أيمن مسعود يكتب: الأخطاء النحوية فى القرآن الكريم
قال الله تعالى فى كتابه الكريم: "لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا" (162) من سورة النساء.
كيف يكون السياق بهذه المرفوعات: (الراسخون، والمؤمنون، والمؤتون، والمؤمنون)، ويأتى بينها كلمة منصوبة (والمقيمين)؟!!!!!
هذه الآية الكريمة ومثلها هى ما يتخذ منها البعض مثلاً على الأخطاء النحوية فى القرآن الكريم، وهو أمر كنت أتابعه منذ عدة سنوات أيام كنت أدرس فى قسم اللغة العربية بكلية الآداب، وما أعاد ذكره فى هذه الفترة هو ما أخبرنى به أحد أصدقائى من صراعات منتشرة على وسائل التواصل الاجتماعى تتعلق بهذا الأمر.
فى البداية أنظر إلى هذا الأمر ليس من باب إجبار الناس على الدخول فى الإسلام، ولا حتى من باب الدعوة إلى الإسلام! فقط أدعو إلى احترام العقل الذى وهبه الله لخلقه، وليسمح لى المتدينون وغيرهم من المتكرمين بمتابعة هذا المقال أن يسمحوا لى بمناقشة عدد من النقاط أراها جوهرية فى سياق التوضيح قبل بيان التوجيه الإعرابى لهذه الآية وغيرها.
يفاجئنى أولاً تعدد الأبحاث والدرسات (إن جازت التسمية) حول الأخطاء اللغوية فى القرآن، فى حين أكتشف أنه لا وجود لهذه الأبحاث عن الأخطاء اللغوية فى الحديث الشريف! إذن فالنص الوحيد الذى يحتوى على أخطاء فى هذه الفترة هو القرآن الكريم فقط، فى حين تخلو أقوال محمد بن عبد الله –صلى الله عليه وسلم- وأبى بكر وعمر وعثمان وعلىّ –رضى الله عنهم-... بل وحتى أبى جهل وأبى لهب والوليد بن المغيرة وابن سلول، بل وحتى يهود المدينة... من الأخطاء اللغوية!!!
كتاب واحد فقط فى هذه الفترة هو الذى يحتوى على أخطاء فى اللغة العربية التى هى روح المجتمع وقوامه، وفى وجود البدو الذين هم لسان اللغة وعمادها!!
كتاب واحد فقط يحاربه ناس ويموت من أجله ناس، ويختلف الناس حول مصدره: هل هو من الله أو أن محمدًا بن عبد الله شكل لجنة من خبراء التاريخ والعلماء لوضعه على هذا النحو، ولكنهم لم يفطنوا إلى أخطائه اللغوية الكفيلة بالقضاء على الرسالة من جذورها!!!
بل الأكثر عبثًا من هذا.. لماذا لم يصحح حسان بن ثابت هذه الأخطاء اللغوية الموجودة فى كتابه المقدس؟ (يرجى ملاحظة أن أحدًا لم يكتشف خطأ لغويًّا واحدًا فى قصائد حسان بن ثابت مما يدل على أن مستواه اللغوى كان جيدًا إلى حد ما!!!!)
أنا هنا لا أستشهد بكلام الوليد بن المغيرة عن القرآن وثنائه عليه، ولا أستشهد بكلام القرآن عن نفسه، وإهانته لفصاحة العرب بتحديهم وإعجازهم ببلاغته، وبيان عدم قدرتهم على الإتيان بمثله (حتى إن اجتمعت الإنس والجن) أو بعشر سور مثله (حتى وإن كانت هذه السور مفتريات) أو حتى سورة واحدة!!!! أتصور أن هذا الاستفزاز لفصاحة العرب ما كان يمكن أن يمر مرور الكرام إلا مع عجزهم الحقيقى عن ذلك وبغض النظر عن عبثية فرضية الأخطاء من غيرها.
عقلى إذن يأبى مع اعترافنا بالتدهور اللغوى الذى وصلنا إليه أن نتدارك نحن على عصور الاحتجاج ولا نسأل أنفسنا عن رأى علماء اللغة على مر العصور أو حتى المعاصرين للقرآن.. كما يأبى عقلى وما تعلمته فى اللغة العربية أن أجد ترجمة الإنجيل خالية تمامًا من أى خطأ حتى فى الضبط، وهو النص المترجم ترجمة بشرية فى عصور متأخرة، فى حين أتصور أن نصًّا نزل (أو حتى تم تأليفه) وسط هذا المجتمع، وتمر أخطاؤه مرور الكرام، بل يموت الناس من أجله، ويسكت لبيد بن ربيعة عن قول الشعر لما سمعه، ويثنى عليه الوليد وهو كافر به!!!!! (أرجو ملاحظة أن استشهادى بالإنجيل يأتى فى كامل سياق الاحترام والتقدير وبغض النظر عن أى اختلافات عقائدية أو فكرية)
إذا كان عباس محمود العقاد وطه حسين وشوقى ضيف وأحمد شوقى وحافظ إبراهيم وغيرهم من قاماتنا اللغوية فى مائة سنة سابقة فقط يتمتع كل منهم بعبقرية لغوية فائقة ناهيك عن الصحة والصواب، فكيف يمكن لنص يُنْقَلُ من الله أو يكتبه بشر حتى فى مجتمع عربى قبل ألف وأربعمائة سنة أن يحتوى على أخطاء لغوية أغلبها ساذج؟!!!!
اكفروا بالقرآن إن أردتم، واكفروا برسالة محمد، ولكن احترموا من يؤمنون به، واحترموا عقولنا!!!
ملحوظة: " وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ" فى الآية مفعول به لفعل محذوف تقديره أخص أو أقصد أو أعنى، وهو فى علم النحو فى باب يسمى (باب الاختصاص).
ملحوظة أخيرة: لكيلا أختصر القضية فى آية فاسمحوا لى فى إيجاز حتى لا يتحول المقال إلى محاضرة فى النحو، وحتى لا أرهقكم أن أذكر عددًا مما تابعته على بعض المواقع من ذكر لبعض ما يتصورون أنه خطأ:
- "إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" سورة المائدة.. والكلام هنا عن "الصابئون" باعتبارها يجب أن تكون "الصابئين"! وهى (نعت مقطوع إلى الرفع كما ورد فى كتب النحو) وسببه أن الصابئين ليسوا أهل كتاب كاليهود والنصارى، فاختار القرآن قطعهم إلى الرفع لبيان مغايرتهم.
- "إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ" من سورة الأعراف. فى تذكير "قريب" مع أن "رحمة" مؤنث، والجواب أن "رحمة" مؤنث غير حقيقى، ويجوز فيه التذكير.
- "وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا" من سورة الأعراف. ويقولون: كان ينبغى أن يقول: اثنى عشر سبطًا! والجواب أن تأنيث العدد هنا من وجوه.. منها أنه مؤنث على ذكر الأمم بعد ذكر الأسباط فى الآية، ومنها على محذوف تقديره "قبيلة" لمراعاة التقطيع لأن السبط تجميع لا تفريق مثله مثل الأمة.
- "هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ" من سورة الحج. ويقولون: "خصمان اختصما" لمراعاة المثنى، والجواب أن كل واحد من المثنى دال على جماعة أو فريق، بدليل تكملة الآية: " فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ".
- " وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا" من سورة التوبة. ويقولون: "كالذين خاضوا"، والجواب أن "الذى" صفة للخوض بتقدير "وخضتم خوضًا كالذى خاضوا فيه"
هذا ما رأيت وجاهة لذكره والرد عليه من الأمور التى قد تكون ملتبسة على غير العالمين باللغة.
سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت علام الغيوب