هند جمعة تكتب: عقول أمة اقرأ التي لا تقرأ!

كتبت منذ أيام مقالا نشر على موقع الموجز عن مشكلة زواج البنات فى سن التاسعة (اقرأ: هند جمعة تكتب: أيها الأطفال: تزوّجوا فى التاسعة خيرًا لكم!) ، وكيف أنها عادة وظاهرة متفشية فى المجتمع المصري منذ سنين، بسبب الجهل والفقر، ثم ذكرت أن المشكلة الكبرى فى فتاوى بعض رجال الدين (المتأسلمين برضه) فى إباحة الزواج فى هذا العمر الخطر، مع أنها متاجرة بالأطفال.

 

لم أذكر اسم شيخ بعينه فى المقال، ليس خوفا من أحد، ولكن لأنه ليس شخصا واحدا (يا ريت!) بل هم شيوخ وشيوخ وشيوخ، لن يمكنني حصر عددهم أبدا.

 

المؤسف -والعادي فى نفس الوقت!- هو رد فعل بعض الأشخاص الذين توهّموا أنهم قرأوا المقالة، وأنا متأكدة أن أحدا منهم لم يقرأ، أو على الأقل لم يقرأ بعقله، حيث بدأوا يسنّون سكينا على رقبة تلك الكاتبة المتبرّجة -على حد تعبيرهم!- ويكيلون لها الاتهامات من كل صنف ولون، لكن الأكثر مدعاة للأسف أن بعض التعليقات السخيفة جاءت من فتيات، أى أن لدينا فى مجتمعنا بنات توافق على زواجهن أو ذويهم في سن التاسعة!

 

أما المثير في الأمر، أن معظم التعليقات كانت عن أشياء لا علاقة لها بموضوع المقال، حيث اتهمني بعضهم بالكذب وبأني مضللة، ووصف الإعلام بالكاذب والصحافة بالصفراء، رغم أني بالمناسبة لا صحفية ولا كاتبة، وإنما مجرد شخص يعيش فى هذا الوطن ويطرح مشكلة كبيرة للنقاش، مهما اختلفتَ أو اتفقتَ معى، ما علاقة شخصي وشكلى وزواجى وحجابى من عدمه بالمشكلة؟!

 

لكن -من خلال هذه التجربة- تأكدت أكثر أن المشكلة يا سادة ليست فى شكلى الشخصي، ولا فى عقل هذا الشيخ أو غيره، وإنما فى عقولنا نحن، وفى كلمة "آمين" التي لا يجب أن تقال لأي كائن لمجرد أنه بذقن ويدّعى أن عنده علما من عند الله، فيأتي ليعبث بعقولنا وأطفالنا كما شاء ويرضي غرائز مريضة تشمئز منها القلوب!

 

المشكلة ليست فى الفتوى، ولكن فيمن يقول "طالما الشيخ قال هذا فرأيه يحترم" (تعليق من التعليقات المريضة)!

لا يا أخى هذا الرأي لا يُحترم، نحن أمة اقرأ، وأمة اقرأ لا يجب أن تكون بهذا الجهل، فلديها من الكتب والمعارف والعلم ما يقيها الوقوع في هذا الوهم، أو الانصياع وراء أي أحد دون دراسة وتمحيص لكل كلمة يقولها، ورؤية موقعها من شرع الله عز وجل.

 

المشكلة ليست في الفتيات اللاتي لم يتزوجن بعد، وليست فى مشكلة العنوسة التي كان بالأحرى مناقشتها بدلا من كارثة زواج الأطفال فى سن التاسعة -كما نصحتني إحدى القارئات- ولكن في كارثة استسهال ضياع عقول بناتنا والقضاء على طفولتهن البريئة والتخلص منهن من أقصر طريق، لأنهن لن يتحملن جسديا ولا صحيا الزواج والحمل والإنجاب وتربية أطفال أصغر منهن بتسعة أعوام، كان من الممكن أن يلعبوا معهم فى نفس الشارع!

 

المشكلة في كارثة السمع الطاعة التي يخضع لها أغلب الشعب المصري الآن!

 

عملية القضاء الممنهج والمنظم جدا من قادة هذا البلد على جميع عناصر المجتمع، بداية من الأطفال بالتخلص من عار أجسادهم مبكرا، مرورا بإطفاء روح التديّن الكاذب والمقنع لشعب نصفه لا يجد أساسا قوت يومه، ليبحث عن بديل للدخل عن طريق زواج أطفاله من عجائز باسم الجوع وتحت شعار الدين (الذي يسمح بذالك فى ظنهم الخاطيء)، وأخيرا تهجير النخبة الباقية من الشعب المتعلم الذي لن يستطيع التواجد فى هذا الوطن ورؤية هذا الشذوذ حولهم أكثر من هذا، لتنتفع بعقولهم جميع بلدان العالم التى لا تهتم بأجساد الأطفال، وتقنن الاغتصاب بالقانون، بحجة التخلص من الوقوع فى الرزيلة!

 

وإني أسأل كل من يظن أنني أتهم الشيوخ بالباطل، أو أنني ضمن كتيبة الإعلام الكاذب المضلل، كل من يرى أن هناك أولويات كثيرة للكلام عنها أهم من مصيبة تقنين اغتصاب أطفالنا باسم الدين: هل بقى لهذا الشعب من أمل في حياة أفضل بعد كل هذا؟ هل حقا نصدق أن لنا مستقبلا نسعى اليه ونعيش من أجله بعد العبث بأجساد صغارنا؟

 

سؤال أخير لكل أب وأم يعيشان على أرض هذا الوطن: هل حقا ترضون لأطفالكم هذا القرف تحت أي مسمى؟

 

إذا كانت الإجابة بنعم، فلتسرعوا إذن بالبحث عن عجوز ما لتزوجوه لطفلتكم لتضمنوا دخول الجنة!


تعليقات القراء