محمد عز الدين يكتب : الشيطان "شاطر"

كذبة أبريل، هي أول ما جال بخاطري حين أخبرني أحد الأصدقاء -في مقر عملي- أن الجماعة (المحظورة سابقا) قد رشحت المهندس خيرت الشاطر لمنصب رئيس الجمهورية، ولكن وجهه المتجهم دفعني لسؤاله بوضوح "انت بتهزر صح؟! كدبة أبريل بقى والكلام ده" فأجابني بغضب "أولا احنا آخر مارس، ثانيا والله ما بهزر، الإخوان عملوها ورجعوا في كلامهم"، مرت لحظات من الصمت ثم وجدتني أقول له "أنا محتاج اقعد لوحدي، أنا هامشي دلوقتي معلش، سلام"، واندفعت خارجا من المكان، ومشيت كمن فقد عقله قائلا: "ما هو أنا أكيد مش عبقري، وهم مش أغبية عشان يغلطوا الغلطة دي، وبعدين ليه؟!!!" ظللت أردد الجملة بصوت يزداد ارتفاعا حتى انتبهت لنظرات من حولي المستغربة أو المستهجنة، وقررت أن أعود إلى منزلي وأبدأ في كتابة هذا المقال لعلي أتشارك معكم أفكاري، ولربما وصلنا إلى منطق يفسر ما حدث ويبحث في ما سيحدث مستقبلا مع هذا التطور المنطقي ربما والغريب ربما لكنه في كل الأحوال مريب.
عندما (ركب) الإخوان الثورة، ونسبوها لأنفسهم، كان الأمر يبدو لي منطقيا بعض الشيء (هم الأكثر تنظيما، والتصاق اسمهم بالدين الإسلامي سيعطيهم سندا قويا، ولا ننسى أنهم كانوا العدو "الصديق" الأول للنظام الفاسد)، وبالتالي هم الأقرب لنظرية (الركوب)، ومع تطور الأحداث أخذت أراقب عن كثب تصريحاتهم الثورية التي أخذت في الانطفاء شيئا فشيئا (ولا أقصد هنا طبعا النظرية الجازمة بوجود اتفاق بينهم والمجلس العسكري)، ووجدت أنهم يطلقون التصريح تلو الآخر ثم يعودون لفعل العكس، ولنأخذ أمثلة سريعة لهذا، بداية مثلا قالوا قبل الثورة (لن نشارك في تظاهرات ٢٥ يناير) ثم بعد نجاح الثوار قالوا (شباب الإخوان شاركوا في الثورة من اللحظة الأولى!!! ثم من غيرنا حمى المتظاهرين في موقع الجمل!!!!!)، وحين بدأت المحادثات مع (عمر سليمان) نائب المخلوع أعلنوا (لن نتفاوض مع رمز من رموز نظام مبارك) وكانوا أول من حضر اجتماع التفاوض وباركوه، صرحوا بملء الفم (لن نحاول الحصول على الأغلبية في مجلسي الشعب والشورى) وخاضوا برجالاتهم على ١٠٠٪ من المقاعد، وحصدوا الأكثرية بالطبع، أعلنوا رضاهم عن حكومة الجنزوري ثم سحبوا الثقة منها (لولا تحكم العسكري في خيوط اللعبة رغم أنف الجميع)، رددوا في أكثر من مناسبة (لن نرشح أحد أعضاء الجماعة للرئاسة) ورشحوا (أشطرهم على الإطلاق)، رجل اقتصاد الجماعة الذي خرج من السجن بإفراج صحي، قالوا (نحن المسلمون) واعتمدوا الكذب، وفي كل مرة يخرجون لنا بمبررات بعضها واهي وبعضها مستفز، ثم يختمونها بعبارتهم الشهيرة (موتوا بغيظكم)، على الرغم من أن الأمر أبسط من ذلك بكثير، فلو أنهم استعانوا بجذورهم المصرية الموروثية؛ لوجدوا مبررا قويا وراسخا في قلوب وعقول المصريين -على عكس تدينهم للأسف- وهو (الشيطان "شاطر")، وكم هو (بديع) هذا المثل ومعبر عن الحال كما لو كان التاريخ يمارس هوايته المفضلة ويعيد ما فات من جديد.
ومع بقاء الكثير من الأمور معلقة بين القيل والقال، والحوارات والمحاورات، والشد والجذب، نرى حزب النور يساند (ابن عمه) حزب الحرية والعدالة أحيانا ويخالفه -بلطف- أحيانا أخرى، لكنه يظل يمارس دور (الكومبارس) أو الممثل المساعد على أقصى تقدير، ولا أبلغ من الأنباء التي تتحدث عن ضغطهم على (الشيخ أبو إسماعين اللي هو المفروض مش منهم بس سلفي بردوا) لكي ينسحب لأجل (الشاطر)، ولا أعلم أن كانوا سينجحون أم لا، لكنها إشارة بالغة الأهمية لمدى الترابط بين الحزبين مهما ظهر من خلاف، ويؤكد أيضا على سيطرة (الجماعة) على معظم مقاليد الحكم الإسلامي (المنتظر) في مصر.
لكنني أقول إن الإخوان كفصيل سياسي (لا علاقة له بالإسلام)، له الحق المطلق في المرونة (التلون) وقتما يشاء، وكيفما فرضت عليه الظروف السياسية، ولنا حق رفض أفكاره وأفعاله تلك، وإن كنت أرى أن له كل العذر، فهو (كفصيل عاش لفترة تحت لقب "المحظورة") ظل مضطهدا مدة طويلة، والآن لا يشغله سوى الأهداف الخاصة، وعليه فلا مانع أبدا أن نرى قادته يطلقون التصريحات ثم يتراجعون ثم يبررون ثم يضحكون (وتضحك الأقدار)، وأقول كما قلت عن الفصائل السياسية الأخرى قوله تعالى "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" صدق الله العظيم، هذا والله أكبر ولله الحمد

تعليقات القراء