هالة منير بدير تكتب: سأذهب إلى القدس غداً .. وليغضب من يغضب .. !!
سأذهب إلى القدس .. ليس للصلاة في المسجد الأقصى حتى لا يتهمني الكثيرون أني سأدخله تحت الحراسة الإسرائيلية التي نرى جنودها يدنسون المسجد بتواجدهم في ساحته يضربون المصلين ويحفرون من تحته الأنفاق لإقامة هيكل سليمان ، سأذهب إلى القدس .. ليس بتأشيرة إسرائيلية وبتنسيق مع الحكومة الإسرائيلية حتى لا يكون تطبيعاً كما قال الكل ، ولكني إن استطعت سأذهب لزيارة إخواني الفلسطينيين المحاصرين المحبوسين المختطفين والمسلوبة حقوقهم ، لن أنكر أني أُصِبْتُ بِحِيرة عندما فوجئت بالضجة المثيرة التي أحاطت بزيارة المفتي للقدس الشرقية والصلاة في المسجد الأقصى .. ولكني بعد التفكير قليلاً وجدت هذه الزيارة كزيارة مسجون لن يُفك حبسه في القريب العاجل ولا أعلم لمدة سجنه أجلاً محدداً وليس في يدي إلى الآن أن أنقذه من سجنه ، وفي نفس الوقت أستطيع أن أزوره دون أن آخذ تأشيرةً على بطاقتي الشخصية تعترف بوجود سجَّانه ، ألن أفعلها وأقوم بزيارته ومناصرته واحتضانه والشد على يديه أني جئت لأجلك وكسرت كل الحدود .. جئت لأتفقدك وأذكرك إني هاهنا بلحمي ودمي ولست مندداً وشاجباً لما يحدث فيك في جامعةٍ عربية ، ولست فناناً ومغنياً أغني لأجلك أغنية الحلم العربي ، ولست متظاهراً أخرج في الشوارع رافعاً أعلامك في يوم انتفاضتك ، ولست مواطناً أجلس على كنبتي الخاصة أذرف دموعاً لأجلك ساعة ثم أنام بعدها مرتاحاً هانئ البال .. ؟!! .. لم نسأل حتى عن رد فعل إخواننا الفلسطينيين أنفسهم بهذه الزيارة !!.. هل من الممكن أن يكونوا مستاءين من زيارة مفتي الديار المصرية لهم وهم في معزل عن العالم ؟ ما موقف إخوتنا الفلسطينيين المسيحيين من زيارة الوفود القبطية ؟..
كل هذا الحديث ليس دفاعاً عن المفتي ، فإنَّ لي موقفي الخاص ضده خاصةً بعد تصريحاته المناهضة للثورة في بدايات أيامها ، وأعترف أنه ارتكب خطأً في الذهاب إلى القدس وهو شخصية دينية رسمية دون استشارة الأزهر وعلماء المسلمين وهكذا فجأة دون إعلام مُسبق ، وأن زيارته الشخصية هذه كما يقول غير معترف بها لأنه شخصية دينية رسمية في النهاية ، وقد أخطأ أيضاً أنه لم يقُم بزيارة قطاع غزة ومناصرة الفلسطينيين تحت الحصار قبل أن يذهب إلى القدس ، ولكن ليس بذنب يدفع أغلبية البرلمان لمطالبته بالاستقالة ، ولا يرقى إلى مرتبة كبيرة الذنوب التي تدفع الشيخ صفوت حجازي لرفض الصلاة من خلفه ، ليس بذنبٍ يجعل علماء أردنيون يرقون خطأ المفتي مرتبة خيانة الله ورسوله ويدعونه لجمع الحشود لمقاتلة العدو اليهودي وهم يعلمون جيداً موقف الحكومات المتخاذل ضد الإسرائيليين وخاصةً حكومتهم !! ..
أما من يرفضون زيارته لأنها شقٌ للأمة ومخالفاً لإجماعها على عدم زيارة القدس
تحت الاحتلال ، فقط أريد أن أسألهم أي أمة ؟ الأمة العربية التي أجمعت على رؤية أنهار الدم في سوريا دون حراك حتى الآن فقط شجب ومصمصة الشفاه برؤية جثثهم المُمثل بها ؟ أم الأمة المصرية التي تدعو لجمعة لم الشمل في 20 أبريل وكل فصيل سيشارك لمناصرة مرشحه المستبعد من الرئاسة أو لعزل فلول أو لرفض دستور تحت حكم العسكر ، أو ... أو .... بمنصات عِدة سيكون فيها الميدان في هذه الجمعة أشبه بالأسواق الشعبية كلٌ ينادي على بضاعته التي يُرَوِّج لها ؟؟!! ..
أما عما يُقال أنه لا يجوز زيارة الأقصى وهو تحت الاحتلال لأنه تطبيعاً مع العدو الإسرائيلي ، أو ليس تطبيعاً أن يكون سكوتنا طبيعياً عما يُفعل بالفلسطينيين كل هذه العقود ؟! .. كيف أن التأشيرة الإسرائيلية هي فقط علامة التطبيع ؟؟ .. ننام وإخواننا تحت القصف والحصار لسنيين ولا يعلم بحالهم إلا الله ، أليس السكوت على أوضاعهم المأساوية تطبيعاً ؟؟!! .. من سَيُضار نفسياً أكثر بشر مسلمون ينامون ويأكلون ويموتون تحت انفجارات الصواريخ يومياً بمنأى عن العالم كله ( أول من يناصرهم ويموت ويسجن لأجلهم ناشطون أجانب ) أم مسلم في أي مكان بالعالم فقط حصل على تأشيرة السجان المغتصب الإسرائيلي على جواز سفره لزيارة الأراضي المقدسة نصرة لأهلها هناك ؟!! ..
أكيد أني رافضة لمعاهدة كامب ديفيد ببنودها الحالية وكل أشكال التطبيع مع العدو الصهيوني ، ولكني أقول من يعلم لو أن السادات صانع هذا السلام وصانع هذه المعاهدة وهو على قدر من الذكاء أكيد بأن الشعب لن يرضاها يوماً ولو أنه لازال على قيد الحياة قد تكون هذه المعاهدة ليس لها وجودٌ الآن وأن الكيان الإسرائيلي قد نُسِف من الحياة كما فعل هتلر في اليهود ..
سأذهب إلى القدس .. إن استطعت في أي يوم من الأيام .. لأني طالما حلمت بالذهاب إلى فلسطين لنصرة أطفالاً رجالاً ، ولم تكن أحلاماً فقط فقد كانت أحاديثنا ونحن صغاراً أحاديث جدية في فكرة هروبنا من أُسَرِنا وذهابنا للجهاد مع أطفال الحجارة ، أو تمنيات عميقة أن نكبر ويسمحون للإناث في الانضمام للجيش لنعيش نصر أكتوبر يوماً ما في خوض معارك لنصرة فلسطين ..
سأذهب إلى القدس غداً ..
سأذهب وسنذهب إلى القدس .. مؤكداً سنذهب يوماً ما ..