د. محمد نبيل جامع يكتب: خالد علي وعمرو موسى وخوفي من الشاطر

 

أ.د. محمد نبيل جامع

أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية

في برنامج "مانشيت" للصحفي جابر القرموطي ظهر علينا وجه "عجيب" يسمى محمد شمروخ، وهو صحفي بالأهرام، يجيب على سؤال القرموطي هل الثورة مستمرة؟ فقال له الشمروخ بحماقة يحسد عليها ومكررا ومبتسما "البقاء لله"، وأخذ، إيمانا منه بسيف المعز وذهبه، يقول إن الخمسين مليار جنيها التي ستنهال علينا بأمر أمريكا للدول الخليجية أفضل 100 مرة من التكلفة التي كنا سنتكبدها ونحن نسجن الأمريكان ونغذيهم غذاء خمس نجوم في زنازن نحن في حاجة إليها للمساجين المصريين.

واستمر هذا المخلوق "بعبقريته الفذة" يقول أن الخروج للميدان خيانة، والمطالبة بالمطالب الفئوية مثل طلب الدين من أهل ميت في سرادق عزاء أهله. يا له من فِل من الطراز الأصلي. واستمر في مهاجمة شباب الثورة بطريقته القميئة. وهنا سأذكره بما يمكن أن يفعل الشباب مع أسياده من العجزة الشيوخ سدنة نظام مبارك الذين يعودون الآن بالتدريج إلى مواقعهم. وسأبين له ذلك بقصة تصلح أكثر ما تصلح للأطفال.

في الهند، أم العجايب، علي رأي المرحومة سعاد حسني، كان هناك شيخ عجوز يريد أن يجهز أرضه لزراعة البطاطس عن طريق حرث الأرض، ولما لم تساعده شيخوخته على ذلك بعث لابنه الشاب المسجون يتمنى لو كان بجواره يساعده. فأرسل له الشاب برقية قال فيها: حذار يا أبتِ، لا تحرث الأرض لأني دفنت السلاح هناك. في اليوم التالي قام جنود الشرطة والجيش بحفر حديقة المنزل ونبشها بأكملها بحثا عن الأسلحة، ولم يجدوا شيئا. فعلم الشاب بما حدث لوالده ومزرعته فبعث له خطابا حنونا قال فيه: الآن يا أبتِ تستطيع أن تزرع البطاطس، فهذا أقصى ما أستطيع أن أفعله لك وأنا في السجن.

شباب الثورة، يا شمروخ، هم هذا الشاب، تمخض من بينهم شاب جميل يسمى "خالد علي"، هل سمعت عنه؟ لقد ظهر لأول مرة في الإعلام مع الإعلامي الأصيل، الذي ليس من فصيلتك، الأستاذ حسين عبد الغني ليقدمه كمرشح محتمل لرئاسة الجمهورية. لو أخذت رأيي المتواضع يا شمروخ فإني أقول لك أن هذا الشاب (40 سنة) يتمتع بعقل رصين راجح، ووطنية خالصة، وإنسانية راقية، وتاريخ نضالي من أجل العدالة الاجتماعية، وإنجازات هائلة في هذا المجال، وفي رأيي المتواضع أيضا هو أفضل مرشح لرئاسة الجمهورية ضمن الموجودين حاليا مع الاعتذار لمرشحي المفضل حمدين صباحي حتى الآن.

ولكن هل سينجح خالد علي؟ نعم، سينجح. سينجح في إحياء الثورة الينايرية المجيدة، سينجح في تعليم العجزة أن الشباب هم الطاقة العظمى لمصر الحبيبة، سينجح في إثبات أن الاستقلال والحرية أهم مائة مرة من ريالات الخليج ودولارات أمريكا، سينجح في إلهام الشباب كما ألهمهم البرادعي، سينجح في استعادة فضل الشباب واستعادة تاج الثورة الذي سرقه الانتهازيون منهم، سينجح في استعادة الأمل لكل البؤساء والمعذبين والمقهورين والمضللين من هذا الشعب الصابر، سينجح يا شمروخ في إرجاع الفلول إلى مخابئهم، سينجح في تمهيد طريق البناء والتنمية والعزة والكرامة وإحياء مصر الجديدة. سينجح يا شمروخ في أكثر من ذلك بكثير.

والمهم يا شمروخ أنه سينجح في تمهيد الطريق لمن سوف يكسب الانتخابات الرئاسية، بشرط ألا يكون "الشاطر"، لكي يحقق أهداف الثورة بعد أن يكون قد أعطى المصريين المغيبين وأصحاب الكنبة والمصاطب دروسا في قيمة الثورة وأهدافها العظيمة لبناء مصر الكريمة حتى يضغطوا على الرئيس الجديد أن يحقق أمانيهم ومطالبهم. وقد يكون من مهازل الصدف ألا ينجح أصغر مرشح للرئاسة (هذا الخالد الجميل)، ويكسب الانتخابات أعجز المرشحين وهو عمرو موسى، وربما منصور حسن الذي أعلن اليوم فقط ترشيح نفسه هو الآخر. وهنا أدعو عمرو موسى أو غيره من العجزة الآخرين أن يردوا الجميل إلى هذا الشاب ويتخذوه نائبا لرئيس الجمهورية أو على الأقل وزيرا للعدل إذا لم تلغ هذه الوزارة كما يجب أن يكون.

وعودة بهذه المناسبة إلى عبارة "خوفي من الشاطر" في عنوان هذا المقال. أخشى أن يكون الشاطر هو المرشح الذي سيعلن عنه الإخوان المسلمون على أنه ذلك التوافقي المنتظر إن لم يكن منصور حسن. وهنا تكون الكارثة حقا، حيث ستؤسس أمريكا والمجلس العسكري والإخوان دولة "مصرستان" في الشرق الأوسط، كما سوف يدعم الشاطر مصالحه الخاصة كرجل أعمال ضمن جماعة هي نفسها تتاجر بالسمسرة وتوظيف الأموال والاستيراد وتجارة العملة وكافة الأنشطة الريعية التي لا تبني دولة ولا حتى قرية، ومن ثم يستعاد زنا المال والسلطة مرة ثانية، وتكون الكارثة أيضا في الانبطاح لسياسة الاقتصاد الحر والرأسمالية المتوحشة، بالإضافة إلى الانصياع لأذرع الاستعمار الأمريكي الثلاثة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية، بالإضافة إلى كارثة ترسيخ دعائم الدولة الدينية التي يتبرأ الإسلام منها، ثم لا تنسى القهر والخوف والريبة التي ستسيطر دائما على مشاعر إخواننا الأقباط المسيحيين، والمسلمين أيضا، واستمرار جينات الفتنة الطائفية كامنة ومزمنة في جسد مصر السمحة الحبيبة.

الخلاصة: إن قدر مصر مرهون بإرادة أهلها، الذين سوف يحاسبهم الله سبحانه وتعالى على أفعالهم. نحن الآن في هذه المرحلة الفاصلة من تاريخ مصر الحبيبة ومصير شعبها وأبنائه وأحفاده أمام إرادة قوتين متصارعتين كل لتحقيق مصلحتها الخاصة. تلكما القوتان هما حكام يسعون للسلطة واقتناص عطاء الدنيا وزينتها، وشعب يسعى لمجرد الحرية والعيش الكريم والعدالة الاجتماعية والتفرغ لعمارة الأرض وعبادة المولى سبحانه وتعالى. أنادي هذا الشعب أولا شبابه وطليعته الثورية وشيوخه الأحرار ألا يملوا ولا ييأسوا أبدا من تحقيق مطالب الثورة وتحصيل حقوق دماء شهدائها وعناء مصابيها، هذا من ناحية، ثم من ناحية أخرى أن يمنعوا حكامها من أن يكونوا سببا لتدمير الله سبحانه تعالى لمصر الحبيبة حيث يقول جل جلاله:   وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً (الإسراء، 16). وكلمة "أمرنا" هنا تحتمل "أمًرنا" أي بالتشديد بمعنى "سلطنا"، كما تحتمل "آمرنا"، أي بالمد، بمعنى "أكثرنا"، ثم تحتمل "أَمَرْنا"، أي أمرناهم بالطاعة، وليس الأمر أبدا أن يكون الله "أمرهم" بالفسق لأن الله سبحانه وتعالى لا يأمر بالفحشاء. ومن ثم فالقراءة العامة تعني الأمر بالطاعة والإمارة والكثرة. وهنا أنادي المجلس الأعلى للقوات المسلحة وأنادي مجلس الشعب بهيمنة التيار الديني، وأنادي القضاة الشرفاء أن يتقوا الله ولا يجنحوا للفسق حتى لا يدمر الله مصر على رؤوسهم ورؤوس أبنائهم وأحفادهم ونحن معهم، ولكننا، وبعد المقاومة، ربما نكون قد فزنا بالشهادة.

 

تعليقات القراء