د. محمد نبيل جامع يكتب: زياد البطل وحصانة الحق سبحانه وتعالى

أ.د. محمد نبيل جامع

أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية

بداية ما يستطيع عمله النائب زياد العليمي هو ضرورة الاعتذار عما بدر منه في حق المشير والشيخ حسان في بور سعيد. إنه بكل تأكيد كان يمكن أن يبعث رسالته لشعب بور سعيد دون الإشارات "المجازية" في حديثه والتي لا شك توجه الألفاظ الجارحة لشخص المشير والشيخ حسان. وبطبيعة الحال حينما يقول المشير، فهو يقصد المشير طنطاوي وليس أي مشير آخر موجودا أو على المعاش أو في ذمة الله. وبالحكم الموضوعي الضيق الذي يركز على الحادثة فقط دون سياقها العام الماضي والحاضر والمستقبلي، ودون مراعاة للدوافع النفسية التي أدت إليها يكون النائب زياد العليمي مخطئا فعلا، وأقل ما يجب عليه هو أن يقدم الاعتذار مبررا وذاكرا للدوافع التي دفعته إلى قول ذلك، ليس هذا فقط بل يجب أن يتحمل أي عاقبة لهذا الفعل.

وأنا أبدأ أولا لتوضيح الجوانب التي تغيب عن الناس عندما يكونون أحكامهم حول الواقعة وحول زياد العليمي. وقبل كل ذلك، أود أن أوضح بعض الأمور التي تتسم بها الثقافة المصرية والتي ضخمت من حجم هذا الموضوع. نقطتان فقط، أولا، يقول المثل الشعبي، "البقرة لما تقع تكتر سكاكينها." طبعا هذا مثل لا يعبر عن الشهامة المصرية، وإنما يعبر عن الجبن والكبت الذي يصيب بعض المرضى من الشعب المصري بحيث يجعله يعبر عن قهره بالمشاركة في الهجوم على هذه الضحية. ويؤكد على هذا المنظر أيضا ضرب الفتاة التي عريت وسحلت، وضرب الثائرين وهم على الأرض فاقدي الوعي، ومشاركة الناس في ضرب شقي (لص مثلا) قُبض عليه في الشارع فيبدأ كل من يمر عليه بضربه على قفاه ... إلخ. ثانيا: وجود فئة من المنافقين، هم كلاب الحراسة الذين أصيبوا أيضا بعضة ذئب فأصيبوا بالسعار ومن ثم يقومون بالهجوم على الضعفاء والتذلل للأقوياء والتمسح بعطاياهم، وهؤلاء فقدوا احترامهم لأنفسهم، ويوجدون في كل مجال دون استثناء، وهم ما ينفخون في المشاكل ويهتمون بالصغائر لافتقادهم الرؤية والحكمة والتقوى.

ونظرا لما لاحظته من إدانة شائعة بين وسائل الإعلام المختلفة، فأردت فقط أن أوضح بعض جوانب المشهد الأخرى التي لا يلاحظها معظم الناس في هذه اللحظة. ولتأكيد ذلك تصور جدلا أنه لو قامت ثورة ثانية وخلع المجلس الأعلى للقوات المسلحة من حكم البلاد، أو استجاب المجلس العسكري طواعية للنداءات والمطالب الشعبية الحالية "يسقط يسقط حكم العسكر" ألا يصبح زياد العليمي هنا بطلا قوميا؟ كل من يهاجمونه اليوم سيسبحون بحمده حينئذ.

نعود إلى الدوافع التي أدت بزياد العليمي إلى هذه الخطيئة واجبة الاعتذار فورا:

1.      يقول الله سبحانه وتعالى: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إلا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا، إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا‏(‏ النساء (148 - 149)، هذه الآية الكريمة تنطبق تماما على موقف العليمي، من ناحية، والمشير والشيخ حسان، من جهة أخرى. أنا أخاطب كل ذي ضمير أو حس وطني: ألا تشعر بالظلم لما حدث في المرحلة الانتقالية للثورة تحت إدارة المجلس العسكري؟ والله أنا شخصيا لا أكاد تمر ليلة إلا وأحلم بكوابيس بسبب ما كنا على وشك أن نحيا ونتقدم وتصبح لنا كرامة وحرية وحداثة وقوة بعد هذه الثورة الينايرية المستنيرة، وإذا بنا نعود إلى ما نحن عليه الآن من كارثة لا يعلم الله كيف نخرج منها. نشط الفلول من جديد، وأصبحت جماعة سرية تحكمنا لا نعرف ماذا تريد، وازداد الشقاق بين المستنيرين والرجعيين، ونشط الفلول وأصبحنا نراهم في مواقع الإعلام، وبدأ الانتقام من الأحرار في الإعلام وغيره...... وتعطلت مسيرة مصر سنين وسنين للحسرة والألم الشديد. أنا أشعر بالظلم الشديد من مدبري هذه النكسة علما بأني تعديت السبعين ولا ناقة لي ولا جمل إلا مستقبل أولادي وأحفادي ومصير مصر الحبيبة وشعبها الشاب الحبيب. زياد العليمي أكثر مني شعورا بالظلم، ومن ثم جهر بالسوء ولم تمكنه قدراته من العفو، ولكن في النهاية استثناه المولى سبحانه وتعالى من عدم حبه سبحانه للجهر بالسوء لأنه ظلم.

2.      يعطي علماء الاجتماع وعلماء النفس الاجتماعي، ويصححني في ذلك أستاذنا الدكتور أحمد عكاشة، أهمية كبيرة للموقف المحيط بالإنسان عند قيامه بسلوك معين. الموقف الذي كان فيه زياد العليمي موقف يجمع بين سلوك الجماهير وسلوك الحشد في نفس الوقت. ماذا تتصور عندما يستجيب لك الجمهور الذي يسلك سلوك الحشد في نفس الوقت قائلا "يسقط يسقط حكم العسكر" وهم يربطون هذا القول بالمجزرة البور سعيدية ودماء شهدائها وكارثة العزل الطائش على المدينة نفسها؟ هذا الموقف يجعل الإنسان ينفعل، وتحكم العاطفة، وتسيطر على ملكات العقل المنطقية، وينطلق السلوك اللاعقلاني في هذه اللحظة، وهذا ما حدث للضحية زياد العليمي.

3.      زياد العليمي ليس بلطجيا، وليس مجرما. أنا شخصيا مدين له بجهده الجبار في قيام الثورة الينايرية الحبيبة التي ستكتمل بإذن الله، وينعم بنتائجها المشير والقوات المسلحة قبل بقية شعب مصر، وحينها سيقولون يا ليتنا أسرعنا من خطى تلك الثورة الكريمة. زياد العليمي اختاره الشعب فهو ليس بلطجيا، واختاره الشعب أمام منافسة جبارة يعلم الله سرها من جانب أصحاب التيار الديني، وهو عضو المجلس التنفيذي لائتلاف شباب الثورة والمتحدث الرسمي له، ومن ثم فهو يحاول الاجتهاد في مهمته بقدر الإمكان ومن يجتهد يخطئ، أما من ينام ويكتفي بالمشاهدة والثرثرة فهو لا يخطئ بطبيعة الحال.

4.      ماذا أفعل لو كنت زياد العليمي وقد نشأت في أسرة مناضلة سياسيا وعريقة في العمل الاجتماعي العام، جَاهَدَت في السبعينات من أجل الدفاع عن حقوق الفقراء والفلاحين، ومن ثم نشأ زياد ومارس منذ شبابه العمل من أجل القهر والاستبداد مما أدى إلى اعتقاله في عصر مبارك مرات عديدة، وهو بفعل تخصصه في القانون وأصل أبويه الكريم لم يصبح محاميا شرها ماديا لا يهمه إلا حصد المال وفقط، ولذلك كان من المؤسسين للحركات الثورية الينايرية المستنيرة مثل الجمعية الوطنية للتغيير وغيرها.

الخلاصة: لن أطيل أكثر من ذلك في الدفاع عن خطيئة زياد العليمي الذي لن أنسى أفضاله علينا وعلى وطني مصر، والتي تغفر له ذلة لسان مثل هذه، ولكن في نفس الوقت أناشده أن يعتذر لما بدر منه، وأطلب ذلك وأقول له لا يهمك ما سوف يترتب على ذلك قانونيا فأنت بطل من قبل ذلك ومن بعده وستظل كذلك وسنظل لك مدينين. الشيء الوحيد الذي لا أريدك أن تقبله هو أن تقبل حل المشكلة عن طريق مجلس عرفي حتى لا تقع في مستنقع الرجعية وقضاء البداوة.

تعليقات القراء