيضا من خلال إعلانات قصيرة لشركة اتصالات، أنجزها مع ابنته الموهوبة إيمي، ورغم ظهوره مستندا على عكاز، إلا أنه لم يفقد قدراته الإستثنائية على الإرتجال، أو على إلقاء الإفيه في وقته.

ظل قادرا على إضحاك الملايين، حتى من خلال هذه الإعلانات، التي تعتبر "ضحكة الوداع"، ومعها لقطة سريعة في فيلمه الأخير "تسليم أهالي"، لم ينطق إلا بعبارة واحدة في الفيلم،  ولكنه أضحكنا أيضا.

في الإعلان الأول، ينجح سمير في نرفزة مخرج الإعلان ( لعب دوره المخرج معتز التوني)، بإجراء مكالمات تليفونية أثناء التصوير، يسأله معتز في النهاية:

" أطلبلك حاجة يا أستاذ سمير؟"

فيرد سمير بتلقائيته المدهشة:

"يا ريت واحد آيس كريم عشان حاسس إني عايز أشرب قهوة"

في إعلان آخر، ينشغل سمير بمتابعة مسلسل طويل جدا من خلال باقة الموبايل، ولا يركز أبدا مع إيمي، ولا مع مخرج الإعلان.

يقول سمير لإيمي مستغربا:

" تصوري مسلسل 140 حلقة ؟!!

فاضيللي حلقتين"

ترد إيمي:

"يللا يا بابا

(تطلب منه تصويرالإعلان)

" الباروكة بتهرشني"

فيجيب سمير :

"خدي باروكتي"

ويضيف :

"تخيلي في الحلقة 160 البطل طلع أمّ البطلة !!"

تسأل إيمي:

"بتقول البطل طلع هوة البطلة؟"

يرد سمير:

" لأ .. البطل طلع أم البطلة .. يظهر بيوفّروا"

ينبض الإعلان بالبهجة بلمسات سمير.

وكأن عبد الرحمن الأبنودي كان يصف سمير عندما قال:

" أحسن ميت
هوة اللي لما يعدي على بالك
تضحك مش تتغم"

يذهب الفنان، ولكن يبقى الفن، وتبقى الإبتسامة.

تعليقات القراء