د.محمد صلاح البدري يكتب: تعاطفاً مع غزة.. أو كما قال أبوتريكة!
لم يكن الإنذار الذي حصل عليه أبوتريكة في كأس الأمم الإفريقية في غانا ٢٠٠٨ حين رفع فانلته لأعلي ليظهر هذا الشعار "تعاطفا مع غزة" باللغتين العربية والإنجليزية في مباراة السودان مثيرا للاستنكار بقدر ما كان مدعاة للفخر.. فقد كان شجاعته وقتها محل فخر للشعب المصري كله.. وكان إنذاره الشهير وساماً علي صدره استحق به لقبه الذي سيحمله للأبد.. أمير القلوب.
لقد اعترض الاتحاد المصري علي كوفي كودجا الحكم الشهير..فتريكة لم يخلع فانلته بالكامل.. ولكن حيثيات الإنذار في تقرير الحكم كانت لإستخدام اللاعب شعارا سياسيا في ملاعب الكرة .. و مخالفاً بذلك تعليمات الاتحاد الدولي ..
لم يذهب أبوتريكة للحرب مع أهل غزة ضد العدو الصهيوني.. ولم يتبرع -علانية - بالمال والسلاح لمنظمة حماس ...كما لم يستطع وزراء خارجية مبارك عبر ثلاثون عاماً أن يمنعوا أي اعتداء يقع على أهل هذا الإقليم المنكوب..لكن كلاهما.. أبوتريكة و مبارك.. استطاعا التعبير عن مشاعر المصريين المتعاطفة مع أهل هذه المساحة الصغيرة.. مسقط رأس الأمام الشافعي.. والذي ينتمي أهلها للمصريين أكثر من انتماؤهم لفلسطين نفسها..
لم يتأثر المنتخب المصري بإنذار ابوتريكة.. بل أنه حصل على البطولة في النهاية.. والبطولة التي تليها..وحمل التاريخ إنذار أبوتريكة كمثال للشرف .. أكثر منه مثالا للعقاب!
لقد تحملت مصر عبر تاريخها مسئولية هذه القطعة الصغيرة من أرض فلسطين منذ عقود طويلة.. ولم تتخلى عن تلك المسئولية التاريخية حتي في أحلك الظروف.. ففلسطين شريك في عملية السلام منذ عهد الرئيس السادات .. وجلوسها علي مائدة المفاوضات في كامب ديفيد كان شرطاً لمصر.. قبل أن توقع علي الاتفاقية التي غيرت مجري التاريخ في المنطقة..
قد يختلط الأمر علي البعض .. فيظن أن الهجمات الإسرائيلية قد تضعف من قوة المنظمة الأكثر إثارة للجدل "حماس"..والتي أصبحت تشكل تهديداً حقيقيا للأمن القومي المصري.. وفقدت قاعدتها الشعبية في مصر بتأييدها للإخوان و رئيسهم المعزول.. و لكن يبدو أن هذا الخلط قد انتقل كالعدوي إلى الحكومات.. التي يبدو أن مشاعر "الشماتة" الصبيانية في تلك المنظمة قد أنستهم أن من يدفعون الثمن هم أهل غزة البسطاء
إن مشاعر التعاطف و بيانات الشجب والإدانة لن توقف العملية العسكرية الإسرائيلية.. ولكنها قد تطفيء الغضب الشعبي تجاه العدوان على من يحملون نفس الهوية العربية و يدينون بنفس الديانة و يجمعنا بهم تاريخاً طويلاً و مصيراً مشتركاً..خاصة مع تاكدهم التام أن تلك الضربات لن تؤثر على قوة تلك المنظمة التي تحكم هذا الإقليم -دون انتخابات - منذ ثمانية أعوام.. فكلاهما إسرائيل و حماس مستفيدون من وجود الأخر.. بخلق ذريعة لكل تجاوز يحدث ضد أهل غزة ...الذين كتب عليهم أن يدفعوا الثمن..
تستطيع الحكومة المصرية أن تحصل على إنذار مشابه لإنذار ابوتريكة.. انذارا لن يمنعها من المضي قدما في مسيرة الإصلاح الداخلية.. انذارا تضعه وساماً على صدرها.. عن طريق حزمة من الإجراءات وردود الفعل ضد هذا العدوان.. وتدويل القضية بصورة تحفظ بل و تعيد لمصر مكانتها الإقليمية والعالمية.. بدلا من بيان الخارجية الهزيل واتصال السيد الرئيس التليفوني..
تستطيع الحكومة المصرية أن ترفع شعاراً يليق بثورتين قامتا في ثلاثة أعوام.. ثورتين كانتا تطالبان بالكرامة الإنسانية..
تستطيع الحكومة أن تعلن تضامنها مع غزة.. وليس مع حماس.. أو كما قال أبوتريكة!!