د. ميشيل حنا يكتب: سباق هدم البيوت!

عام 2005 صدر حكم للمحكمة الدستوريّة العليا بإلغاء قرار الحاكم العسكري الذي أصدره الدكتور كمال الجنزوري بمجرد أن تولى رئاسة الوزارة عام 1996، والذي ينص على حظر هدم الفيلات في جمهورية مصر العربية. تبع هذا الحكم تغيير قوانين البناء، وإلغاء قانون كان ينص على حظر هدم المباني غير الآيلة للسقوط والتي يقل عمرها عن أربعين عاما، وقانون آخر كان يقضي بأن يكون البناء الجديدفي حالة الهدمبنفس ارتفاع المبنى القديم، وتم فتح الارتفاعات إلى الحدود القصوى، مع استحداث شرط غريب ينص على أنه إذا لم تقم الجهة الإدارية بالرد على طالب الترخيص في خلال ثلاثين يوما، يكون ذلك بمثابة الموافقة عليه! أي بمعنى آخر: السكوت علامة الرضا!

أصبحت الساحة الآن خالية وممهدة تماما لبارونات البناء والسماسرة وشركات المقاولات ذات رءوس الأموال الهائلة، واندلع سباق مجنون بين هذه الشركات لشراء وهدم كل ما يمكن هدمه من فيلات وعمارات صغيرة قصيرة بطول البلاد وعرضها، مع ما يتضمنه هذا من إزالة حدائق بمساحات شاسعة كانت تتضمنها العقارات المهدومة لاستغلال كامل مساحة الأرض، وقطع لأشجار الشارع العمومية لتتمكن البلدوزرات من الدخول، بينما تقوم الماكينات الضخمة بتدمير الرصيف وأسفلت الشارع نفسه أثناء عمليات صب الخرسانة، وفي خلال أشهر قليلة ينتصب برج أسمنتي هائل لا ينتمي لأي طراز معماري معروف يحجب الشمس والهواء عن المكان.

في خلال السنوات القليلة الماضية تغيّر وجه مصر بالكامل بحيث لا يمكنك أن تتعرّف على مكان زرته قبلا، وتم تدمير تراث معماري هائل بطول البلاد وعرضها، حتى أن هناك شوارع هدمت بالكامل أو كادت، ثم تفاقمت أزمة المرور في كل مكان بشكل لم يعد من الممكن إصلاحه، وتم تعريض البنية التحتية من شبكات المياه والكهرباء والمجاري لضغط هائل لم تكن مصممة أصلا لتحمّله، بسبب تكديس كميات هائلة من البشر في مساحة أفقية صغيرة، مُدّعين بذلك أنهم يحلون أزمة الإسكان، بينما 95% من مساحة مصر أرض خالية. كل ما يفعلونه هو أنهم يحولون حياة الجميع إلى جحيم.

كان الجغرافي العبقري الراحل جمال حمدان ينادي منذ عشرات السنوات بحظر البناء داخل القاهرة وإيقاف عملية تعَمْلقها، لأنها تبتلع كل خطط التنمية دون فائدة تذكر بسبب تضخمها السكاني المستمر، مع عمل حرم حولها يُمنع البناء فيه، مع التوسع في إنشاء مدن جديدة أخرى نوزّع فيها الناس في بيوت رحيبة مستغلين الأراضي الشاسعة التي نمتلكها.

ونحن الآن في عصر الثورة، ومن المفروض أن قدرة أصحاب المال والمصالح في التأثير على صاحب القرار قد انتهت (أو هكذا نتمنى)، لابد لهذه الفوضى العارمة أن تتوقف بأي شكل وفي أسرع وقت ممكن، ربما نحتاج إلى قرار عسكري آخر، وذلك قبل أن تتحول مصر إلى علبة كبريت كبيرة غير صالحة للحياة.

 

تعليقات القراء