عمرو الحسيني يكتب: عنصرية بطعم الحلوى

(صديقي.).. ليبرالي ومثقف بشكل خارق, يهاجم كل ماهو إسلامي سواء المعتدل أوالمتشدد, ولا يري أي غضاضة فيما يعتنق من فكر إلحادي ويعتقد أن قراءته تعطيه الحق أن يغير حقائق التاريخ, ولا يري أخطاء يقترفها الليبراليون ويحذف كل من يختلف معه في الرأي..

 

(صديقي..) مسيحي مؤدب يتحدث بأكثر من لغة.. ولا يجيد سوي لغة الاضطهاد وأن لا أحد يشعر به, ويتحدث بلغة أنتم المسلمون تفعلون ونفي عنه وعنهم صفة "المصريون يفعلون" ونفي أن القساوسة يخطئون أيضاً كبني البشر... وأن أخوه الصغير قد توقف عن مناداة جارتهم المسلمة بـ (خالتو) بعد نزاع طائفي بشارعهم لا دخل لها به..

 

(صديقي...) سلفي لايقبل أي رأي سوى أن الليبراليين يريدون هدم الدين وأنهم خطر على الأمة وأنه الوحيد على المنهج السليم طالما قصَّر ثوبه.. وأن شيوخه هم الطائفة الناجية.. وأنه سيتزوج بالزوجة الثانية لأنه سيعف فتاة من المسلمين وسيغضب وينهرك بينما تخبره أن نيته قد تكون أفضل لو أعطي المال لرجل يريد الزواج من فتاة فيعف اثنين من المسلمين معا..

 

(صديقي....) على الحياد يعتقد أنه هالك وسط هذا وذاك ويظل على الحياد وربما مات على الحياد أيضاً..

 

(صديقي.....) لم يقرأ كتاباً وينجرف وراء الشائعات ولا يعرف سوى أن رأيه صواب وأن من يخالفه أحمق ولا يصدق سوى أنه يعمل منذ أن كان في التاسعة من عمره فمن أنت أيها المرفَّه لتخالفه الرأي.. واهتماماته تنحسر بين الأكل والمخدرات وكيف أنه زير نساء.. رجولته ووسامته تبهران أي فتاة..

 

(صديقي......) يقرأ الجرائد ويشاهد برامج التوك شو ويتعصب لمباريات الكرة ومن ينتقد الأهلي فهو آثم وأن الثورة جائت بالخير والشر معاً وأن المجتمع لن يتغير وسنظل حمقي وأن البلاد لم يعد بها عمل والرشاوي في كل مكان وأن الشعب همجي بينما هو نفسه التحق بوظيفته بالواسطة ودفع رشاوي في مجالات عدة وأن رأيه في النواحي الفقهية في الدين هي استفتي قلبك ثم يُطلق سبّة بينما يلقي بالنرد وهو يلعب الطاولة علي القهوة..

 

(صديقي.......) بدون هدف ويعمل بالخليج ويتحدث دائما عن الثورة إلى جانب اهتماماته الفاضحة وإضافة كل من هي لا ترتدي شيئاً علي بروفايلها الفيس بوكي...ثم ينتقدك إذا تحدثت عن الدين أو الرياضة أو الفن.. أو حتى عن الأمم المتحدة... لينصرف مزهوا بانتصاره عليك في محادثتكما عبر التعليقات..

 

(صديقي .......) سخر مني منذ عدة سنوات عندما وضحت له أن اسم الأديب ديستويفسكي يُنطق بشكل مختلف عن كتابته ورددت "دوستو ايي فيسكي" وقال لي يا أحمق... والأمس قال في فخر أن زوجته الروسية أخبرته أن الاسم ينطق هكذا... وسخر من جهل أصدقائه أنهم لا يعرفون! وشكك في كل أفعال أصدقائه الطيبة وأن الخير منها ليس مقصوداً به وجه الله.. بينما هو قد استحوذ على ميراث أمه وأخوته الذي حصلوا عليه بعد وفاة أبيه بحجة أنه الأخ الأكبر... والأصلح.

 

بينما كل ماتشاهده من فوضى في الشارع وعنف سائق الباص مع معارك الباعة الجائلين هي شيء آخر وأصدقاء آخرون لا يعرفونك بينما أنت تحفظ وجوههم جيداً...تحفظ وجه بائع الجرائد الذي تحمل معه صندوق الجرائد وهو يعبر الطريق بعد صلاة الفجر ويتحدث عن ضائقته المالية وكيف سيعالج زوجته من المرض البطَّال وهو لا يمتلك سوي صندوقه الخشبي وذراع واحدة لأنه فقد الآخر في الحرب مع الصهاينة...تحفظ وجوه الرجال المسنين في طابور العيش...وتحفظ وجه بائع الأنابيب بينما يطالبك بما هو أكثر من حقه مدعياً أن الأمانة اختفت من الدنيا فهكذا يطمئن ضميره أن ما يفعله هو الصواب

....لن تنسي الوجه الطيب لصاحب المكتبة في نهاية الشارع وهو يسلم عليك بينما ينهي سنوات حياته تاركاً حفيده ليحولها إلي محل بلاي ستيشن..

 

كل هذا وأنت تحفظ تضاريس شارعكم وكل حفرة فيه وأين ستنفجر ماسورة المياه القادمة.. ومتي سيوقفك الشرطي عندما تعود متأخراً ليلاً من عملك ليخبرك بعد أن يعبث بملابسك بحثاً عن قطعة مخدر ليشربها مع زملائه " إنها الحياة يا فتي من فعل بنا هذا..امشي شكلك غلبان"..

 

تعرف متي سينقطع التيار الكهربائي في ليلة صيف حارة لتري جميع جيرانك يسبون إسرائيل وأمريكا والحكومة الهندية ومنظمات حقوق الحيوان...تباً .. نحن نحيا كبهائم هنا... من صنع هذا؟!

 

كل شيء أصبح مقززا.. حتي مباريات الكرة ومنافسات الشطرنج وأقداح القهوة مع صديقك.. وصديقك..وصديقك

..لكن رؤيتك لتلك السيدة العجوز في شرفتها وهي ترفع يديها للسماء عند الفجر كل ليلة وتدعو تجعلك تزرع تلك النبتة التي يستحيل أن تري زهورها في إصيص صغير مع عناية متواضعة...

سيطول الأمر..

لكنك ستراها مزهرة في ليلة شتاء مطيرة ...كل الأحلام ستتحقق..صدقني.

 

تتذكر صديقك الأخير....

(صديقك.........) قبل أن يسافر إلى الحج بيوم واحد .. وجد سيدة مسنة ..كفيفة, تريد أن تعبر الطريق وطلبت منه أن يوصلها إلى الكنيسة لتحضر الموعظة الأسبوعية للبابا ولم تسأله عن اسمه ولم تر لحيته... لكن ضحكاتهما جذبت كل من كان يسير بجوارهما بينما يتحدثان..

كان ينبغي أن يتوقف الزمن لحظتها.

........

 

تعليقات القراء