نانسي حبيب تكتب: البحث عن عاشور الناجى

نانسي حبيب - جريدة التحرير

 

هل تذكر يوسف عبد الحميد السويفى الصحفى المنافق الوصولى الذى رسمه ببراعة الرائع فتحى غانم؟ هو الرجل الذى ضحى بحبيبته ورمى أخاه وزوجة أبيه إلى الشارع.. هو الرجل الذى داس بقدمه على معلمه ليأخذ منصبه.. هو الرجل الذى تذلل للباشا وتغزل فى القصر.. وهو الذى كتب عن مبادئ ثورة يوليو كأنه واحد من الضباط الأحرار.. هو الرجل الذى فقد ظله..

 

هل تذكره؟ هل تراه فى الشخصيات التى نعاصرها اليوم؟ لكن الأكيد أنك لن تراه فى الصحافة فقط.. ستجده أيضا فى رئيس الحزب الذى كان يومًا يتحاور مع الحزب الوطنى، واليوم أصبح يتحاور مع الإخوان.. ستجده فى رجل الدين الذى أفتى بحرمانية الخروج على الحاكم والآن يقف ليقول إن الثورة تُنتزع منا، وكأنه هو الذى قام بها.. ستجده فى عضو الجماعة التى رفضت المشاركة فى مظاهرات يناير ثم جلست لتتفاوض على انتصاراتها مع عمر سليمان نائب الرئيس آنذاك، وأصبحت الآن تسيطر على البرلمان.. ستجده فى ذلك المرشح الذى لا همّ له سوى التشنيع على الآخرين والتأكيد أنه هو الوحيد الثورى الذى كافح الفساد، لكنك فى الأزمات والكوارث لن تجده وسط الناس بل فى وسائل الإعلام يتاجر بهم للدعاية لنفسه..

 

يقولون إن أكثر الأوقات التى يظهر فيها الشخص الوصولى هى فى أثناء حدوث تغير. ومثلما كانت ثورة يوليو نقطة فارقة فى حياة يوسف السويفى، فإن الأمر نفسه كان موجودا بل وكانت الفرصة أكبر لصعود الوصوليين إلى السطح فى ثورة يناير، كل شىء سقط وانهار فجأة وأصبحت كل السبل مفتوحة أمامهم. كان الوضع أشبه بعودة عاشور الناجى إلى الحارة من الخلاء ليجد أن الوباء أخذ كل شىء.

 

هل تذكر عاشور الناجى زعيم حرافيش نجيب محفوظ؟ ذلك الطفل الذى وجده الشيخ عفرة زيدان فعلمه تعاليم الدين قبل أن يموت ويتركه وحيدا.. وحين بدأ أهالى حارته يتساقطون من القىء والإسهال ظهر له الشيخ عفرة فى رؤية ليخبره بالذهاب إلى الخلاء، فذهب وحيدا مع زوجته بعد أن سخر منه أهالى حارته وظل هناك ستة أشهر قبل أن يعود ليجد الجميع أكلهم الوباء، ويجد كل السبل مفتوحة.. ماذا فعل عاشور إذن؟

 

عاشور أخذ دارًا لنفسه، لكنه قام بتوزيع الأموال على الفقراء وإصلاح أحوال الحارة، وحين انكشف أمره ودخل السجن لمدة عام لم ينسه الناس فخرج فتوة عليهم، لكن عاشور صمم أن يمارس عمله سائقًا لعربة كارو، وكان يحافظ على العدل.. لم ينتهز الفرصة ليغتنم كل شىء لنفسه رغم كل الإغراءات، لكن همه الأول كان مصلحة الناس لا مصلحته الشخصية.

 

الأكيد أن كاتبنا الكبير نجيب محفوظ لم يعاصر ثورة يناير، وأن المبدع الرائع فتحى غانم لم ينزل يوما إلى ميدان التحرير ليشهد فرحة المصريين بسقوط النظام، والأكيد أيضا أنك ستجد ما يحدث الآن حاضرًا فى أعمالهما، وسترى الشخصيات الموجودة على الساحة السياسية الآن فى شخصياتهم، لكن المشكلة أن لدينا الكثير من يوسف بينما لا يزال البحث جاريا.. عن عاشور.

تعليقات القراء