أيمن مسعود يكتب : أعداء من أجل مصلحة الوطن
كنا قبل الثورة فى مصر نرشو ونرتشى، ونسرق ويسرق منا، ونمشى "جنب الحيطة وجواها"، وبعضنا سُجِن، وبعضنا عُذِّبَ، وبعضنا قُتِلَ، وشاهدنا ذلك، وقرأنا عنه، ومصمصنا الشفاه..
فى أثناء الثورة جلس الجميع –باستثناء المواطنين- للتفاوض مع عمر سليمان، وحاولوا تهدئة الأمور والوصول إلى صفقة مع النظام القائم وقتها باعتبار المكاسب التى خافوا عليها، ولكن شباب الميادين المصرية رفضوا رفضًا قاطعًا إلا أن يعودوا إلى بيوتهم حاملين حقائبهم مليئة بالذكريات التى يستطيعون أن يحكوها لأبنائهم، والتى تبقى بعد موتهم: لقد كنا رجالاً، ودافعنا عن حقوقنا وحقوقكم، ولم يضحك علينا النظام، ولم نفرط فى الأهداف التى خرجنا من أجلها...
فى هذه الأيام لم يرفع شعار "مسلم ومسيحى إيد واحدة"، ولا شعار "أهلاوى وزملكاوى إيد واحدة"... فقط رفع شعار "الجيش والشعب إيد واحدة"!
الشعارات التى لم ترفع فى الميدان كانت حقيقة نراها بأم عيوننا، فلم ننادِ بها، أما الشعار الذى رفع، فكان حلمًا نتمنى تحقيقه، وقد تحقق فى فترات الثورة الأولى، وكنا شهودًا على تعامل ضباط وأفراد الجيش المصرى وقت حظر التجول، وكيف لم يكن يطبقه بالشكل الحاسم ولا المهين لأى مواطن..
أخطأ المنتمون إلى التيار الإسلامى، والمنتمون إلى التيار المدنى، وغير المنتمين إلى أىٍّ منهما، وأخطأ أساتذة الجامعات، وأخطأ المتخصصون، وأخطأ المثقفون، وأخطأ الإعلاميون...
أخطأ الجميع لما حصروا أنفسهم فى مجموعات ضيقة ذات قوالب وحدود فكرية خاصة، ولما تحولوا إلى مجموعات، ولما لم يتناقشوا فى أمور البلد!!
أخطأ الجميع لما حاول كل منهم أن يدير البلد وحده..
كل ما فعلناه معًا فى الثورة ضيعناه ليس بالانصراف من الميدان، ولكن بالانصراف عن النقاش.. وكان طبيعيًّا بعد ذلك أن تأتى اختلافاتنا الطبيعية جدًّا فى ثوب من السباب والاتهامات بالعمالة والخيانة والكفر والإضرار بمصالح البلاد العليا...
حملنا أخطاء بعض شيوخ السلفيين على المسلمين، وأخطاء بعض القساوسة على المسيحيين، وأخطاء بعض الليبراليين على الليبرالية، وأخطاء بعض المدنيين على المدنية، وأخطاء المجلس العسكرى وبعض جنوده وضباطه على تاريخ الجيش المصرى!!
إذا كان فى النخبة وكبار القادة السياسيين وغيرهم من يقدم مصلحته على مصالح البلد، فهذا أمر أفهمه تمامًا، وأدعو إلى فضحهم ومحاسبتهم، ولكنى لا أرضى عن اتهام المنتمين إلى الأفكار والتوجهات الكبرى بهذه الاتهامات.
لى أصدقاء كثيرون أعرفهم عن قرب، وأراهم مختلفين تمامًا فى التوجهات والأفكار، ولكنى أعلم عنهم صدق نواياهم لمصلحة البلد، وأعلم أن تعصبهم يكون شكًّا فى نية المختلف عنهم.
هذا ما وصلنا إليه بفضل وسائل الإعلام الرخيصة التى عزلتنا عن بعضنا، وبفضل المنتفعين القادة فى كل توجه؛ كل فريق أقنع أنصاره بأنه الوحيد الفاهم والصادق والقادر على إدارة البلاد فى هذه المرحلة، مع أن من الغباء المطلق أن تتم دعوة عمرو حمزاوى لمناقشة شؤون الأزهر، فى الوقت الذى يكون فيه من الغباء أيضًا عدم دعوته لمناقشة أمر له علاقة بالسياسة، وهو الأمر الذى ينطبق على إقصاء المشايخ عن الأمور الدينية، وإقحامهم فى مجالات أخرى إذا لم يكن لهم علاقة بها..
إن جوهر الدين والمدنية الحديثة قائم على استغلال طاقة كل فرد من أفراد المجتمع فى المجال الذى يكون نافعًا فيه، ولم يكن هناك أى منهج فى التاريخ الإنسانى اعتمد على فرد واحد أو خبير فى مجال واحد فى إدارة كل الشؤون..
الوحى فقط هو ما يخص واحدًا بإرادة إلهية لنقل رسالة معينة، وهى وظيفة واضحة المعالم ليس لأى رسول أن يضيف إليها أو يحذف منها، ولكن الجهد الإنسانى لا يمكن لواحد فقط أن يقوم به، فهو ليس ملهمًا من السماء، ولا يوحى إليه من الله –سبحانه وتعالى-..
مؤسسات الدولة –فى تعريفها الأبسط- نائبة عن الشعب فى تصريف أموره.. وليس من العقل أن تسعى مجموعة إلى هذه المسؤولية فى هذا الجو من الحذر والترقب والاستعداء ضد المجموعات الأخرى؛ إنها -فى النهاية- دولة وتاريخ وشعب؛ ينبغى علينا جميعًا أن نتحاور حول مستقبله.
أطالب الرئيس القادم بأن يجلس مع المرشحين جميعًا بعد فوزه، باستثناء مرشحى الفلول (عمر سليمان وأحمد شفيق وعمرو موسى ومرتضى منصور...)، وأحذره من أن يحاول أن يستفيد من اختلافنا، فنحن –فى النهاية- أعداء من أجل مصلحة الوطن.. وستزول عداوتنا إذا شعرنا أن مصلحة الوطن فى خطر..
اتحدوا يرحمكم الله، فليس بالرئاسة وحدها يحيا الإنسان..