أحمد عبد الجواد يكتب: بين الحاكم والمحكوم (1)

(خطاب الاستعلاء)
(وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) تتبدى العلاقة بين الحاكم والمحكوم، كما تعارفنا عليها فى الموروث الحياتى بعلاقة التبعية، علاقة تتجلى فى الإعجاب، باعتبار أن الحاكم على اختلاف أشكاله وتوجهاته، شخص موهوب أو حاباه الله بميزات خاصة، إنه شخص مغاير للأفراد العاديين، ولذلك أصبح هو المنوط بالحكم، وله الكلمة الأولى والأخيرة فى العباد والبلاد، ومن هنا كان بحثنا فى بداية الثورة عن الكاريزما، عن الشخص غير العادى الذى يجب أن يحكمنا، أو نستطيع أن نضع له أصواتنا ونحن مرتاحوا البال.
السؤال الآن هل هذه رؤيتنا للرئيس الجديد الدكتور محمد مرسى، هل نراه هذا الشخص المغاير الذى تتطلع له الأفئدة، الإجابة باختصار (لا) لأننا نراه شخصًا وضعته الظروف لأن يكون رئيسًا للجمهورية، فلا هو يمتلك كاريزما عبد الناصر، ولا لغة وأدائية السادات، بل هو فقط رجل رشحته جماعته أمام اختيار أشد وأصعب، فما كان منَّا إلا أن نختاره.
لقد أثَّرت علينا الفكرة السابقة فأصبحنا نتعامل معه من منطلق "الاستبن" نترنم بالسخرية من الرجل، ليس السخرية المباشرة بل السخرية المفهومة ضمنًا من الحديث، فهو الرئيس الطيب الذى يخرج بمفرده ويتعب أفراد الحراسة معه، دون اعتبار لبروتوكول الرئاسة والذى يحكم عليه أن يتعامل باستعلاء مع حراسه، من منطلق أنه فخامة رئيس الجمهورية، السخرية من الرئيس الذى يصلى فى المسجد، وكأنه يقوم بفعل شائن، السخرية فى الحديث عن زوجة الرئيس بلقب "أم أحمد" وفى هذا اللقب استعلاء واضح على السيدة المصرية التى تلبس الخمار، والتى ستغير من بروتوكول الرئاسة فلن يستطيع أحد من رؤساء الدول أن يسلم عليها، لأن سيدة مصر الأولى لا تسلم على الرجال، مما سيجعل كبير الياوران يخبر كل الوفود أن قرينة الرئيس لا تسلم فلا تحرجوا أنفسكم.
هذا الخيال هو ما جعل القائمين على الإعلام يحاولون أن يستعلوا على زوجة الرئيس بخطاب إعلامى فج فيه من الطبقية ما فيه، باعتبارها لا تشبه المصريات، ونسوا أن أمهاتنا هن من يلبسن الخمار، نسوا المناطق الفقيرة والأسر المتوسطة والتى تكوِّن أغلب هذا الشعب، فقط قاموا بمقارنتها بسيدات الطبقة العليا، ونسوا أن لكل حريته، وأن أولى درجات الديموقراطية أن تتقبل الآخر لا تستعلى عليه.
فقط أريد أن أذكركم أن ما تفعلوه قد يصنع ديكتاتورًا جديدًا يستعلى على استعلائكم، ديكتاتور يقوم برد فعل للسخرية، وينفصل عن عالمنا الواقعى ليدخل عالم الورق والدوسيهات والتقارير، ليدخل فى عالم آخر بدأ مبكرًا يطبل ويزمر ويقيم الأفراح للعهد العبقرى الجديد، ترى لمن سيسمع فيكم، للساخرين أم للقائلين بأن عهده هو عهد عمر بن عبد العزيز فى القرن العشرين.

تعليقات القراء