علاء الدين العبد يكتب: عكَّاً سياسياً..!!
أي ناقد إذا أراد أن يدلي برأي أو نقد لنص أدبي وليكن رواية أو مجموعة قصصية فعليه أن يقرأ كل الرواية أو كل المجموعه القصصية ولا يمكن أبداً أن يُكَوِّن رأي أو يَكُون رأيه صحيحا إذا اكتفى بقصة واحدة أو فصل واحد من الرواية ، وحين يقرأ فعليه أن يمسك بورقة وقلم يدون فيها ملاحظاته أول بأول ، وهناك مدرسة أخرى من النقد تقول أن على الناقد أن يقوم بإعادة القراءة في وقت آخر لاحق وفي ظروف مزاجية أخرى ويقوم أيضا بتدوين ملاحظاته متناسياً ملاحظاته الأولى ، ثم بعد ذلك يقارن ما بين الملاحظات الأولى والثانية ويُدَوِّن المكرر منها والمختلف ليُكَوِّن رأي صائب وسليم، ويحدث ذلك أيضا في تناول ونقد العمل السينمائي ..
ورأيت أن هذا ما يجب أن يتم إذا أردنا أن نُقَيِّم خطاب الرئيس في ذكرى نصر أكتوبر بالصورة الحيادية السليمة ، وبمعزل عن كونه إخواني أو ربط ما بين التصرفات والتصريحات التى تصدر من البعض المنتسبين للجماعة أو للحزب .. وهذا ما قمت به الأيام الماضية ، أعلم جيدا أن محاولة سماع وتحليل خطاب الرئيس بمعزل عن كونه إخواني ليس سهلاً أبداً ولكن لابد منه للوصول إلى درجة عالية من الحيادية ، فليس من الضروري أن نكون معه تماماً أو ضده تماماً ، وهذا في نظري ما وقعنا أو وقع فيه الكثير منا بدون شعور ، وترسخ في ثقافتنا طوال سنين طويلة وما زلنا نعاني منه فنحن ما زلنا منقسمين ما بين مؤيد لجمال عبد الناصر ومؤيد للسادات بكل ما جاء في حقبة حكمهما وبين رافض وقليل جداً منا من يستطيع أن يقف و يجد أن هناك إيجابيات وسلبيات ولا ينبغي أبداً أن نحكم عليه بأنه إما كان زعيم ناجح أو فاشل !!
في ديسمبر 2011 كتبت مقال بعنوان (لا للإخوان ولا للسلفيين .. نعم للمصريين) وما زلت أؤكد أن هناك فرق كبير ما بين أن تختلف مع الإخوان وما بين أن تكرههم !! الإختلاف وارد جداً وصحي في كثير من الأحوال إذا ما أردنا أن نصل لنقط اتفاق بدون تجريح لطرف تجاه الآخر وبشكل موضوعي !! أما الكُره لأي فصيل ديني أو سياسي فهذا لا يفيد مصر كلها ...
كنت أود أن أشعر بتفاؤل وأنا أُعيد سماعي للخطاب مرتين وأُفرغ محتوياته وأُعيدها على مسمعي بالرغم من تصريحات قيادات بالإخوان أن الرئيس مرسي أخطا التقدير للمائة يوم وقال أيمن نور أنه ظلم نفسه بذلك الوعد إذا كان يعتقد أن مشاكل مصر ممكن أن تُحل في هذه المدة !!
ودعونا نتوقف عند النِسَب التى أعلنها الرئيس كنسب إنجاز ، إذا كان نسبة تحقيق الأمن في مائة يوم 70% فهل بنفس المعدل نفهم أنه ستتحقق نسبة المائة في المائة في شهر ونصف قادمين ؟؟
إذا كان نسبة إنجاز توفر الوقود في المائة يوم 85% وبإعتبار أنها نسبة صحيحة فهل ستتحقق النسبة القليلة الباقية ال15% بنفس المعدل خلال شهر بحدٍ أقصى ؟؟
أما النظافة والنسبة التى أعلن عنها الرئيس وكانت أقل النسب 40% وبنفس المعدل أيضاً فعليه أن ينتهي منها بحدٍ أقصى خلال خمسة أشهر قادمة ..
ألا يُعَد ذلك وعداً جديداً على الرئيس أن يُتَفِّذَه ؟؟
كنت من الممكن أن أُصدق أن هذه النسب التى قُدِّمَت للرئيس صحيحة إذا ما ألغينا وعطَّلنا شعور نا كمواطنين ولكن حين نسمع من السيد المتحدث الرسمي باسم الرئاسة أن تكليفات رئيس الجمهورية لرجال الدولة تتم شفهياً وأن هذا الأمر يجب تداركه فلا أصدق ذلك بل أعتبره " عكاً سياسياً".. ..
وحين أسمع تصريحات السيد المستشار وزير العدل معلقاً حول قرار تعيين النائب العام سفيراً بالفاتيكان يقول أنه ربما نُقِلَ للرئيس موافقة النائب العام بقبول المنصب الجديد ، ولم يَذْكُر الوزير مَنْ نَقَلَ للرئيس ؟!! فلا أستطيع أن أصدق أي نسب إنجازات وأعتبر ذلك أيضاً " عكاً سياسياً"..
وحين أسمع تصريحات الكتاتني أنه كان هناك وعد له من سامي عنان بعدم حل مجلس الشعب أتاكد أنني على حق في أنه فعلاً " عكاً سياسياً " تُدار به مصر ولا أعلم له نهاية !!
أخيراً والخطاب ملئ بالنقد ولا يسعه المقال ولكن أهمس برسالة للرئيس مرسي إذا أراد أن يَعْبُر بمصر والمصريين كما قال ( بالعبور الثالث ) ، وأن نقف جميعاً على قلب رجلٍ واحد ، ومن كانت لديه رؤية فليقدمها ، ومن أراد أن يسهم في البناء فمصر للجميع ، فعليك أيها الرئيس أن تدرك أنه لن تستطيع ذلك إلا بمشاركة جميع القوى الإسلامية وغير الإسلامية وعليك أن تثبت ذلك عملياً أنك رئيس لكل المصريين وليس الإخوان فقط إذا أردت فعلاً مشروع نهضة حقيقي ، وتذكر قول الله تعالى : ( يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين ) سورة القصص 26... قالتها بنت شعيب لأبيها ..
يقول شيخ الإسلام بن تيمية .. ينبغي أن يُعرف الأصلح في كل منصب .. فللولاية ركنان أساسيان :
- القوة والأمانة ، ومن مظاهر القوة التي يحتاجها الحاكم أو( من وُلِّىَ شئون الناس ) ليتسنى له الفصل في كثير من الأمور دون تردد وتهاون ..هو قوة الشخصية والقدرة على حل الأمور بجدية وحزم وسرعة على أن لا يترتب على ذلك ظلم لأي طرف وهذا يستدعى توافر الكفاءة والذكاء ، ومن مظاهر ضعف الحاكم هو البطء والملل في إتخاذ القرارات والتعامل مع المعطيات وهذا ما يتعارض مع الذكاء والكفاءة والقدرة ..وتلك القوة تختلف باختلاف المهمة المطلوبة .
- فالقوة في الحرب مثلا تتمثل في شجاعة القلب والبسالة في القتال .. بينما القوة في الحكم بين الناس تتمثل في العمل بالعدل بينهم والقدرة على تنفيذ الأحكام .
فلماذا جاءت القوة قبل الأمانة ؟؟ فهناك القائد القوي غير الأمين غير الصالح ،، فقوته تظهر في الحرب وتعود على الناس والوطن بالنفع بينما يعود عدم صلاحه على نفسه .. أما القائد الصالح الضعيف ، فصلاحه يعود إليه وضعفه يعود على الناس والوطن ..
وحتى لا يتهمني البعض أنني لم أرى شئ إيجابي في الخطاب فيمكنني تلخيصه في كلمة واحدة أن الرئيس كان في خطابه مجتهد ..