أحمد عبد الجواد يكتب : مقال على مقال العشر كلمات

كنت أنوى الحديث هذا الأسبوع حول الميديا والإعلام ومحاولة لمعرفة ما يدور فى خفايا الإشارات الإعلامية، لكننى فوجئت بمقال على موقع – إخوان أون لاين – بعنوان "عبد القادر أحمد عبد القادر يكتب: مقال في عشر كلمات" والرجل للأمانة طابق العنوان بالمحتوى؛  لكنه لم يطابق الكلام بمقتضى الحال كما تعلمنا فى تعريف البلاغة فقال: "إخواني في الجماعة والصف والمُحبين، آذانكم وأعينكم على قيادة الإخوان فقط، وغير ذلك سُمٌ زُعَاف..

(إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً 36) (الإسراء)"

هنا أقول لكم:

بداية أعجبنى العنوان مقال فى عشر كلمات وأحالنى أول ما أحالنى إلى الوصايا العشر للنبى موسى – عليه السلام – وكأنه يريد أن يقول سأوصيكم وصية غالية فى عشر كلمات، وهو أمر يلفت الانتباه لا محالة لعدة أمور:

أولاً: صغر حجم المقال يدعوك للتركيز الشديد معه.

ثانيًا: الإحالة إلى فكرة العشرة وهو من المقدسات فى الأديان تٍجعلك تقف أمام الاختزال الشديد، ومطابقته للحدث.

ثالثًا: الإحالة إلى وصايا موسى – عليه السلام – له وقع على الأذن والقلب يجعلك تقتنع داخليًا بفكرة المقال، وهى من طرق التلاعب اللفظى للإيحاء بشيء محدد، أو البرمجة عن طريق اللغة.

أما عن المقال فالبداية بلفظة إخوانى على ما فيها من مطابقة الكلام لمقتضى الحال لأنه يتحدث مع "جماعة الإخوان" لكنه أيضًا يستدرج القارئ غير الإخوانى ليحيله إلى حالة الحب والأخوية التى تربط الجماعة ببعضها، وهى حالة تستدرجنا إلى "جماعة الإخوان والصفا" –وهى جماعة اغتيالات سياسية ظهرت فى الفترة ما بعد العباسى وامتدت حتى العصر الأيوبى – وكانت تبدأ رسائلها "أعلم أخى الكريم" وهى طريقة حاولت فيها أن تستدرج القارئ وتميله إليها، كذلك الأمر مع المقال هنا فى بدايته الاستمالية بلفظة "إخوانى" وما يؤيد ذلك هو استكماله "إخوانى فى الجماعة والصف والمحبين" فهذه التركيبة تدعوك إلى الوقوف أمام فكرة الصف التى يريدها وكأنهم فى حالة حرب يصفُّون أنفسهم للجهاد، أو الإحالة إلى فكرة الإيمان استنادًا إلى الحديث "المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضهم بعضًا" مع أنى أميل إلى فكرة الحرب التى يعتقدها الإخوان وتستطيع أن تلمحها فى خطاباتهم وأحاديثهم.

إن حالة الحرب التى استدعتها كلمة "الصف" تدعونا إلى التفكر فى فكر الجماعة هل فعلاً يعتقدون أنهم فى حرب، وإن كانوا فى حرب فضد من؟ إن كانوا فى حرب ضد النظام فقد سقط النظام – أو هكذا نرجو – وإن كانت حربًا ضد العسكر، فالكل أصبح يعلم شبه الصفقة التى تتم فى الخفاء مع العسكر، وهنا لا مجال إلا أن تكون الحرب مع العلمانيين (حسب ما يتوهمهم البعض) أو الشعب، ولعلهم يحاربون طواحين الهواء كما قرأنا عن دون كيشوته فى الماضى، الطواحين التى ظن أنها تصنع فارسًا لكنها لم تجلب عليه إلا ضحك الناس، وطواحين الإخوان هى محاربة العلمانيين الذين اتخذوهم أعداءً من دون الشعب، ولم يفعلوا لهم شيئًا وفى المقابل لم يفعل (العلمانيين أو الليبراليين)  شيئًا، إنها طواحين من الناحيتين والشهيد هو الشعب.

الشعب هو الحيران فى المنتصف بين هؤلاء وأولئك يحاول أن يفهم وأن يتابع لكن صعبت عليه الشُقَة وبات حيرانًا أسفًا على انتخاب من لا يملكون الحلول لكن يجيدون كتابة الخطب وإلقائها، لقد وعد الإخوان الشعب وعد من لا يملك السلطة التنفيذية لمن يستحق أن يعيش حياةً كريمةً، وهم فى ذلك كله يتعلمون السياسة فى الشعب المصرى، فالإخوان محترفى خدمة مجتمع لكنهم لم يحترفوا السياسة، لأنهم كانوا مطاردين ومقموعين أو فى حالة صفقة مع السلطة فى بعض الوقت، فأين تعلموا السياسة باستثناء بعض أعضاء الجماعة الذين تم انتخابهم فى مجلس الشعب على فترات متباعدة.

وبعودتنا إلى مقال العشر كلمات واللهجة الخطابية العالية التى استخدمها كاتبه فى " آذانكم وأعينكم على قيادة الإخوان فقط" فهى نبرة عالية تهدد من هم خارج الجماعة وتلجم من داخلها – فى شكل الناصح الأمين – الظاهر فى هذا النص هو النصيحة الغالية التى يجب أن يتعلموها، والباطن فيه هو تلجيمهم بفكر واحد ووعد واحد قطعوه على أنفسهم، وهو اتباع القيادة العليا التى لا تخطئ أبدًا والتى يجب أن يتبوعها وإلا خرجوا من جنة الإخوان، وهذا ما يؤكده الجملة الختامية فى المقال "وغير ذلك سم زعاف" وكأنهم هم المؤمنون فقط هم الواعون فقط هم القادة فقط وكل ما غيرهم باطل بل يضع داخلهم سم فى العسل، وبالطبع لنا أن نشير إلى ختامه المقال بالآية القرآنية (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) ليقول لهم فى نافلة القول إن لم تطيعوا مكتب الإرشاد فستسئلون يوم القيامة.

هنا أذكر فيلم الزوجة الثانية وشيخ العمدة دائمًا ما يردد "وأطيعوا الله والرسول وأولى الأمر منكم" إنها نفس الحالة ونفس المنطق لكننا الآن على وعى المدينة وليس وعى أهل القرية البسطاء الذين خافوا من الآية وبالتالى خافوا من العمدة، نحن لن نخاف من الإخوان ولا من الآية لأننا نعلم أن كل يؤخذ ويرد عليه إلا صاحب المقام الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ونعلم أن أطيعوا الله والرسول وأولى الأمر إذا ما أطاعوا هم الله والرسول.

والله الموفق والمستعان.

تعليقات القراء