أيمن مسعود يكتب: التنفس الصناعى
فى حالات الخطورة القصوى على المريض.. أول ما يطمئن عليه الطبيب هو تنفس المريض.. فإذا لم يستطع أن يتنفس لأى سبب، فإن الطبيب ينشغل بوضعه على جهاز التنفس الصناعى إن توفر، أو يمنحه قبلات الحياة التى تنشط قلبه ومخه مرة أخرى ليبقى على قيد الحياة.
وصلت الثورة المصرية إلى هذه الحالة المرضية التى باتت فى أشد الحاجة لتوفير تنفس صناعى لها!! قبلة الحياة التى تلقتها على كره -ولو كانت فى يقظتها لما قبلتها على الإطلاق- هى ما حدث فى نتيجة الانتخابات الرئاسية التى أعلنت فوز مرشح حزب الحرية والعدالة الدكتور محمد مرسى رئيسًا لمصر ما بعد الثورة، أو أول رئيس للجمهورية الثانية، أو خامس رئيس مصرى، أو أول رئيس مدنى، أو أول رئيس منتخب!!
ألقاب عديدة تعكس بعض وجهات النظر التى تنتمى إلى موقف سابق من حزب أو جماعة أو شخص بالتأييد أو الرفض أو التبعية والمبايعة المطلقة أو التذمر والاستنكار!!
فى الحقيقة لا يشغلنى على الإطلاق من الدكتور محمد مرسى إلا قدرتى وإصرارى على أن أكون مواطنًا فاعلاً يشارك فى رسم مستقبله ومستقبل أبنائه، ولا ينتظر أو يتمنى أو يتوقع ما سيجود به الرئيس الحالى.
جاء رئيس شرعى بقوة القانون، ولكنه جاء خاليًا من تفويض "اخترناه وبايعناه".. جاء رئيس شرعى لم تمنحه الإرادة الشعبية صلاحية الهيمنة أو السيطرة.. طالبناه بالتطمينات وبالتعهدات، وفرضنا عليه أن يكون أكثر وضوحًا، وأدرك أنه لم يحصل على ثقة مطلقة من الشارع المصرى!
نستطيع أن نصنع ديكتاتورًا بمنتهى البساطة إذا تعلقت أبصارنا به حتى لو كان تعلق المنتقدين والمعارضين، فبمنتهى البساطة نجد الرد واضحًا باتهام صريح بالعداء للثورة وللتيار الإسلامى!
دعونا لا ننتقد الرئيس الحالى، فأنا أعلم منه باللغة العربية، وقد ضبطته متلبسًا بعدد من الأخطاء اللغوية فى خطابه تدفعنى إلى إعداد مشروع يفرض على الرئيس ألا يخطئ فى استخدام الفصحى. هذه بداية!
ولكن القضية ليست فى الرئيس، ولكنها فى الدولة.
الشعب هو الجسد وهو الروح، والرئيس مواطن، والقضاة مواطنون... وبهذا أصبح لزامًا على الشعب أن ينتقل من رصد الأخطاء إلى التفكير فى أنسب طرق حلها، ومناقشتها على أوسع نطاق.
الدستور القادم ستصوغه اللجنة الحالية أو لجنة أخرى، ولا بد أن نعلم أن اللجنة لن تصدر مشروع الدستور للاستفتاء عليه إلا إذا أغرتها القوى السياسية بدعمه فى الشارع.. إذا رفضناه وخرجنا وقتها فى مليونيات، فثقوا تمامًا أن الناس لن تقبل ما يسمونه "ديكتاتورية الأقلية" فى الميادين، ولكن إذا خاطبنا اللجنة بما نراه، وعرضنا ذلك على الشارع، فسيكون ذلك أدعى لتبنيهم ما نقترحه ومناقشتنا فيه.
دعونا ننتقل مرة من مقعد "رد الفعل" إلى الاستباق فى الفعل؛ قضايانا واضحة، وأهدافنا مشتركة، وحلمنا واحد.. فقط تختلف الآليات والوسائل وطرق العرض!!
فى مجتمعنا أصحاب مصالح خاصة، وفيه متشددون، وفيه مغرورون، وفيه جهل وفقر ومرض، وفيه علماء ومفكرون... فيه نبل وفيه خسة، وفيه زهد وفيه طمع!! الحقيقة فى النهاية أنه مجتمعنا، وأنه ميراث شديد الوطأة من الفساد والتجريف والتخريب.. نتحمل على الأقل عبء إصلاح عيوبه ومفاسده، حتى لا يخرقوا السفينة فيهلكوا ونهلك جميعًا كما جاء فى الحديث الشريف.
أرى أننا وصلنا إلى مرحلة من الصراع لولا أننا –بفضل الله- فى مصر "المحروسة" لكانت الحرب الأهلية قد بدأت..
"عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية" مضى وقت هذا الشعار.. وجاء رئيس ليس معه تفويض إلهى ولا هو الزعيم الملهم الذى يأمر فنلبى أوامره.. قال "لقد وليت عليكم ولست بخيركم"، وهو لم يكذب فى هذا، فهو ليس بخيرنا فعلاً.. هو مواطن مصرى أصبح رئيسًا يفهم فى أشياء، وتخفى عنه أشياء أخرى.. هل يمكن أن نفكر معه وقبله وبعده فى كيف نحقق أهدافنا؟
أستأذنكم –كشاعر ولغوى- أن أبدأ مع أصدقائى ومعارفى والمتخصصين ومع كل من أقابلهم فى أى تجمع وفى المواصلات العامة أن أتعرف معهم على مفهوم الديمقراطية والحرية وهوية الدولة، لنصوغ نتائج هذه النقاشات، ونقدمها كمشروع لبناء دستور مصر القادم أيًّا كانت اللجنة التى ستتكفل بصياغة أفكارنا وأهدافنا وطموحنا ورؤانا وقراراتنا التى يجب ألا ننتظر من يقرأ عقولنا ليضعها نيابة عنا.
هذه خطوة أولى.. ولدى المزيد.
أرجوكم.. فكروا كيف نحقق ما نريد!
تنفسوا بإرادتكم قبل أن نضطر إلى استخدام أجهزة التنفس الصناعى التى لا يجب أن نطمئن لحرصها على حياتنا أكثر من حرصنا على أنفسنا.
الشعب مصدر السلطات.