مدكور أبوالعز ..المقاتل الذي أطلق عليه الإسرائيليون «السفاح»..قال له ناصر : لقد أرسلت الحرس الجمهوري بأكمله للجبهة وليس لدي لحماية نفسي سوى «طبنجتي».. مبارك ليس البطل .. تعرف على مخططي الضربة الجوية في «أكتوبر»
الموجز - إعداد - محمد علي هـاشم
حكايات الفريق مدكور أبو العز ونكسة يونيو.. ابن شقيقه يروي تفاصيل لقائه مع عبد الناصر بعد النكسة.. أبو العز نجحت رؤيته عندما طالب بحماية سماء مصر ولكن لم يجد من يستجيب له.
بالرغم من مرارة طعم الهزيمة في نكسة يونيو 1967، إلا أن هذه الذكريات المؤلمة تكشف للأجيال الجديدة شخصيات كُتبت أسماؤهم بأحرف من نور في التاريخ العسكري المصري عبر الزمان.
"الفريق مدكور أبو العز" قائد القوات الجوية بعد النكسة، أحد تلك الشخصيات التي لم تتوانى عن الدفاع عن شرف وكرامة وطنها، والذي ولد عام 1918 بقرية ميت أبو الغالب بمحافظة دمياط، حيث التحق بالكلية الحربية وتخرج فيها عام 1937 وعمره وقتها 17 عامًا فقط مما جعله أصغر ضابط بين خريجي الكلية ثم تدرج في مناصب القوات الجوية حتى وصل إلى منصب مدير الكلية الجوية في الفترة من عام 1956 حتى 1963، وكان رئيس أركان حربه في هذا التوقيت الرائد طيار محمد حسني مبارك "الرئيس السابق" والذي وصفه الفريق مدكور أبوالعز وقتها بأنه كان خير معاون له وعلى يديهما تخرج في الكلية نخبة من أفضل طياري القوات الجوية، كما تشكلت منهم بعد ذلك القوة الضاربة لسلاح الجو المصري.
وفى ظل نجاح الفريق "مدكور" في موقعه، نشبت خلافات بينه وبين الفريق صدقي محمود قائد القوات الجوية وحدثت وشايات نفذها بعض الحاقدين على نجاحه لدى جمال عبدالناصر وزعمهم أن الفريق مدكور أبوالعز تخرج من تحت يديه 10 دفعات من الطيارين كلهم يحبونه ويأتمرون بأمره، ومن الخطر على جمال عبد الناصر بقاء مدكور مديرًا للكلية الجوية، وبالفعل حققت الوشاية هدفها وأثرت على "عبد الناصر" وخرج الفريق مدكور أبو العز من الكلية الحربية، ولحفظ ماء الوجه قام عبد الناصر بتعيينه محافظا لأسوان أثناء سنوات بناء السد العالي.
حين ذاك شاءت الأقدار أن يكون بعيدًا عن منصبه؛ مدير الكلية الحربية، حين وقعت النكسة بتدمير الطائرات الحربية المصرية، وحتى لا يكون كبش فداء لنكسة يونيو 67.
ولم تمر سوى شهور قليلة حتى أصبح أبو العز أنجح محافظ في عهد عبد الناصر وحقق إنجازات عديدة، وفي إحدي زيارات عبد الناصر خطب أبوالعز بالأرقام متحدثًا عن إنجازاته في أسوان، وبعد الحفل سأله عبد الناصر وقد فاجأته الإنجازات هل هذه الأرقام حقيقية أم أنها للاستهلاك المحلي؟، فرد الفريق مدكور إنها أرقام حقيقية لا أعرف غيرها وليس لي دراية بلغة الاستهلاك المحلي.
وهكذا انتقل الفريق أبوالعز من ميدان إلى ميدان لا يعرف غير العمل الجاد، ثم تتوالى الأحداث وبعد ثلاث سنوات من خروجه من العمل بالجيش، يعود إليه مرة أخرى في أحلك الظروف السياسية وعقب نكسة يونيو، فبعد خطاب التنحي الذي ألقاه عبد الناصر وإصرار الشعب على بقائه كان أول قرار يصدره عبد الناصر عودة الفريق أبو العز للقوات المسلحة قائدًا للقوات الجوية، وصدر القرار تحديدًا يوم 10 يونيو في نفس يوم خطاب التنحي، وقام الرئيس عبدالناصر بعد ذلك بإرسال طائرة خاصة حملت الفريق أبو العز من مطار أسوان إلى القاعدة الجوية بألماظة، وهناك استقبل تلاميذ الفريق مدكور أبو العز أستاذهم بحفاوة بالغة أسعدته، ولكنه قال لهم مباشرة: إن هذا الوقت ليس وقت الاحتفالات وإنما وقت العمل لحين استعادة الكرامة.
توجه الفريق أبو العز بعد ذلك مباشرة إلى منزل عبد الناصر في منشية البكري، ويروي تفاصيل هذا اللقاء اللواء طيار مدحت سامي أبوالعز ابن شقيقة الفريق الراحل قائلًا: وجد الفريق أبو العز الرئيس عبد الناصر منكس الرأس، أسود الوجه، وعندما رآه استقبله بالترحاب وقال: لقد أرسلت الحرس الجمهوري بالكامل إلى الجبهة، وليس أمامي الآن سوى "طبنجتي" ولا أعلم ماذا يفعلون معي الآن.
وفي هذا اللقاء طلب الفريق مدكور من الرئيس عبد الناصر عدة مطالب من بينها إنشاء دشم ومخابئ للطائرات بالمطارات المصرية تحت الأرض، وحماية سماء مصر بالمدافع المضادة للطائرات.
وأضاف اللواء مدحت أبوالعز ابن شقيقة الفريق الراحل، أن هذه المطالب طلبها الفريق أبوالعز في حرب 1956 بعدما رأى الطائرات المصرية تضرب على الأرض ولم يستجب الفريق صدقي محمود قائد القوات الجوية، ومعه المشير عبدالحكيم عامر له، وصدق حدس الفريق أبوالعز بعد ذلك وكان ما كان في نكسة 67 عندما كانت الطائرة الإسرائيلية تدمر 50 طائرة مصرية دفعة واحدة.
وأشار "ابن شقيقة الفريق الراحل" إلى أن الفريق مدكور أبو العز يؤمن بأن البداية لأي جيش قوي هي القوات الجوية، وكان يرى أنه من الشرف لسلاح الجو المصري أن يفقد إحدى طائراته في معركة مع طائرات العدو في الجو، ولكن من العار فقد طائرة وهي واقفة على الأرض، لذلك أخذ على نفسه عهدًا بألا تضرب طائرة مصرية على الأرض بعد 67، وقام على الفور وخلال ثلاثة أيام من توليه قيادة القوات الجوية بالمرور على المطارات المصرية بالكامل، وحدد احتياجات كل مطار، ثم بدأ بعد ذلك في تجهيز المطارات الأمامية في طنطا وإنشاص بالدشم ووضع خطته لتبدأ حرب الاستنزاف ومن بعدها حرب أكتوبر 1973.
مبارك ليس بطل الضربة الجوية
يقول اللواء طيار متقاعد "محمد زكي عكاشة" :
الضربة الجوية الأولى لم تكن من تصميم او تخطيط حسني مبارك وإنما قام بالتخطيط لها فرع العمليات بأكمله برئاسة اللواء طيار محمد شبانة رحمه الله.
والاعلام الساذج الخبيث نفسه حينما يتحدث عن الضربة الجوية الأولى فهو ينسب الفضل إلى غير أهله ويتناسى جهود جنود عظام فالضربة الجوية الأولى قام بها 6 الاف فرد بينهم 200 طيار و500 مهندس و5000 ميكانيكي ، وهناك من قام بأضعاف الجهد الذي قام به مبارك لكن احدا لا يذكرهم على الاطلاق.
أول ضربة جوية بعد النكسة ورد فعل موشي ديان وطلبه وقف اطلاق النار
استلم مدكور أبو العز المهمة الصعبة، فدار على المطارات المضروبة وحدد احتياجاتها وبدأ بإعادة تأهيل الطائرات التي كانت قابلة للإصلاح، حيث استطاع تجميع وإعادة تأهيل 250 طائرة مقاتلة، ووضع برنامجًا مكثفا لتأهيل الطيارين وصل خلاله الليل بالنهار بهدف الاستغناء قدر الممكن عن البعثات إلى خارج البلاد.
بعد خمسة وثلاثين يوما فقط، وكان الجيش الإسرائيلي في أوج غطرسته والجنود الإسرائيليون يستفزون الجنود المصريين على جانب القناة بالكلمات النابية والاستهزاء منهم ومن رموزهم القومية والدينية، في 14 و 15 تموز/ يوليو 1967، قام الطيران الحربي المصري بمشاركة عشرات الطائرات، بأولى غاراته بعد الهزيمة فضرب مقرات قيادة الجيش الإسرائيلي على جبهة سيناء وسبب خسائر فادحة فيها، واشتبك مع الطيران الإسرائيلي وعاد سالمًا، الأمر الذي استقبل من قبل الجنود والضباط والشعب المصري والشعوب العربية بفرح كبير واستعادة للمعنويات، وكانت هذه رسالة بأن العرب لم يموتوا ولن يستسلموا، وأعلن موشيه ديان، إثر ذلك، عن استعداده لوقف إطلاق النار، وحين سئل جمال عبد الناصر عن موقفه من دعوة موشيه ديان لوقف إطلاق النار قال لهم: اسألوا مدكور أبو العز. وعندما أخبروا أبو العز بقول عبد الناصر تنفس الصعداء واسترخى في مقعده بارتياح وقد شعر بحلاوة استعادة كرامة الطيران المصري.
بدأ أبو العز بالإعداد للمعركة اللاحقة، وانتشرت شعبيته بشكل غير مسبوق، لدرجة أن الناس عندما علموا أنه يؤدي الصلاة في أحد مساجد مدينة طنطا خرجوا إلى الشوارع مرحبين به ورفعوه مع سيارته فوق أكتافهم.
إلا أنه وعند استقدام الخبراء السوفييت، نشأ بينه وبين قادتهم توتر، فقد شعر بأنهم يستكبرون على المصريين ويعاملونهم باستخفاف، وحدث بينه وبينهم تراشق بالكلام، فطلبوا من ناصر إبعاده.
لم يكن أمام ناصر من مخرج سوى إبعاده من منصبه وعينه مستشارا له، ولكن لم يطل عمله في وظيفته هذه وعاد إلى قريته ميت أبو غالب. وفي العام 1973 كانت الضربة الجوية المصرية الأولى التي كانت تحت قيادة حسني مبارك، هي نفس الطريقة التي قررها مدكور أبو العز بالإغارة من على ارتفاع منخفض.