أيمن مسعود يكتب: متى تستقيل؟
استقال وزير الخارجية اليابانى "سيجى مايهار" فى السادس من مارس 2011 متحملاً مسؤولية استلامه نحو ألفى دولار على مدى أربعة أعوام كتبرعات سياسية من امرأة كورية جنوبية مقيمة في اليابان اعتبرته بمثابة ابنها!!!!!!!
هذا الحدث الحقيقى والواقعى وغيره من الأحداث التى تصل إلى فكرة العبث مثل انتحار وزير المالية الأمريكى فى فترة جيمى كارتر بعد اتهامه بالفساد والرشوة، وقد أثبت القضاء الأمريكى براءته من هذه الاتهامات بعد ذلك!!
المنصب دائمًا قيد فى عنق من يتولاه، ويكون ولاؤه مطلقًا لصاحب الفضل عليه فى الوصول إلى هذا المنصب أو هذه المكانة، وقد تعودنا فى النظام السابق أن يكون ولاء الوزير لرئيس الجمهورية –فى المرحلة الأولى-، وللجنة السياسات –فى المرحلة الثانية-، ولم يكن ولاء أى مسؤول للشعب فى أى مرحلة من المراحل!!
متى يستقيل المسؤول؟
يستقيل أى مسؤول فى العالم إذا خذل توقعات صاحب السيادة عليه، وإذا لم يقم بتنفيذ المطلوب منه على الوجه الأكمل، أو إذا أخل بالاتفاق الضمنى أو الصريح بينه وبين صاحب الأمر.
يحدث هذا فى مصر بنفس الدرجة التى يحدث بها فى العالم، مع اختلاف صاحب السيادة ومفهوم الاتفاق بينهما.. ففى اللحظة التى ينزل فيها وزير الداخلية البريطانى من سيارته ليسدد
مخالفة مرورية حين لمست سيارته الخط الأبيض لعبور المشاة والإشارة حمراء.. فى هذه اللحظة يمر الوزير المصرى فى موكب، وتكون كل الإشارات خضراء ليعبر دون مضايقات من الرعاع والحثالة أصحاب السيارات القديمة التى قد يتسبب مظهرها القبيح فى "سدة نفس" مولانا الوزير!!!
هل يرى السيد كمال الجنزورى أنه لم يقم بمهمته على الوجه الأمثل فى هذه المرحلة "العصيبة من تاريخ الوطن" على حد تعبير عمر سليمان فى خطاب التخلى؟ بالطبع لا، فالسيد كمال الجنزورى قام بما عليه تمامًا، ونجح فى قيادة الصراع بين الحكومة والبرلمان، وشده بعيدًا عن المجلس العسكرى!!
الدكتور كمال الجنزورى صاحب الإنجازات الضخمة فى الماضى، والتى من بينها بداية ونهاية مشروع توشكى الذى رفض أن يعتمد ميزانية الدراسات السابقة عليه والتى تقدر بنحو 35 مليون دولار ليبدأ فى صرف المليارات مباشرة دون اهتمام بما يمكن أن يحقق من خسارات فادحة للاقتصاد المصرى، وصاحب فضائح نواب القروض التى تمت فى عهد سيادته، والعضو البارز بالحزب الوطنى حتى الثورة، وغير ذلك من إنجازات... هذا الدكتور هو رئيس حكومة الإنقاذ الوطنى التى بدأت على أنقاض وجثث شهداء محمد محمود، والتى أعقبتها مباشرة مجزرة مجلس الوزراء، ومذبحة استاد المصرى، وعجز الموازنة، وانخفاض الاحتياطى النقدى، وأزمة كرامة المواطنين المصريين... هذه الحكومة التى تتشكل من وزراء لا يحترمون الإرادة الشعبية التى انتخبت من يمثلهم رقابيًّا على حكومتهم.. والتى اختارت وزير خارجية يصرح بأن السعودية هى الشقيقة الكبرى لمصر، ووزير تضامن يعلن فى كل تصريح أن الحكومة غير قادرة على
الوفاء بمهامها نظرًا لعدم استقرار الأوضاع، ووزير داخلية يشكو لنا الطرف الثالث دون أن يعرف أن علينا نحن أن نشكو فى حين أن عليه أن يقدم الإجابات!!!
الطريف فى هذا الأمر أن هذه الحكومة التى تهاجم البرلمان ومنظمات المجتمع المدنى وتعانى من فشل مؤسسات الدولة، وتصرخ من جهل وغباء المواطن وسلبيته لا يمكن أن يخرج منها تصريح واحد يدين المجلس العسكرى فى تكاسله عن القيام بمهامه، فضلاً عن أن تتهمه بالتآمر أو الخيانة أو العمالة –حاشا لله-!!
الحكومة تعلم جيدًا أن عليها أن تدين بالفضل لصاحبه، وهو المجلس العسكرى الذى يحيى العظام وهى رميم! (تعالى الله عن كل شبيه) وكيف لا؟ وهو من استحضر روحًا أزهقت منذ التسعينيات من القرن الماضى، وجاء برئيس مجلس وزراء مؤمن بحكمة القائد الزعيم الملهم مبارك وذلك حسب ما جاء فى استقالته التى قدمها لفخامته!!
أذكر أى مسؤول لا يرى إلا تحت قدميه كبر أو صغر هذا المسؤول وأيًّا كانت فترته التاريخية بما حدث مع سيدنا نوح –عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: قَالَ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) سورة هود.
وأقول له: إنك إن أفلتَّ من الشعب، فإن هذا لا يعنى أنك أفلتَّ من الله!!!!!