د. محمد نبيل جامع يكتب: الإخوان وتنمية البطاطس والبتنجان
كتب: أ.د. محمد نبيل جامع
أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية
منذ القدم، وحتى الآن، وخاصة أثناء الانتخابات البرلمانية التي زيفت العقول قبل توجهها للصناديق، وبالاشتراك مع المجلس العسكري، "لَحَسَ" أصحاب "الإسلام" السياسي عقول البسطاء بحشر عربات تحمل البطاطس والباذنجان في أحشاء المناطق الشعبية لتباع بأسعار رخيصة، وتارة أخرى يُدخلون البطاطس أيضا والخضروات الأخرى واللحوم في محلات كبيرة نسبيا في مناطق شعبية أو شبه شعبية، لدرجة أن بعض ربات البيوت زوجات موظفين كبار اشتروا منها بأسعار تجعل للقرش قيمة، حيث ترى الطماطم مثلا مكتوبا عليها 175 قرش. وقد درج هؤلاء "السنيون" (كما يسميهم الشعبيون) على سياسة تقديم المساعدات للفقراء وخاصة السلع الضرورية كالزيت والسكر والشاي والصابون وغير ذلك بالإضافة إلى إقامة المستوصفات في المساجد أو بجوارها مما يعنى في النهاية إشباع الحاجات الضرورية الجسدية، ولم نجد اهتماما مقابلا بتنمية العقول سواء من خلال إنشاء مدارس أو معاهد علمية، عدا دورات الدروس الخصوصية المخفضة التي هي جريمة في حد ذاتها، أو أندية شبابية أو منشآت ثقافية. وهذا ما طالبت به فتيات تونس في شعارها "تنمية العقول قبل تنمية اللحى" و "تنمية العقول قبل تنمية البطون".
هل سيستمر الإخوان المسلمون في سياسة التنمية عن طريق الرضاعة، أم سيتوجهون إلى فطام رعيتهم والتوجه نحو سياسة بناء الإنسان وقدراته وتمكينه وإطلاق طاقاته لكي يساعد نفسه بنفسه ويسهم في بناء غيره ووطنه؟
يبشرونا ويبشرنا زعيمهم البَنًاء "خيري الشاطر" بأنه طلعت حرب الزمان، ويبشرونا بأن سيادته يسافر أرجاء العالم ويستكشف خبرات الدول التي سبقتنا والاستعانة بخبرائها، دول أمثال تركيا وماليزيا وجنوب إفريقيا وسنغافورة. يتوجه سيادته لاستلهام خبرة سنغافورة في تشغيل مرافق وهيئات ومصالح الحكومة، واستلهام خبرة جنوب إفريقيا في ترسيخ الحوار الوطني وتحقيق المصالحة بين المصريين وقبول الآخر، واستلهام خبرة ماليزيا وتركيا في تطوير الاستثمار والتنمية الاقتصادية والبشرية. ويستعين سيادته بالتأكيد ببعض الخبراء المحليين.
سيدي الفاضل مهندس خيري الشاطر: البدلة التي تلبسها سيادتك لابد أن تفصل على جسدك، لن تجد بدلة مستوردة جاهزة تناسبك. إذا كنت، أو كان غيرك يمكنهم شراء بدلة جاهزة مناسبة 100%، فالتنمية بصورة خاصة لا يمكن استيرادها على الإطلاق. لكل دولة مقاساتها وظروفها ومواردها الخاصة التي تتطلب إستراتيجية خاصة. أنظر سيادتك إلى إستراتيجية مهاتير محمد في ماليزيا التي ستذهب إليها لتستفيد منها حيث وضعها مهاتير محمد طبعا بالاستعانة بخبراء ماليزيين (ورفض مطالب وشروط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية حراس الرأسمالية المتوحشة) لتركز على النقاط التالية التي لا زال ورثته يتابعونها حتى الآن:
1. .بناء دولة ماليزيا المتحدة.
2. بناء مجتمع ماليزي متحرر سيكولوجيا، وآمن، وكامل النمو.
3. بناء مجتمع ديمقراطي ناضج.
4. تكوين مجتمع يمتلك روحا معنوية عالية، وأخلاقا سامية، وقوة دينية.
5. إقامة مجتمع ناضج حر ومتسامح.
6. إقامة مجتمع علمي تقدمي.
7. إقامة مجتمع كامل الرعاية.
8. إقامة مجتمع يضمن العدالة الاجتماعية.
9. إقامة مجتمع ثري زاهر
لاحظ أيها المهندس ارتباط هذه الأركان التنموية بماليزيا، حيث لم تتوحد ماليزيا كدولة إلا عام 1963، مستعمرة بريطانية منذ القرن الثامن عشر، وكانت ممالك ومستعمرات مستقلة باسم الملايا ثم تحولت إلى اتحاد الملايو ودمجت مع سنغافورة وسارواك وبورنيو واتحاد ملايا عام 1963 ثم انفصلت سنغافورة عام 1965. ولذلك لاحظ سيادتك أن الثمانية الأولى من الأركان التنموية أركان معنوية، والركن الأخير فقط هو المتعلق بالجانب المادي أي الثراء والتقدم الاقتصادي. تركز هذه الأركان على الوحدة الوطنية والأمن والديمقراطية والروح المعنوية والأخلاق الراقية والتسامح والعلم والتكنولوجيا ثم أخيرا الثراء والازدهار الاقتصادي. يعني ذلك أيها المهندس أن الثراء الاقتصادي وليد تلك القيم ولا يمكن تحقيقه إلا بتحقيقها (صبحك الله بالخير يا دكتور برادعي).
إن ما تسعى إليه من إستراتيجية تستلهمها من تلك الدول الأربع، نحن هنا خبراء التنمية المصرية نقدم أفضل منها مائة مرة، بل والأدهى أن أي برنامج انتخابي لأي مرشح محتمل لرئاسة الجمهورية يمكن أن يكون إستراتيجية محتملة يمكن أن تحقق نتائج جيدة بشرط تحقيق المتطلبات المعنوية، مثل تلك سابقة الذكر أعلاه، ولكن بما يتلاءم مع وضع جمهورية مصر العربية. وانظر على سبيل المثال إلى الوصايا العشر التي ذكرت في الفصل الأخير من الباب الأخير لمؤلف لي بعنوان "علم الاجتماع المعاصر ووصايا التنمية" والمرفق مع هذا المقال، حيث يتناول هذا الباب فصولا أربعة هي مفهوم المجتمع الفعال، ومفهوم التنمية، ومستقبل التنمية على طريق التفوق على إسرائيل، ثم أخيرا وصايا التنمية المصرية.
لم تنجح جماعة الإخوان المسلمين في الارتقاء بالأخلاق المصرية منذ أكثر من 80 سنة وقد جعلت الإسلام نبراسا لها. لماذا؟ لأنها تضع العربة أمام الحصان. تبحث عن تحقيق "أستاذية العالم" بعد "الخلافة" ومن قبلهما الدولة، كيف؟ باعتلاء كراسي الحكم. لقد نجحت الجماعة فقط في إخضاع أعضائها للولاء والسمع والطاعة والانصياع لقيادة هي بالطبع ليست موحى لها من عند الله. من يفكر من هؤلاء الأعضاء تفكيرا حرا ينفى، ومن يقرر المشاركة السياسية الحرة يقاطع وينبذ. مصر مجرفة عقليا وخلقيا وعاجزة ماديا ولن يحييها إلا إحياء القيم المعنوية أولا، وأول هذه القيم الحرية والعدالة الاجتماعية. ولن أتكلم الآن فقط إلا عن العدالة الاجتماعية. النحل والنمل يعمل باجتهاد لا يقاربه إلا الإنسان الياباني، وذلك بسبب الغريزة التي أودعها الله سبحانه وتعالى في هذه الحشرات، أما بالنسبة للإنسان فلن يعمل الإنسان بكامل طاقته إلا لو شعر بالعدالة الاجتماعية. انظر إلى ممتلكات الجنرالات الذين تحالفتم معهم، انظر إلى ممتلكات اللصوص عصابة النظام السابق، حتى انظر إلى كشوفات الأطباء الخيالية، بل وانظر إلى مرتب المرشد ... و... و... و... انظر إلى هذه الممتلكات....انظر إلى زينة الدنيا.... "إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا"... هل فكرت أيها المهندس الإخواني فيما يلي:
1. المحاكمة العادلة الناجزة للصوص النظام السابق.
2. إرجاع الممتلكات المنهوبة سواء لدي الجنرالات العسكريين أو المدنيين إلى الشعب.
3. تمكين الفقراء من الموارد وتوصيلها إليهم، وسن القوانين ووضع المحفزات التي تدفع إلي انطلاق الاقتصاد الصغير الخفي غير الرسمي بمشروعاته ومنشآته الصغيرة والمتناهية من الصغر والذي يكون حوالي الثمانين في المائة من الاقتصاد المصري.
4. التنفيذ الفوري للحد الأدنى والحد الأقصى الشامل لكل شيء حيث لا يتعدى الأخير 15 ضعف الحد الأدنى فقط.
5. فك الصناديق الخاصة وإرجاعها لميزانية الشعب.
6. تطبيق الضرائب التصاعدية وإرجاعها إلى ما كانت عليه (44%) حيث خفضها اللص الظريف يوسف بطرس غالي إلى حد أقصى 20% ( رفعت أخيرا لـ 25% فقط) ليتساوى في ذلك الشحات مع اللصوص أمثال سيادته. وللعلم تصل هذه النسبة في الدول المحترمة مثل السويد إلى أكثر من 60%.
7. رفع ميزانية التعليم والصحة إلى 15% و 25% على الأقل بدلا من 5% و 10% على التوالي.
8. إلغاء الدعم عن كبار المستثمرين وخاصة دعم الطاقة الذي يصل إلى أكثر من 60 مليار جنيه.
9. الرقابة الصارمة على الأسعار وتدنية اقتصاد السمسرة والخدمات التي لا تضيف قيمة للموارد والمنتجات الطبيعية والزراعية والصناعية. ولا زالت هناك عناصر أخرى كثيرة.
كيف تتوقع من شعب بائس جائع مريض يعاني شظف العيش أن يعمل وينتج وهو يمثل غالبية الشعب المصري وبجانبه جنرال يتعدى دخله المليارات، أو رجل أعمال سمسار يتعدى دخله اليومي الملايين، أو طبيب يتعدى دخله الملايين في الشهر الواحد، أو رئيس هيئة الاتصالات الذي يصل دخله الشهري إلى 6 مليون جنيه أو رئيس جامعة يقارب المليون جنيه شهريا بسبب نصيبه من صناديق خاصة بينما لا يتعدى دخل زملائه الأقدم منه بضعة آلاف من الجنيهات، أو رئيس مجلس إدارة بنك يتعدى دخله الشهري 5 ملايين جنيه، كل ذلك والفلاحون وغير المثبتين وأصحاب المطالب الفئوية المشروعة يعانون من البؤس والشقاء، وقبل ذلك شعورهم أنهم أبناء البطة السوداء.