حكايات 2011.. أم بسملة: بعدما ودعت ابنتي.. 2011 ترك لي أصعب ذكريات حياتي

لم تكن تريد الخروج وكأنها كانت تشعر وتعرف ما سيحدث لها عندما يلمس جسدها أيدى البشر ويرى وجهها نور الدنيا ...انها ابنتى بسملة..

 

خرجت من رحمى ومن جوار قلبى الى حيث لا يوجد رحمة ...بدأت حكايتها بخطأ طبيبة لم تأخذ القرار السليم فى الوقت المناسب فجاءت الدنيا بعدما تعدت أشهرها التسعة تخنقها السوائل التى دخلت جوفها وصدرها من الرحم فيستقبلها طبيب تخصصه ازاحة المرض عن الملائكة الصغار ليرتكب معها ثانى خطأ حيث يخبرنا ان صدرها اصبح خاليا من السوائل وانها فى أمان ...فنخرج الى البيت فرحين بقدوم ملاكنا الصغير حتى تذهلنا المفاجأة ...البنت تبكى لا يمكنها الرضاعة ...الوجه الابيض بات شاحبا ...نجرى بها مسرعين على المستشفى لتمكث فيها شهرا فلم يخلو صدرها من السوائل كما ادعى الطبيب ...ابنتى تعانى التهاب رئوى ,صفراء وثقب بالقلب ...ياااالله ..أنت الوحيد  القادر على الشفاء.

 

تخرج بسمله وكأنها ولدت الآن لم تصدق عينى اننى رأيتها من جديد ورقص قلبى من الفرحة ...ولكن...

 

ابنتى من كثرة الالم والحقن والجفاء  داخل هذا الرحم المصطنع "حضانة المستشفى"  تخاف ان يلمسها جسدى .

 

ومع الوقت بدأت تعرفنى فأنا أمها وهذا قلبى الآن تمكث جواره وتسمع دقاته كما كانت تسمعها وهى بداخلى ...وما هى الا أيام وهبها الله لى لارى واستمتع ببسمة بسملة تملأ وجهها وتلاغينى حتى وافتنا الصدمات فأبنتى لا تتحمل مجرد الهواء.

 

ابنتى بها ثقب بالقلب , تيبس فى المفاصل وحصوات بالكلى ...يالله ...طلبت منه وحده ان يلهمنى الصبر وان يشفيها ...اصبحت حياتى كلها بين عيادات الاطباء وفى المستشفيات ...ولكن الحمد لله فأبنتى احيانا تبتسم وتلاغينى وتنظر الى حينما اناديها واغنى لها ....

 

ولكن فجأة ضاعت البسمة ...ابنتى اصابتها التشنجات وحالة غريبة من المرض لم ارها من قبل واخطأ الاطباء مرة اخرى فى تشخيص حالتها ليخبرونى انها ماهى الا تشنجات حرارية وفقط ناوليها العلاج ولكن أبدا.... ابنتى لا تشفى ...راحت فى غيبوبة ليخبرنى الطبيب الكبير انها اصيبت بمرض استسقاء بالدماغ ....ياربى ...ماذا افعل كيف لجسد صغير ضعيف ان يتحمل كل هذا المرض ...اجريت اول جراحة بالمخ وعمرها اربعة اشهر ولكن ابنتى اصبحت لا ترى ...ضاع بصرها ....ولكن الحمد لله انها تحيا بين يدى واراها ولكن قلبى يتمزق كلما اخترقت الحقن وريدها الصغير بل كل اوردة جسدها حتى لم يبقى فى جسدها مكان لم تمر منه هذه الابرة اللعينة ...فاقت لمدة يومان وبدأت اصبر نفسى وفرحت لانها تسمعنى وتستجيب بحركات جسدها لكلامى وابتسمت لى ...نعم انا فقط ارى بسمتها...

 

ولكن فقط ليومان حتى راح المرض يعبث بجسدها مرة اخرى واختلف الاطباء على حالتها وزرنا ومكثنا فى العديد من المستشفيات ...انا وهى فقط ...تركنا اهلنا وكل مالنا فى الدنيا من اهل وبيت لم نراهم سوى فى اوقات الزيارة التى تحددها المستشفيات حتى يمشوا ويزداد القلب تمزقا ويطول الليل علينا ونسمع الرعد ونرى البرق ونرى المطر من نافذة الحجرة...ولا شئ يشعرنا بالدفء ونعيش قصص كل من حولنا من مرضى وارى ولاول مرة اطفال تموت امام عينى من شدة المرض او من شدة الاهمال واحتضنها وهى على سريرها ...ولكن مازالت المياه التى هى سر حياتنا والتى تختلف فى طبيعتها فى كل جزء من جسدنا تتحرك لتستقر فى دماغ ابنتى فتكبر دماغ بسملة الجميلة وتكبر وتكبر حتى ان ذراعى كان يؤلمنى بشدة عند حملها ....وتجرى لها الجراحة الثانية ونعود لبيتنا ...ياااااااااااه ......

 

اجمل مكان فى العالم هو بيتنا فعلا, اخيرا اصبحت انام على سريرى وارى اهل بيتى ... ولكن اه يا ابنتى لا مفر من العلاج رغم الالم ....

 

آاااااااااه ..ياربى ......ابنتى من شدة المرض والألم اصبحت حتى لا تستطيع البكاء ...لم تكن فى غيبوبة فقد كانت تشعر بأصواتنا ونداءنا عليها ولكنها لا تتحرك ولا ترى ولا حتى ترضع كما الاطفال من فمها فقط عن طريق انبوب يمر من فتحة الانف الى معدتها....يارب أنت المستعان.

 

كان أكثر ما يؤلمنى انها  عجزت عن البكاء فهي تتألم في صمت فتفهم من ملامحها انها تبكي ولكن لا تسمع صوتا لبكاء...هل فكر احد ماذا يكون احساسه وهو فى قمة احساسه بالألم  لا يستطيع التعبير حتى بالبكاء ...فقط جسد ينتفض فيتمزق له قلبى ....

ويختلف الاطباء مرة اخرى ولكن يبدو انهم اجمعو على ان نهاية الالم ولابد انها تقترب ولكن يجب ان نفعل ما علينا ....وتجرى لها ثالث جراحة ونخرج هذه المرة من المستشفى وانا اعلم ان حالتها لن تتحسن ولكن يملأ قلبى الامل فقد تحدث المعجزة ويشفى الله آلام ابنتى ....فابنتى رغم كل ما بها من أمراض وعلل الا انها صامدة ومتحملة ... ولكن رحمة الله وسعت ابنتى وتوفاها وهى نائمة بجوارى على سريرها بعد شهرمن هذه الجراحة وبعد عيد ميلادها بخمسة أيام وفى هذا العام 2011 فهل علمتم ماذا فعل بى هذا العام ...هذه هى قصتى مع ابنتى ...قصتى مع الألم ... .. وأكثر ما آلمنى اننى لم اصدق وقتها ان ابنتى قد توفيت وأن من حولى ممن يعزوننى لم يتركوا لى ابنتى كى احتضنها بين ذراعى قبل ان يحتضنها الكفن ويواريها التراب ...فما زلت اشتاق لهذا الحضن الذى افتقده بشدة يوما بعد يوم .

 

2011هذا العام ترك لى اصعب ذكريات حياتى وادعو الله ان يجعلها فى ميزان حسناتى انا وزوجى الحبيب  ووالداى أعزهما الله وأن يشفع ابنتى فينا ويجمعنا بها فى جنات النعيم.

 

بعد ما ودعت ابنتى  دار فى قلبى هذا الحوار بينى وبينها رحمها الله

 

يا أمااااه... سكنت دموعى فى مقلتاى .. سكت اللسان عن النداء ...

ضاق صدرى بروحٍ أنهكتها الليالى والأيام..

رحِم الله جسداً عليلاً لم يسلم من أيدى الأطباء

آاااااه يا ابنتى.. سقطت دموعى على وجنتاى

صرخ اللسان ......آه يا ابنتى

لما تتركينى فى وحدتى.. أذكر آلامكِ وحزنكِ

 

لم يملك القلب الا الدعاء لكِ بالشفاء

فأراد اللهُ لك بيتاً معموراً فى السماء

 

هل تفرحى ...هل تلعبى.. هل نسيتى من جرحك

 

فهل تسمعينى وستذكرينى عندكِ.. أشتاقُ للمسة من يدك وقُبلة فوق جبهتك

 

آه يا ابنتى لو تعلمين كم بقلبى من ألم

تمضى الليالى على فراقك وأنا أنتظر

حلما جميلا يجمعنى أنتى وأنا

على ذراعى تمكثين وتمرحين وأنا أرتجى

أن يطول الحلم حتى ترتوى العين من رؤيتك.

 

 

 

حكايات 2011.. شاركونا حكاياتكم..

 

تعليقات القراء