د. محمد نبيل جامع يكتب: كلاكيت .. أبو الفتوح، صباحي، نهى الزيني والقامة طارق حجي
أ.د. محمد نبيل جامع
أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية
طارق حجي ينتمي إلي فئة نادرة من البشر، يمكن أن تقولَ عن الواحدِ منهم "عقل أُلحق به جسد"، وهذا تعبير بلاغي يبرز مدى سَعَة عقله ورجاحة فكره. ولكن إذا كنا ننتقد "المجلس العسكري" فهل يعلو المفكر العظيم عن النقد؟ وبالمناسبة عندما تقول للفرد العادي "أنا لدي نقد بسيط، أو عتاب بسيط لسيادتك" تجده وقد طالت رقبته، واتسع محيطا عينيه، وغادر ظهر مقعده وتحفز للهجوم عليك قبل أن تنطق شفتاك بكلمة. أما عظيم القوم فعندما توجه له مثل هذه العبارة فإنه يتهلل وجهه بالبِشر والترحاب لأنه ربما يجدها فرصة للتعلم والاستفادة والاعتذار إن وجب، بالإضافة إلى بياض قلبه ونقاء سريرته.
شاهدت المفكر العظيم على شاشة قناة التحرير، وأنا أتغذى بفكره، إلى أن صُدِمَت مَلَكَات عقلي بقوله أنه سينتخب "السيد منصور حسن بكل تأكيد طبعا" بعد انسحاب البرادعي الذي نعى اغتيالَ شخصيته Character assassination بإعلام مبارك اللعين (اللعين دي من عندي). طبعا يبرر المفكر العظيم قوله بأنه لا يعترض على كلمة ومفهوم "المرشح التوافقي"، كما لا يعترض على عسكرة الحكم مثل تركيا أيام أتاتورك على أساس أن ذلك ربما يكون مناسبا لظروفنا، بالإضافة إلى أنه لا يقبل مبدأ إما أن تأخذ كل ما تريد أو تترك بعض ما تريد. وهنا أظن أن معظمنا يتفق معه على النقطة الأخيرة، والتي تعني "ما لا يدرك كله لا يترك كله". ولكن دعني أعرض النقاط التالية، وهو بالمناسبة يشرفني أنه يستقبل مقالاتي هذه، وأتمنى أن يصحح مواقع الخطأ في المقولات التالية:
1. أبدأ بهذه النقطة لاعتقادي بأن معظم الناس تتفق عليها، وهي قضية السن. وقد كتبت اليوم الأستاذة نشوى الحوفي في المصري اليوم مقالا بعنوان "رئيس شاب فوق السبعين" موثق بالبحوث العلمية، ولا داعي للتوسع فيما قالته الكاتبة، لأني شخصيا فوق السبعين، وأتفق معها ومع نتائجها العلمية ومن يقول غير ذلك فهو يضحك على نفسه. ومن يشتاق إلى ابتسامة في ظل المرحلة الانتقامية التي نعيشها الآن فليقرأ هذا المقال. وكلنا لها.
2. منصور حسن رجل أعمال، في مجال الصابون والعطور ومعاجين الأسنان، وفي تقديري أن رجل الأعمال أيا كان نوعه هو أسوأ ما يمكن أن يشغل منصب رئيس الجمهورية، ذلك لأن شخصية رجل الأعمال مادية، دنيوية، تآمرية، انتهازية، لامبدئية، جشعية، طمعية، شهروية، سلطوية، تفاخرية، ترفية، تسعى دائما للتزاوج مع السلطة إلا من رحم ربك أمثال الحاج العربي (صاحب توشيبا) الذي يحب لقب "التاجر" وليس رجل الأعمال. وقد اتضحت تلك الخصال عندما قبل منصور حسن رئاسة المجلس الاستشاري (والمجلس كله مع احترامي لأعضائه) هو تحالف مع العدو الأول للثورة ومجهض آمال الشعب وهو المجلس العسكري، كما ظهرت دكتاتورية منصور حسن عندما استقال عدد من أعضاء هذا المجلس وأعلن بغضب شديد لا يليق بكبير السن أنه سيستمر في الجهاد متقمصا في خياله شخص الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم يوم حنين "أنا النبي لا كذب.. أنا ابن عبد المطلب" عندما بقي من جيش المسلمين سبعون فقط من أصل جيش قوامه عشرة آلاف. وها هو المجلس الاستشاري وقد بدا كالحشرة التي تتطايرها الرياح في مطلع الربيع الآن. والأخطر من كل ذلك أن رجل الأعمال لا يتعاطف مع العمال، فهناك دائما صراع موروث في علوم الإدارة بين نقيضين في المصلحة وهما "رجال الأعمال والعمال، أو الإدارة والعمال Management and the worker or labor and management". وهذا معناه بكل تأكيد أنه لن يكون هناك تعاطف من جانب رجل الأعمال للفقراء والعدالة الاجتماعية، وهذا هو مربط الفرس، والكارثة الحقيقية.
3. منصور حسن وأمثاله ممن سوف يدخلون في عداد "المرشح التوافقي" أي مرشح العسكري والإخوان، هو الذي سيحقق الهدف لجهتين فقط هما المجلس العسكري، وليس الجيش المصري، من ناحية، والإخوان المسلمون من ناحية أخرى. بالنسبة للمجلس خروج آمن واحتفاظ بمكاسب الجنرالات المتقاعدين في الاقتصاد العسكري والمناصب الشرفية والنفعية في أجهزة الدولة، وبالنسبة للجماعة، سيدة مصر الأولى، الاستمرار في الحكم وترسيخ وضعها. هل هذا يا أستاذنا العظيم طارق حجي هو ما نأمله من ثورة 25 يناير وتضحياتها الطاهرة الحبيبة، أم أنك تتوقع أن يطلق منصور حسن الرصاص على الجماعة بعد الخروج الآمن للمجلس؟
4. منصور حسن عصارة ثقافية رجعية (وزير ثقافة وإعلام...) أيام السادات، بالإضافة إلى صلته القرابية برموز فساد مثل محمد منصور وزير نقل العبارة السلام، ورجل الأعمال الهارب ياسين منصور والوزير المحكوم عليه الآن أحمد المغربي... فكيف يمكن أن يحقق مثل هذا الإنسان أهداف ثورة الشعب الغلبان الصابر، وهو من نسيج الماضي الاستبدادي الظالم؟
5. طارق حجي بك: السيد منصور حسن مكبل بقيود شخصية أقلها ما سبق ذكره، وهي قيود لن تمكنه من تحقيق أهداف الثورة، وهذا هو مرجعنا ومنطلقنا الأساسي، وإلا فلا داعي لوجود الثورة وننساها، ونعود لحضن مبارك الدفيء. فقدنا البرادعي كمرشح رئاسي، وهذا قدري وقدرك وقدر أمثالنا من مواطني مصر الحبيبة، ولكن أبو الفتوح وصباحي ونهى الزيني وأنت وأنا والبرادعي وغيرنا معهم سنكمل جميعا تحقيق مطالب الثورة، ولن نستغرق ذلك وقت الثورة الفرنسية أو الروسية أو حتى مرحلة انتقال تركيا، فطريق البناء واضح ومعلوم ولا تنقصه إلى الإرادة والقيادة الواعية. كان في نفسي شيء قليل جدا تجاه أبو الفتوح على أساس أنه يمكن أن يحن للإخوان بعد توليه منصب الرئاسة، ولكن يبدو لي أن دخول الجماعة والإخوان المسلمين عالم السياسة هو الذي سيؤدي إلى انقراض الجماعة نفسها بأيديولوجيتها الحالية.
6. إن الهجين الناتج عن أبو الفتوح وصباحي ونهى الزيني يمثل تكاملا يحقق آمال الشعب المصري المتدين السمح والذي سيجد ضالته في أبو الفتوح، والذي يشهد له ابراهيم الزعفراني الذي أثق فيه تماما شهادة توضح الأصل الطيب والأخلاق والتواضع وخدمة الغير ونفعهم، ثم أيضا سيجد الشعب المصري ضالته في رجل مثل حمدين صباحي الذي يؤمن بالشعب إيمانا راسخا وبمطالب العدالة الاجتماعية والعدل العُمَرِي بدرجة أعلنها تاريخه وآراؤه الراسخة التي لا تتلون، ثم تتحقق ضالة الشعب المصري أيضا في شجاعة وعدل وأمن وطمأنينة القضاء المتمثلة في ابنة مصر المعاصرة المستشارة نهى الزيني فخر المرأة المصرية والقضاء المصري الذي يحتاج إلى تطهير وإعادة بناء، وكفانا دفنا لرؤوسنا في الرمال معتقدين في استقلال وشموخ القضاء المصري المعاصر، فالقضاء شأنه شأن كل شيء آخر سواء أساتذة الجامعات الذين يعلمون القضاة، أو القضاء، أو الأزهر، أو رجال الدين، أو شيوخ الإعلاميين فالكل قد أصابه تخلف مصر وخضوعها لمن يستحق عالميا ولمن لا يستحق إقليميا، ومرحبا بالثورة وشبابها فقد طلع الفجر، وآن للقيد أن ينكسر، والحمد لله رب العالمين.