د. محمد نبيل جامع يكتب: ظلام تحالف العسكر والإخوان ونور الثورة ومصر البهية

 

أ.د. محمد نبيل جامع

أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية

لعل القارئ الكريم يتذكر حديث الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم عن الثلاثة نفر الذين خرجوا يمشون، فأصابهم المطر فدخلوا في غار في جبل فانحطت عليهم صخرة فقال بعضهم لبعض ادعوا الله بأفضل أعمالكم عسى أن يفرج الله عنا تلك الصخرة، فدعا أحدهم راجيا ربه ذلك بفضل إكرامه أبويه الشيخين بإطعامهما الحليب أولا ثم يسقي الصبية وأهله وامرأته صابرا حتى يستيقظان عند الفجر والصبية يبكون من الجوع بصوت مرتفع، ففرج الله فرجة عند الصخرة، وذكر الآخر تقواه لله سبحانه وتعالى وامتناعه عن وطء ابنة عمه مقابل المائة دينار، ففرجت الصخرة، وذكر الثالث ذلك الأجير الذي استأجره بفَرَق من ذُرَه (أو أرز) وأعطاه فأبى أن يأخذ، ثم زرع الفَرَق حتى اشترى منه بقرا وراعيها ثم أعطاه كل ذلك والأجير يظن أنه يستهزئ به إلى أن أخذه، فما أن انفرجت الصخرة تماما وخرج الجميع بصالح أعمالهم.

ماذا أقصد من معنى هذا الحديث النبوي الشريف؟ أقصد أن المجلس العسكري وجماعة الإخوان المسلمين بصفة خاصة قد أوقعانا في ظلام نفق لن ينقذنا منه إلا أعمالنا الصالحة. لقد "تآمر" الطرفان على الثورة كل لتحقيق مصلحته الخاصة بصورة فجة أصبحت لا تغيب على أحد على الإطلاق، فقد حصحص الحق. أنا أعلم أن هذا التشبيه لا يُغضب المجلس العسكري بقدر ما يُغضب الجماعة وكل متعاطف معها، ذلك لأن الأول يبحث عن مصلحته الخاصة دون نفس القدر من التقوى المفروض أن يتسم بها دعاة الإسلام وحماة التيار الإسلامي. وليس أدل على ذلك إلا آخر الدلائل في الأيام القليلة الماضية وهو حكم المحكمة الإدارية العليا ببطلان الانتخابات البرلمانية، والتي قلت عنها من قبل أنها أكبر انتخابات مزيفة شهدها التاريخ البرلماني المصري لأنها في كلمتين لم تزيف الصناديق، ولكنها ظلمت وزيفت العقول بما يترتب على ذلك من مصائب دائمة. ثم زد على ذلك محاولة ترهيب الدكتور أبو الفتوح ليلة البارحة، علما بأنه رمز من رموز الجماعة قبل أن يستقل عن أمرها وطاعتها ويسعى للخدمة الخالصة المخلصة لمصر الحبيبة بنية ترشحه لرئاسة الجمهورية. هل يصل الشر إلى هذا الحد، ولا تقوم الجماعة ولا تقعد، ولا يقوم مجلس "العسكر" ولا يقعد، ويترك الأمر وكأن توك توك قد سرق في قرية كفر البطيخ؟ لعنة الله علي الدنيا وعابديها.

ظللنا أكثر من عام منذ خلع الدكتاتور ونحن نحاول أن نقترح الحلول والبدائل من أجل تحقيق مطالب الثورة وعبور مصر العظيم، وأبدع المبدعون والمفكرون والسياسيون وعتاة الفقه الدستوري ولا منصت ولا مجيب، والحركة الغاشمة تفرض إيقاعاه نحو تحقيق مصالح العسكر وتنصيب الحليفة الإخوانية حكم مصر. ولكن هل سيستمر هذا النجاح الذي يقود مصر إلى ظلام القرون الوسطى ودكتاتورية التحالف العسكري الديني؟

إني على يقين من أن الله سبحانه وتعالى سَيَقي مصر شر هذه المصيبة، ولكن في يوم الجمعة هذا دعنا نتوجه إلى الله سبحانه وتعالى، عسى أن تكون ساعة إجابة، وندعوه سبحانه وتعالى بأحسن أعمالنا أن يخرجنا من هذه الغمة ويهدي المجلس العسكري ليعود لرشده، وأن تعود الجماعة الإسلامية للدعوة بعد أن تتفقه في الدين، ويترك كلاهما مصير مصر للمخلصين من أبنائها أمثال الدكتور أبو الفتوح والأستاذ حمدين صباحي وأن يعود الدكتور محمد البرادعي ولو للمشاركة مع أقرانه العظام المجاهدين من أجل مصر الحبيبة ونجاح ثورتها مع شبابها الطاهر. الحلال بين والحرام بين، الظلم بين والعدل بين، التخلف بين والتقدم بين، المذلة لإسرائيل وأعداء مصر بينة والعزة بينة، ومن الممكن لو توافرت الإرادة المخلصة من جانب المجلس العسكري لتحالف مع قوى الثورة وقاد مصر بقوة شعبها وعلمائها ورجالها إلى حياة كريمة حرة ينعم فيها كل من استظل بسماء مصر البهية. وإني أتساءل حتى هذه اللحظة لماذا ينتقم المجلس العسكري من مصر والشعب المصري وكان في موقف الوحدة التي كنا نبكي عندما نسمع رمزها "الشعب والجيش إيد واحدة"؟

هل يفاجئنا المجلس الأعلى للقوات المسلحة بأن يعود إلى رشده، ويصلح ما أخطأ فيه من خطايا سياسية واجتماعية واقتصادية ونفسية؟ لا أتصور أن يخرج المجلس العسكري من هذه المرحلة وقد كتب في تاريخ مصر بخط يده أسود فترة مرت بها أرض الكنانة، يذكر فيها التاريخ ما سوف ينسب للجيش المصري، وليس لمجلسه الأعلى فقط، من خطايا ربما سوف تدخل في عداد ما لا يمكن تسميته الآن والعياذ بالله.

الخلاصة: لو كنت مكان المجلس الأعلى للقوات المسلحة لقمت بالآتي:

1.      إلغاء المادة 28 من قانون الانتخابات الرئاسية.

2.      عقد اجتماع بين أكبر أربعة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة مع رموز مصر المخلصة يتقدمهم الدكتور البرادعي وجميع مرشحي الرئاسة الحاليين ومعهم نخبة من عظماء مصر أمثال الدكتور حسام عيسى والدكتور محمد غنيم والدكتور أبو الغار والدكتور عبد الجليل مصطفى ومعهم أيضا رؤساء الأحزاب السياسية الكبيرة وكذلك نخبة من الشباب يختارهم ائتلاف شباب الثورة، ويكون الغرض من هذا اللقاء هو نوع من التصالح وتأكيد الثقة وحسن النوايا، وضمان تحقيق القوات المسلحة لمصلحتها الوطنية، وضمان تحقيق العدالة الناجزة وتكريم شهداء الثورة بأقصي الإمكانيات المتاحة، وضمان الأمن الوطني، وتطهير أجهزة الدولة بأسرع ما يمكن.

3.      تكوين جمعية تأسيسية من خارج البرلمان، تقوم هذه الجمعية بانتخاب رئيس مؤقت لا يُرَشح من بعد، يقوم بتشكيل حكومة إنقاذ سياسية وتكنوقراطية في نفس الوقت، وتقوم الجمعية التأسيسية باتخاذ اللازم تحت إشراف الرئيس المؤقت بالإجراءات اللازمة لوضع الدستور إلى أن يستفتى عليه ثم ينتخب رئيس الجمهورية ويعاد تشكيل الحكومة والبرلمان الجديد. هذا ويستمر المجلس الأعلى للقوات المسلحة في الإشراف على سير تلك الإجراءات إلى أن ينتخب الرئيس المنتخب الأول وبعده يعود المجلس لثكناته، وقد أصلح من خطاياه ومحا ظلام الفترة الانتقالية الحالية مستعيدا تاريخ المؤسسة العسكرية المصرية العريقة، وليذهب خونة مصر إلى الجحيم ويبقى الشعب والجيش إيد واحدة.

 

تعليقات القراء