د. محمد نبيل جامع يكتب: وأخيرا ظهر التوافقي الأصلي... بأمر العسكري
أ.د. محمد نبيل جامع
أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية
وأخيرا أطلق العسكري أوامره إلى سيدة مصر الأولى بترشيح الشاطر، رجل الأعمال الريعي، ليكون من حملة رايات الخروج الغانم للمجلس العسكري مقابل التضحية والمخاطرة بالعبث في هوية المجتمع المصري المنشغل بلقمة عيشه ومشاكله المفتعلة بالمجلس العسكري ونظام مبارك الذي ينتظر إما العفو الكامل أو الخروج من البيات الشتوي الانتقالي. الشاطر حامل راية الخروج الغانم، سيشاركه في القريب العاجل عمر سليمان بجانب أحمد شفيق وربما عمرو موسى أيضا. وبذلك يدعم المجلس العسكري مصلحته في الخروج الآمن بفصيلة من المرشحين الحاملين لتلك الراية. ثم تأملوا حالة العفو عن أيمن نور، وحالة العفو عن الشاطر في هذا التوقيت حيث تهيئان للعفو عن مبارك وكهنته على أساس العمل بالمثل في ظل نجاح أي من تلك الفصيلة المرشحة لحساب المجلس العسكري.
المشكلة التي ستقابل المجلس العسكري وسيدة مصر الأولى هي الشيخ حازم أبو إسماعيل ومساجد مصر التي تعمل لحسابه، ولكن يبدو أنهما لن يعدما الحيلة للقضاء على خطر شعبية الشيخ حازم نظرا للمكيافيلية السياسية للطرفين وسذاجة السلفيين.
ونعود للشاطر، حيث تكون الكارثة حقا، إذ ستؤسس أمريكا والمجلس العسكري وسيدة مصر الأولى دولة "مصرستان" في الشرق الأوسط، كما سوف يدعم الشاطر مصالحه الخاصة كرجل أعمال ضمن جماعة هي نفسها تتاجر بالسمسرة وتوظيف الأموال والاستيراد وتجارة العملة وكافة الأنشطة الريعية التي لا تبني دولة ولا حتى قرية، ومن ثم يستعاد زنا المال والسلطة مرة ثانية، وتكون الكارثة أيضا في الانبطاح لسياسة الاقتصاد الحر والرأسمالية المتوحشة، بالإضافة إلى الانصياع لأذرع الاستعمار الأمريكي الثلاثة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية، بالإضافة إلى كارثة ترسيخ دعائم الدولة الدينية التي يتبرأ الإسلام منها، ثم لا تنسى القهر والخوف والريبة التي ستسيطر دائما على مشاعر إخواننا الأقباط المسيحيين، والمسلمين أيضا، واستمرار جينات الفتنة الطائفية كامنة ومزمنة في جسد مصر السمحة الحبيبة. وبذلك تكتمل دائرة التخريب الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والنفسي لشعب مصر الصابر.
ويتوقف إفشال نجاح خيرت الشاطر على المراهنة على الشعب المصري الذي نرجو أن يكون قد تَعَلم الدرس، خاصة بعد أن تأكدت الآن ودون أدنى شك الطبيعة الحقيقية للإخوان الذين يدعوا أنهم "بتوع ربنا"؟ تلك الجماعة التي تنصل منها الرجل العظيم الأستاذ كمال الهلباوي منذ لحظات، وأعلن استقالته من الجماعة مع منى الشاذلي وعلى الهواء مباشرة في برنامج العاشرة مساءً ، جماعة تجمع بين الكذب والعجز العلمي والسياسي والفني والاستغلال الديني والهوس باعتلاء السلطة والحكم واعتناق أجندة خيالية تسعى للدولة الدينية ثم دولة الخلافة ثم أستاذية العالم، جماعة دكتاتورية فظة لا تؤمن إلا بالسمع والطاعة والأمر والائتمار والسيادة والمسودية والتعالي والكهنوتية، جماعة تتعامل مع أعضائها بالقهر الذي تبدو ملامحه في تعامل رئيس مجلس الشعب مع النواب، فكيف لها أن تتعامل مع الأقباط والشيعة والبهائيين وفئات الشعب المختلفة بداية من الفلاحين والصيادين والبدو وغيرهم.
الخلاصة: الأمل في تقديري يتمثل في تكوين مجلس رئاسي يتكون من الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح والأستاذ حمدين صباحي ليكون أحدهما مرشحا رئاسيا للثورة والآخر نائبا للرئيس لشئون السلطة التنفيذية ومعهما المستشارة نهى الزيني كنائب ثان لشئون السلطة القضائية ومعهم أيضا الأستاذ أيمن نور كنائب ثالث لشئون السلطة التشريعية. أعتقد أن هذا الفريق الرئاسي هو الذي يجمع جميع تيارات مصر المخلصة والمؤمنة بحق بثورة يناير وانطلاق مصر نحو الحداثة والكرامة والعزة والعدالة الإنسانية.
الآن قدر مصر مرهون بإرادة أهلها، الذين سوف يحاسبهم الله سبحانه وتعالى على أفعالهم. نحن الآن في هذه المرحلة الفاصلة من تاريخ مصر الحبيبة ومصير شعبها وأبنائه وأحفاده أمام إرادة قوتين متصارعتين كل لتحقيق مصلحتها الخاصة. تلكما القوتان هما حكام يسعون للسلطة واقتناص عطاء الدنيا وزينتها، وشعب يسعى لمجرد الحرية والعيش الكريم والعدالة الاجتماعية والتفرغ لعمارة الأرض وعبادة المولى سبحانه وتعالى. أنادي هذا الشعب أولا شبابه وطليعته الثورية وشيوخه الأحرار ألا يملوا ولا ييأسوا أبدا من تحقيق مطالب الثورة وتحصيل حقوق دماء شهدائها وعناء مصابيها، هذا من ناحية، ثم من ناحية أخرى أن يمنعوا حكامها من أن يكونوا سببا لتدمير الله سبحانه تعالى لمصر الحبيبة حيث يقول جل جلاله: وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً (الإسراء، 16). وهنا أنادي المجلس الأعلى للقوات المسلحة وأنادي مجلس الشعب بهيمنة التيار الديني، وأنادي القضاة الشرفاء أن يتقوا الله ولا يجنحوا للفسق حتى لا يدمر الله مصر على رؤوسهم ورؤوس أبنائهم وأحفادهم ونحن معهم، ولكننا، وبعد المقاومة، ربما نكون قد فزنا بالشهادة.