سقراط يكتب: ستون عاما.. ولسه عندك أمل؟!!
في حياة البشر اللحظات تفرق، الأيام تصنع معجزات، والسنوات تغير أفكار وشعوب، وعامل الزمن لن يرحم أحد يريد أن يتشبث بالماضي ويكتفي بتمجيده، ولا يدرك أخطاؤه ليعالجها في الحاضر كي يصنع الفارق في المستقبل .
تقارير تصدر عاما تلو الآخر، ومصر تحجز مقعدها في المراكز الأولى، وسط تفرد تام بمكانة مرموقة ولكن في القاع ، الأولي في الطلاق و الإصابة بفيروس الالتهاب الكبدي الوبائي ، و انتشار الأمراض المستوطنة كافة ، وعلى النقيد ، فهي تحتل المراكز المتأخرة فيما يتعلق بجودة التعليم و تصنيفات جامعاتها العريقة !!
انظر من حولك ستجد مجتمع المليون داعية في العلن و الخمسين مليون باحث عن العاهرات في صفحات الإنترنت في الظلام ، فساد يضرب ربوع المجتمع ، صراعات للتدخل فيما يخص الحريات العامة و الشخصية ، تهليل للقوي مهما كان موقفه ، صراخ في كل البيوت من آلام الجوع و شبح الفقر ومرضى لايجدون الآسره في أمكان تسمي مجازاً مستشفيات ، المحصلة في النهاية "دولة علي ما تفرج" !!
دولة ٥٢ لاتزال تعافر ، ولازال مناصريها لا يعترفون بما اقترفته هذه الدولة من جرائم في حق هذا الشعب ، لازال أنصار هذه الدولة يتغنون بثورة عبدالناصر ، ولا يرون في حكمه أخطاء ، لا يرون في نكسة ٦٧ ما يرضي غرورهم ليعترفوا بأخطاء ناصر ، لا يرون في حالة الوهم المصاحبة للنكسة جريمة منفصلة بخلاف خسارة الحرب، الأزمة أنهم لازالوا يريدون خداعنا ، لازالوا يرون أننا لابد أن نصدقهم إذا قالوا مجدداً "نحن علي أعتاب تل أبيب !!"
دولة الجنرالات التي تحالفت مع اليمين الديني و شجعت المتطرفين علي انتهاج العنف ضد طلاب الجامعات في السبعينيات لتصفية حسابات سياسية ولخلق لون جديد يحلو للجنرال الجالس على العرش ، تلك الدولة التي فرضت قيود من حديد علي حرية الرأي و التعبير و فتحت منابرها الإعلامية لكل منافق يضرب على طبل يطرب لسمعه الجالسون في قصور الحكم !!
استمرت هذه الدولة في عقودها الثلاث الأخيرة ، بين بدايات للتنمية ووعود بالبناء ولكن سرعان كل هذا تحول إلى مؤسسات قائمة بذاتها لكن يضرب في قلبها الفساد ، صار الفساد موجود في كل مكان ، أموال تسرق و أراضي تنهب و دولة في غيبة من أمرها ، مع استمرار القمع و التجاوزات و الجرائم داخل المؤسسات الأمنية ، وكأن دولة ٥٢ لا ترضى أن تتنازل عن سمتها الغالبة علي مدار الستون عاما ، قمع وتقيد للحريات و تجارة للوهم !!
قامت ثورة يناير لتكسر شوكة دولة ٥٢ و تعلن عن بداية عهد جديد ، ولكن أبناء دولة ٥٢ وحلفاؤهم الرجعيين من الإسلاميين أبوا أن ترى ثورة يناير نشوة النصر، حاربوها بكل قوة ووقفوا أمام تطلعات شبابها، حولوها لحرب علي هوية الدولة ، لحرب بين معتقدات البشر ، لحرب على وطنيتهم .
سقط الشباب الطامح في التغيير فريسة بين السجون و الشيوخ ، بين المقابر و المستشفيات ، سقط طريحاً جراء حرب بين طيور الظلام الذين لايريدون أن يعترفوا أن عامل الزمن قد تجاوزهم ، وأن العالم اليوم يوجد به من يقود أفضل بكثير من الجنرال والشيخ ، بل بالعكس الدول التي رأت النور هي تلك التي اعترف كل أبنائها بأن الجيش يحمي ولا يحكم و الدين مكانه القلوب لا قصور الحكم !!
ستون عاما مضت ، ولازال هيكل يتحدث عن الغد ، والمحافظين لواءات، والشيوخ يؤسسون أحزاب ، والهواء يباع في زجاجات، بعد ستون عاما لازال هناك من لديه أمل بأن دولة ٥٢ ستخرج جديد، ستبني دولة قادرة على البقاء، دولة تشبع شعبها و تحفظ كرامتهم ، وكأن ماحدث طيلة العقود الماضية من غرق في الوحل لا يكفي هؤلاء ليعترفوا أن هذه الدولة تجاوزها الزمن بعد أن تجاوز دولة القرون الوسطى التي يتبناها حلفاء الجنرالات من الشيوخ !!
عزيزي يكفينا ماحدث طيلة العقود الست الماضية لنتعلم أن التعلق بالأمل في حياة أفضل في ظل وجود دولة ٥٢ وحلفاؤها هو كالتعلق بالحبال البالية ، علينا نعيش الواقع ونرفض استمرار هذا الوضع و نتمسك بحلم بناء دولة مدنية تحترم الإنسانية و القانون ، بعيدة عن قمع الجنرالات ورجعية المتطرفين !!