وائل غنيم يكتب: شياطين النظام السابق وملائكة النظام الجديد
أتصفح منذ أيام عناوين الصحف وتصريحات مبارك بعد أيام من توليه الرئاسة على إثر وفاة الرئيس السادات رحمه الله في عام 1981 .. الكثير من الوعود بالتحول الديمقراطي وتداول السلطة وعدم استمراره للحكم لأكثر من فترتين يرغب فيهما في وضع مصر على الطريق الصحيح .. الكثير من الحوار مع أقطاب المعارضة والاجتماع معها بشكل دوري .. التأكيد على محاربة الفساد (لأن الكفن مفيهوش جيوب) .. التركيز على قضايا الفقراء وإجراء بعض المشروعات التي تستهدف الطبقة الكادحة المصرية .. والبحث عن أدوار للشباب والتأكيد على أهمية الاستفادة من طاقاتهم .. الكثير من الخطب والحوارات الصحفية التي تركز على آمال وطموحات الشعب المصري ..
القضية ليست في عقد مقارنة بين د. مرسي والرئيس المخلوع لأن أي مقارنة بعد مرور تسعين يوما فقط هي مقارنة غير موضوعية .. ولكن المهم هو أن يكون لدينا قناعة أن "الشعوب هي من تصنع ديكتاتورية حكامها" .. وأن يكون لدينا نحن الوعي الذي يجعل من فكرة إعادة سلطة الحزب الواحد مرة أخرى إلى الحياة السياسية أمرا صعبا عبر منافسة سياسية جادة تسعى لوجود قطب ثان في الحياة السياسية المصرية ..
إن محاولة اختصار ما حدث في مصر عبر عقود في أن رموز النظام السابق كانت مجموعة من الشياطين الذين فعلوا كل ما فعلوه لا لشيء إلا لأنهم يحبون الشر والفساد هي نظرة شديدة القصور .. فالنظرة الواعية والموضوعية تقتضي البحث في الأسباب التي أفسدت الحياة السياسية في مصر من قوانين وتشريعات وممارسات ..
الحزب الوطني في بدايات عهد مبارك لم يكن كالحزب الوطني قبيل قيام الثورة المصرية .. والتحول الخطير الذي حدث كان بسبب:
١) سلطة الحزب الواحد: هناك حزب واحد يسيطر على الحياة السياسية وغيره من الأحزاب لا يقوى على المنافسة .. فتداول السلطة أصبح أمرا شديد الاستحالة .. ومع غياب تداول السلطة يغيب مخاوف المسؤولين من الحساب والمسائلة ..
٢) العلاقة بين منظومة رجال الأعمال والسياسة: فأصحاب المصالح الاقتصادية الكبيرة بنوا شبكة من العلاقات مع الحزب الوطني جعلهم يستفيدون من تلك العلاقة في الحصول على مشاريع ضخمة لم يكن بإمكانهم الحصول عليها سوى بتلك العلاقة .. ولم يقتصر الأمر على ذلك بل دخل أهل السياسة في البزنس وأصبحوا هم وأبناؤهم من أصحاب الملايين وأحيانا المليارات .. وبالمناسبة كل هذا لا يحدث في بدايته في إطار من الرغبة الشريرة في السيطرة ولكنها فطرة الإنسان التي لخصها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في الحديث: " لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب"
٣) تشويه المعارضة: رغبة الحزب الحاكم في عزفه المنفرد في الحياة السياسية تحت مسمّى الرغبة في دفع البلاد للأمام وعدم تعطيل السياسات الإصلاحية .. ثم تشابك العلاقات الاقتصادية والمصالح الشخصية مع المصالح الوطنية جعل قيادات الحزب الوطني شديدة الحرص على محاربة كل فرصة لظهور تيار سياسي (الإخوان وغيرهم) بديل ينافس على السلطة بالمعنى الحقيقي لذلك .. وتدرجت هذه المعارضة بدءا من التشويه المعنوي ووصلت إلى التنكيل والعقاب والحبس والاعتقال والسجن .. وكذلك الاتهام بالولاء للخارج والخيانة للوطن على درجاتها ..
٤) بناء شبكة العلاقات متشعبة بين السلطات الثلاثة (التنفيذية والتشريعية والقضائية) القائمة على الولاء التام: هذه العلاقات شابها الكثير من الفساد المالي والأخلاقي والذي عظم مع الوقت بحيث صار هذا الفساد يسير في طريق اللاعودة .. ومع الوقت أصبح الاعتماد على "أهل الثقة" فقط بعيدا عن ما لديهم من خبرات هو المعيار الأساسي لكل وظائف الدولة الحيوية .. وبذلك أصبح من المستحيل أن يحارب الفساد من هم متلوثون به أو راضون عن استمراره أو إذا فرضنا حسن النية عاجزون عن طرح حل حقيقي لتلك المشكلة ..
٥) تجييش الإعلام وقواعد الحزب الوطني المستفيدين من هذا المناخ اقتصاديا واجتماعيا في رسم صورة ذهنية غير حقيقية للواقع بحيث لا تتمكن النخبة (بمعناها الإيجابي وليس السلبي) من محاسبة الرئيس أو حزبه الحاكم وإن تجرأت على ذلك لن يكون لخطابهم صدى شعبيا إما بسبب الخوف من العقاب والقمع أو بسبب فقدان الأمل في التغيير ..
الطريق لا زال طويلا .. ولكن معركتنا اليوم هي معركة وعي بالأساس .. لا يجب أن تكون مقصورة على النخب .. بل تمتد إلى الشباب الذي سطر سطورا من العزة والكرامة والرغبة في التضحية من أجل الوطن ..
عيش .. حرية .. كرامة إنسانية .. عدالة إجتماعية