علاء الدين العبد يكتب: الحلول الأمنية لا تكفي

هذه الواقعة حدثت معي ، سواق ملتحٍ عمره حوالي 25 سنة ، لا أعرف لأي جماعة ينتمي ، برغم أن عربيته جديدة إلا أنني لاحظت أن السماعات بباب العربية منزوعة ، سألته عنها معتقداً أنه سيبجاوبني أنها سُرِقَت ، ولكنه صدمني بإجابته قائلا : لأني باسمع قرآن طول اليوم فلا يصح أن يخرج الصوت ( الله يكرمك ) بجانب الحذاء !! سألته : طيب لما بتروح تصلي في الجامع وتروح تتوضأ واضطريت تدخل الحمام  وأُقِيمت الصلاة ، هتعمل إيه والقرآن بتسمعه داخل الحمام ..؟ .. هتلبس سدادات ولا تخرق وِدانك ؟ صَمَت ولم يجاوب .. قلت له : اسأل شيخك وجاوبني .. 
 
العنف الذي ظهر مؤخراً بهذه القوة في تلك الجماعات هو وليد الجهل العقائدي بأمور الدين الصحيح ، ولأن العنف الفكري أشد وأخطر انواع العنف فلن يستطيع الجيش أو الشرطة وحدهما أن يتصديا له ، وإلا فإننا نحتاج الى أضعاف مضاعفة من السجون والزنزانات ..
 
حل المشكلة أكبر بكثير من أي حلٍ أمني ينحصر بفض اعتصامات ومظاهرات وإلقاء القبض عليهم ، لا أعني الاستهانة بالحل الأمني ولكنه وحده لا يكفي ، لأن ذلك الفكر لم يتكون في يومٍ وليلة ، بل تكون في عشراتِ السنين ، لم تفلح الأنظمة السابقة في مكافحة هذا الفكر المتطرف ، أو إن جاز التعبير الفكر المنحرف والشاذ . فبرغم ما نجح فيه النظام السابق تحديداً من توجيه اهتمام قطاع عريض من الشباب إلى مباريات الكرة والبعض الآخر انصرف إلى الأغاني والمخدرات إلا أن القطاع الأخير من الشباب الراغب في جرعة دينية تُرضيه وتشبعه انقسم ، فمنهم من اتبع الدعاة الجدد الكاجوال والبعض الآخر اتبع تلك الجماعات سواء الإخوان أو السلف أو غيرها ..
 
مرة أخرى لن تفيد أي حلول أمنية بمفردها ، يجب أن تعمل جهات أخرى معها وبالتوازي ، فالأزهر يجب أن يستعيد دوره بالشكل اللائق به كأكبر منارة إسلامية في المنطقة ، ولا يكتفي بالإدلاء بالتصريحات  ..
 
فكيف يكون هناك " رقابة مصنفات فنية " على أعمال السينما والتلفزيون ، ولا يوجد رقابة دينية على المحتوى المعروض يومياً على الفضائيات ؟؟ على أن تشمل تلك الرقابة مدى صلاحية هذا الداعية ..
 
على الأزهر وحده أن يقرر الجرعة الدينية التي تدرس بالمناهج الدراسية ، وأن تكون كافية ووافية لكل مرحلة عمرية ، وعلى وزارة التربية والتعليم أن تهتم بذلك وتجعل مادة التربية الدينية مادة أساسية من المرحلة الإبتدائية ، وعليها أيضاً أن تهتم بالمناهج التي تُحفز إعمال العقل لدى الطالب ..
 
ليس الأزهر وحده ، بل أيضاً على وزارة الثقافة دور كبير في تنمية الوعي الثقافي ، ولا مانع أبداً أن يكون هناك تنسيق كامل بينها وبين وزارة التربية والتعليم لإعادة وتَبَنِّي المكتبات المدرسية أيضاً من المرحلة الإبتدائية ، وتزويدها بالكتب التي تناسب كل مرحلة تعليمية ..
 
ايضا لابد أن لا ننسى بالطبع الدور المهم لوزارة الأوقاف في الرقابة على المساجد والأئمة والخطباء وخاصة في المساجد الصغيرة ( الزوايا) والتي تعد المنبع الحقيقي والرئيسي لولادة وانتشار هذا الفكر المتطرف ، وعليها أن تمنع أو توقف الموافقات على وجود زوايا جديدة وأن تتولى الوزارة بنفسها إدارة تلك الزوايا الحالية ..
 
أخيراً يأتي مع كل ذلك وأيضاً بالتوازي الحل الإقتصادي الذي يجب أن ينصب تركيزه على الحد من البطالة وتوفير فرص العمل للشباب بالرواتب المناسبة حتى لا يكونوا فريسة سهلة لتلك الجماعات ..
 
تعليقات القراء