د. محمد نبيل جامع يكتب: موقف مواطن من الإسلام السياسي والإخوان والسلفيين
أ.د. محمد نبيل جامع
أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية
"أنت أستاذ جامعي بدرجة حمار كبير"، قالها لي صحفي في جريدة الجمهورية (ولم تقم الدنيا ولم تقعد مع أن الناس سواسية أمام القانون)، ثم "أنت معقد نفسيا، الله يكون في عون التلامذة بتوعك"، هذه أيضا قالها معلق آخر، حيث أحيانا ما تصلني مثل تلك التعليقات "الراقية" أو، بمعنى أدق "المستنيرة"، على الإنترنت من قراء لي عندما أتناول دور الإسلام السياسي والإخوان "المسلمين" بصورة خاصة في أحداث ما بعد ثورة يناير الحبيبة.
والحقيقة لم تدفعني مثل تلك التعليقات إلى كتابة هذا المقال، ولكن الذي دفعني إلي ذلك هو المساهمة في تضييق حالة الاستقطاب والعداء المتزايدة التي سببتها الإدارة العقيمة للمجلس العسكري للمرحلة الانتقالية الثورية وذلك بين فئات الشعب وبين طوائفه الدينية والثقافية والإيديولوجية والجغرافية. وسامح الله المجلس العسكري ومن تواطأ معه في تحقيق تلك الفوضى التي وعد بها المخلوع حاسبه الله على جرائمه وكهنته الشياطين في حق هذا البلد العظيم وشعبه الصابر. ومن الأسباب الأخرى وراء كتابة هذا المقال هو احترامي الشديد لكثير ممن أعرفهم من أهل الانتماءات الإسلامية السياسية وعلى رأسهم صديقي الحبيب الدكتور إبراهيم الزعفراني وزملاء لي بالجامعة تبين أخيرا أنهم ينتمون إلى هذا التيار، علي الأقل بالنسبة لإدراكي عنهم، حيث أرجو أن يتفهم هؤلاء الأعزة موقفي المذكور أدناه.
ومن هنا سأتحدث عن موقف هذا المواطن، كاتب هذا المقال، من الإسلام السياسي والإخوان والسلفيين قبل وبعد الثورة. بصفتي الأكاديمية في دراسة العلوم الاجتماعية كانت كل معرفتي عن الإسلام السياسي، ومعه الاقتصاد الإسلامي أيضا أنهما مجالان في علمي السياسة والاقتصاد يحاولان أن يستدخلا القيم والمعايير الإسلامية محل تلك التي تتعارض معهما في الأدب العلمي لهذين التخصصين والمستورد أساسا من الدراسات والعلوم الغربية. وكان الربا والبنوك الربوية والاستثمار علي سبيل المثال بعض القضايا التي كانت تهم الاقتصاد الإسلامي، وكانت قضية الحاكمية وطاعة أولي الأمر، علي سبيل المثال أيضا، في مجال الإسلام السياسي. والحقيقة أن هذه الأمور لم تكن تسبب تموجا أو حركة ملحوظة في مسار واستقرار وتطور هذين العِلمين، وأنا شخصيا لم أكن مهتما بهما لاعتقادي في هموم علمية أكثر أهمية، علاوة على أن الإنسان لا يتخصص في كل شيء.
أما بالنسبة للإخوان المسلمين فكانت معرفتي عنهم عادية غير متبحرة. والحقيقة أنني في السبعينات كنت أقول لنفسي أين هؤلاء الإخوان أريد أن أنضم إليهم، ولم يكن يسعفني أحد. ومرت السنين وأطلق مبارك علي الإخوان لقب "المحظورة" والذين أصبحوا بذلك أكثر ضبابية وسرية. وتطورت الأيام بعد أن بدأت الفتنة الطائفية بداية بحرق كنيسة الخانكة عام 1972 ثم حادث الزاوية الحمراء 1981وقام السادات بإخراج الجماعات الإسلامية من السجون ليوحي لأمريكا بالحرية الدينية في مصر ولإزالة ذكرى عبد الناصر التي كانت تؤرقه. واستمرت تلك الأحداث وبدأت الجماعات الإسلامية تكفر المجتمع والمسيحيين، كل ذلك برعاية شبه حكومية (فرق تسد)، ثم تفاقمت الأمور وصولا لأحداث قرية الكشح، واستمرارا حتى الآن. النتيجة أن الثورة ورثت مجتمعا مشحونا أو بلدا حبلى بالفتنة الطائفية، وحدث ولا حرج. وكنت طيلة هذه الفترة أسمع من زملائي أن البعض يصنفني على أنني "إسلامي"، والبعض الآخر يصنفني على أنني "يساري" لمجرد عشقي لقيم العدالة السماوية، ولا زال البعض الآخر يظن أنني أمريكي لمجرد أنني تعلمت هناك ولي صلات بالجامعات الأمريكية وحصلت علي منحتي فولبرايت، مع إني لا أرى نفسي إلا مصريا عاديا فقط.
وتوترت العلاقة بين مبارك والإسلاميين لمعارضتهم له مما أدى إلى التنكيل بهم وسجنهم وتعذيبهم وغلق شركاتهم ومحالهم وفقا لقانون الطوارئ وذلك بصورة موسمية في صورة ضربات إجهاضية. واستمرت مصر حبلى بالفتنة الطائفية إلى أن قامت ثورة يناير، وهنا بدأ المجلس العسكري في التحالف مع الإخوان وأطلق سراح المعتقلين، ودعا السلفيين أيضا في الداخل والخارج، وبدأت العملية بالتعديلات الدستورية للجنة المستشار طارق البشري، وتطورت الأمور كما نرى الآن بشكل يهدد بانفجار قنبلة الفتنة الطائفية المصرية. ومن هنا بدأت في مقالاتي بعد الثورة مباشرة أنادي الإخوان والتيار الإسلامي أن يتراجعوا عن اعتلاء كراسي السلطة والحكم وذلك في المرحلة الرئاسية الأولى من بناء مصر بعد الثورة، وذلك إلى أن تكتمل المؤسسات الديمقراطية ويقوى الجسد المصري بما يسمح للممارسة الديمقراطية السليمة، وسأكون في هذه الحالة مع الإخوان. ولكن استمر التحالف العسكري الديني وأوقعنا في المستنقع الذي نحن فيه الآن. هذا وقد تأكد ظني واتضح لي وللمشاهد الموضوعي التخبط الذي يمارسه التيار الإسلامي الآن سواء في مجلس الشعب أو في الانتخابات الرئاسية أو غير ذلك، وحدثت الانتكاسة للثورة، والشعب المغرور يتصور أن هذا التحالف سوف يحقق له العيش والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والدولة القوية.
الخلاصة: ما هي نسبة أصحاب الآراء الواعية التي ترى أن المجلس العسكري حافظ على نظام مبارك، واضطر إلى محاكمته محاكمة هزلية لم تحدث ولن تحدث في التاريخ، وأنه سمح وشارك في قتل الشهداء وتعذيب الشباب وتعرية النساء وسحلهن، وأنه لم يقدم محاكمات عادلة للمسئولين عن ذلك، وأنه لم يقم بتوفير الأمن لدي المواطن المصري، وأنه يرهب الشعب ليحتمي في أحضان السلطة، وأنه عطل المسيرة التنموية لمصر لمدة عام ونصف إذا صدق في تسليمه السلطة في يونيو القادم، وأنه تسبب في حالات المعاناة والاكتئاب واليأس للشعب المصري الحر؟ ما هي النسبة؟ أعتقد أنها بالتأكيد ستزيد على 90%، ولا يتبقى إلا المنتفعون بنظام مبارك وبعض أعضاء التيار الإسلامي بحجة التقية. إذا كان المجلس العسكري كذلك، ألا يكفي إثما للإخوان المسلمين والسلفيين أن يتحالفوا معه لمجرد الوصول إلى الحكم؟ ألهذا الحد تسود المصلحة الخاصة على مصلحة مصر وشعبها؟ إلى أن يُثبت الإخوان المسلمون والتيار الإسلامي عكس ذلك، سأبقى حزينا على دعاة الدين والخلق والوطنية، ولن ينسى لهم التاريخ هذا الموقف، ولن أسعد بأن تحكمني جماعة غير قانونية غير شرعية، جماعة دولية أكثر من كونها جماعة مصرية، وأرجو إن كنت مخطئا أن يلهمني الله الصواب، والله ندعو أن ينقذ مصر وشعبها، ويلهم أحرارها لإكمال الثورة الحبيبة من أجل الأبناء والأحفاد ومن أجل مصر قرينة الذكر بمكة في القرآن الكريم، والحمد لله رب العالمين.