إسرائيل المتهم الحقيقي في تهريب الأسلحة للفلسطينيين
الموجز
تحت عنوان (القاهرة تجاهلت التحذيرات الإسرائيلية بشأن تهريب الأسلحة إلى غزة.. لامبالاة مصر أدت إلى ٧ أكتوبر) نشرت صحيفة هاآرتس بتاريخ ١٨ أبريل ٢٠٢٤ مقالا لكاتب اختار عدم الكشف عن اسمه، ويتضح من سطور التحليل أنه ضابط سابق فى المخابرات الإسرائيلية. يُحمِّل المقال مصر مسئولية أحداث السابع من أكتوبر واليوم سنرد بنفس الطريقة على الادعاءات الإسرائيلية (من مجهول الي مجهول) لكن مع فارق اننا سنقدم حقائق مدعمة بالوثائق على أكاذيب وادعاءات.
مع العلم أن جوهر المشكلة هو الاحتلال الإسرائيلى للضفة وغزة. ويبدو أن ضابط المخابرات الإسرائيلية فى حاجة لمراجعة تقارير جهاز الموساد، ووزارة الدفاع الإسرائيلية، بل وكذلك التقارير الأمريكية ليعرف أنه لا يحتاج لتوجيه أصابع الاتهام لأى طرف، فالمتهم الحقيقى هو تل أبيب.
دعم إسرائيل لتعميق الانقسام الفلسطينى
على مدى سنوات، اتبعت الحكومات المختلفة بقيادة بنيامين نتنياهو نهجا يقوم على حصار السلطة الفلسطينية فى الضفة الغربية من جهة وتعميق الانقسام الفلسطينى عبر دعم حركة حماس فى غزة من جهة أخرى. هذه الحقيقة تتجاهلها اليوم الحكومة الإسرائيلية وهى تحارب حماس وتتساءل من كان يدعم الحركة ويمدها بالأسلحة. سؤال ليس من الصعب الإجابة عليه، كل ما تحتاج إليه حكومة تل أبيب هو النظر فى المرآة.
كانت الفكرة الرئيسية التى تسيطر على الحكومات الإسرائيلية هى منع عباس - أو أى شخص آخر فى حكومة السلطة الفلسطينية فى الضفة الغربية - من التقدم نحو إقامة دولة فلسطينية.
ووفقا لتقارير مختلفة، أشار نتنياهو إلى ذلك على نحو صريح فى اجتماع لكتلة الليكود فى أوائل عام ٢٠١٩، عندما قال إن على من يعارضون قيام دولة فلسطينية أن يدعموا تحويل الأموال المخصصة لمرتبات الموظفين إلى غزة، لأن الحفاظ على الفصل بين السلطة الفلسطينية فى الضفة الغربية وحماس فى غزة سيمنع قيام دولة فلسطينية.
وفى ديسمبر ٢٠١٢، أخبر نتنياهو الصحفى الإسرائيلى البارز دان مارجليت أنه من المهم الحفاظ على قوة حماس، كثقل موازن للسلطة الفلسطينية فى الضفة الغربية. وقال مارجايت، فى مقابلة أجريت معه، إن نتنياهو أخبره أن وجود خصمين قويين، بما فى ذلك حماس، من شأنه أن يقلل الضغط عليه للتفاوض من أجل إقامة دولة فلسطينية.
وبتعزيز من هذه السياسة، ازدادت قوة حماس أكثر فأكثر حتى يوم السبت السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، بيرل هاربور الإسرائيلى، على حد وصف صحيفة تايمز أوف إسرائيل.
فى الوقت الذى ضغط فيه نتنياهو على السلطة الفلسطينية وحاصرها، كانت حماس تتلقى دعما إسرائيليا بطرق مختلفة يثير الكثير من علامات الاستفهام.
لقد سمحت إسرائيل بدخول حقائب من بعض الدول الخارجية تحمل الملايين من الأموال إلى غزة عبر معابرها منذ عام ٢٠١٨، من أجل الحفاظ على وقف إطلاق النار الهش مع حكم حماس فى القطاع. وفى إطار هذه السياسة تدفق ما يقرب من ٣٥ مليون دولار شهريا لقادة الحركة.
وصفت تال شنايدر، الكاتبة الإسرائيلية هذا المشهد بشكل دقيق فى مقال يعود تاريخه إلى الثامن من أكتوبر ٢٠٢٣، أى بعد يوم واحد من السابع من أكتوبر، وقالت فى معظم الأحيان، كانت السياسة الإسرائيلية تقوم على التعامل مع السلطة الفلسطينية كعبء وحماس كرصيد. هذا ما عبر عنه صراحة بتسلئيل سموتريش، السياسى اليمينى المتطرف الذى يشغل الآن منصب وزير مالية نتنياهو، فى عام ٢٠١٥، وهو العام الذى تم فيه انتخابه لعضوية البرلمان.
لسنوات، كان يتم إرسال ملايين الدولارات شهريا لقطاع غزة، وهى أموال ساعدت فى دعم حكومة حماس هناك. ولم يتسامح نتنياهو مع هذه المدفوعات فحسب، بل شجعها، على حد وصف صحيفة نيويورك تايمز فى مقال بعنوان داخل الخطة الإسرائيلية التى دعمت حماس.
حسب المقال، راهن نتنياهو على أن وجود حماس قوية (لكن ليست قوية للغاية) من شأنه أن يحافظ على السلام ويقلل الضغوط المفروضة على إقامة دولة فلسطينية.
خلال اجتماعاته فى سبتمبر لمناقشة تدفق الأموال إلى حماس من الخارج، وفقا لعدد من الأشخاص المطلعين على المناقشات السرية، سُئل رئيس الموساد، ديفيد بارنيا، سؤالا لم يكن مدرجا على جدول الأعمال هل تريد إسرائيل أن تستمر المدفوعات؟ وكانت حكومة نتنياهو قد قررت مؤخرا مواصلة هذه السياسة، لذلك قال بارنيا نعم. وفى مقابلات مع أكثر من عشرين مسئولا إسرائيليا وأمريكيا حاليين وسابقين، ومسئولين من حكومات شرق أوسطية أخرى، كشفت صحيفة نيويورك تايمز عن تفاصيل جديدة حول أصول هذه السياسة.
كانت هذه المدفوعات جزءا من سلسلة من القرارات التى اتخذها القادة السياسيون الإسرائيليون، وضباط الجيش ومسئولو المخابرات - وكلها تستند إلى تقييم خاطئ بشكل أساسى مفاده أن حماس لم تكن مهتمة أو قادرة على شن هجوم واسع النطاق.
وحتى عندما حصل الجيش الإسرائيلى على خطط قتالية لعملية حماس، ولاحظ المحللون تدريبات كبيرة على الحدود فى غزة، استمرت المدفوعات. لسنوات، شارك ضباط المخابرات الإسرائيلية فى توزيع الأموال من حقائب مليئة بملايين الدولارات، كما تؤكد نيويورك تايمز.
وكتب أفيجدور ليبرمان، بعد أشهر من توليه منصب وزير الدفاع فى عام ٢٠١٦، مذكرة سرية إلى نتنياهو ورئيس أركان الجيش الإسرائيلى. وقال إن حماس تعمل ببطء على بناء قدراتها العسكرية لمهاجمة إسرائيل، وقال إن إسرائيل يجب أن تضرب أولا. وكتب فى المذكرة المؤرخة بتاريخ ٢١ ديسمبر ٢٠١٦، والتى اطلعت صحيفة التايمز على نسخة منها، أن هدف إسرائيل هو «التأكد من أن المواجهة القادمة بين إسرائيل وحماس ستكون المواجهة النهائية». وقال إن ضربة استباقية يمكن أن تزيل معظم قيادة الجناح العسكرى لحماس. وقد رفض نتنياهو الخطة، مفضلا استمرار الوضع الراهن أى دعم حماس. يوسى كوهين، الذى أدار ملف تدفق الأموال على حماس لسنوات عديدة كرئيس للموساد، جاء ليشكك فى سياسة إسرائيل تجاه أموال غزة. خلال سنته الأخيرة فى إدارة جهاز التجسس، كان يعتقد أن هناك القليل من الرقابة على أين تذهب الأموال. وفى يونيو ٢٠٢١، ألقى كوهين أول خطاب علنى له بعد تقاعده، وقال إن الأموال «خرجت عن السيطرة».
تهريب الأسلحة
وإذا كانت الحكومة الإسرائيلية غضت الطرف عن الدعم المالى المقدم لحماس كوسيلة لمنع إقامة دولة فلسطينية، فالسؤال الصعب هو هل كانت إسرائيل مسئولة عن تسليح حماس؟ إجابة هذا السؤال لا تحتاج سوى إلقاء نظرة خاطفة على تقرير صحيفة نيويورك تايمز بعنوان (من أين تحصل حماس على أسلحتها؟ على نحو متزايد، من إسرائيل) بتاريخ ٢٩ يناير ٢٠٢٤.
حسب تقرير التايمز، خلص مسئولون عسكريون واستخباراتيون إسرائيليون إلى أن عددا كبيرا من الأسلحة التى استخدمتها حماس فى هجمات ٧ أكتوبر وفى الحرب فى غزة جاءت من مصدر غير متوقع الجيش الإسرائيلى نفسه.
لسنوات، أشار المحللون إلى طرق التهريب السرية لتفسير كيف بقيت حماس مدججة بالسلاح على الرغم من الحصار العسكرى الإسرائيلى لقطاع غزة، إلا أن المعلومات الاستخباراتية الأخيرة أظهرت مدى قدرة حماس على بناء العديد من صواريخها وأسلحتها المضادة للدبابات من آلاف الذخائر التى لم تنفجر عندما قامت إسرائيل بقذفها على غزة، وذلك وفقا لخبراء الأسلحة ومسئولى الاستخبارات الإسرائيلية والغربية. كما تسلح حماس مقاتليها بأسلحة مسروقة من القواعد العسكرية الإسرائيلية.
وكشفت المعلومات الاستخبارية التى تم جمعها خلال أشهر من القتال أنه مثلما أساءت السلطات الإسرائيلية تقدير نوايا حماس قبل السابع من أكتوبر، فقد أساءت أيضا تقدير قدرتها على الحصول على الأسلحة.
ما هو واضح الآن هو أن الأسلحة ذاتها التى استخدمتها القوات الإسرائيلية لفرض الحصار على غزة على مدى السنوات الـ١٧ الماضية تستخدم الآن ضدها. لقد مكّنت المتفجرات العسكرية الإسرائيلية والأمريكية حماس من إمطار إسرائيل بالصواريخ، ولأول مرة غزو البلدات الإسرائيلية من غزة.
وقال مايكل كاردش، النائب السابق لرئيس قسم إبطال المتفجرات فى الشرطة الوطنية الإسرائيلية ومستشار الشرطة الإسرائيلية الذخائر غير المنفجرة هى المصدر الرئيسى للمتفجرات بالنسبة لحماس. إنهم يقومون بتقطيع القنابل من إسرائيل، وقنابل المدفعية من إسرائيل، ويتم استخدام الكثير منها بالطبع، وإعادة استخدامها فى متفجراتهم وصواريخهم.
يتباهى الجناح العسكرى لكتائب القسام، بقدراته التصنيعية منذ سنوات. فبعد حرب عام ٢٠١٤ مع إسرائيل، أنشأت فرقا هندسية لجمع الذخائر غير المنفجرة مثل قذائف الهاوتزر الأمريكية الصنع.
وقال أحد قادة كتائب القسام للجزيرة فى عام ٢٠٢٠ تهدف استراتيجيتنا إلى إعادة استخدام هذه القطع، وتحويل هذه الأزمة إلى فرصة.
كما أضاف تقرير التايمز أن السلطات الإسرائيلية اعترفت أيضا أن مستودعات أسلحتها كانت عرضة للسرقة. فقد أشار تقرير عسكرى صدر فى أوائل العام الماضى إلى أن آلاف الرصاصات ومئات البنادق والقنابل اليدوية قد سُرقت من قواعد ضعيفة الحراسة. جاء فى أحد أسطر التقرير الذى اطلعت عليه صحيفة نيويورك تايمز نحن نغذى أعداءنا بأسلحتنا.
ولكن المعلومة الأكثر أهمية يقدمها بحث بعنوان (الأسلحة والمخدرات والمهربون التحدى المتزايد الأخير على حدود إسرائيل مع الأردن ومصر) من إعداد مركز مكافحة الإرهاب فى واشنطن بالولايات المتحدة، المنشور بتاريخ يوليو ٢٠٢٣. يؤكد البحث الأمريكى أن الحدود المصرية الإسرائيلية لا تشهد عمليات تهريب واسعة للأسلحة.
عن مجمل عمليات التهريب، أشار البحث من بين ٥٢ محاولة تهريب تم الإبلاغ عنها عبر الحدود المصرية الإسرائيلية، كان هناك ٤٩ محاولة تهريب مخدرات، بينما شملت الحالات المتبقية أسلحة.
قد تتفهم مصر غضب إسرائيل من تدفق المخدرات عبر الحدود، وقد تحاول السلطات المصرية مساعدة تل أبيب فى حل مشكلة المخدرات التى يبدو أنها منتشرة على نطاق واسع هناك، ولكن من غير المفهوم الحديث عن تهريب الأسلحة بينما يؤكد تقرير أمريكى حديث أن الأسلحة المهربة عبر الحدود المصرية مع إسرائيل لا تمثل نسبة تذكر.
كما تحتاج إسرائيل إلى مراجعة تقاريرها الرسمية التى أشارت إليها الورقة البحثية الأمريكية. وفقا للبيانات الموجزة الواردة فى تقرير البيانات السنوى للجيش الإسرائيلى لعام ٢٠٢٢، أى قبل عام واحد من أحداث السابع من أكتوبر، فقد قفز عدد الأسلحة المهربة التى تم ضبطها على الحدود الأردنية أو بالقرب منها إلى حوالى ٥٧٠ قطعة سلاح، وهى كمية كبيرة مقارنة بـ ٢٣٩ قطعة سلاح تم ضبطها على حدود إسرائيل مع لبنان وسوريا، وما يقدر بصفر قطعة سلاح تم تهريبها من مصر فى العام نفسه. قد يحتاج المسئولون فى تل أبيب لقراءة الرقم مرة أخرى لكى يتأكدوا من تقييمات الجيش الإسرائيلى نفسه الذى قال نصا صفر قطعة سلاح تم تهريبها من مصر.
الأمن المصرى
فى مقابل هذه الإخفاقات الإسرائيلية سواء الأمنية أو العسكرية، نجحت مصر فى استعادة الاستقرار فى شبه جزيرة سيناء فى وقت كانت تعانى فيه المنطقة بأكملها من تصاعد التهديد الإرهابى.
ومن جديد على ضابط المخابرات الإسرائيلى أن يلقى نظرة سريعة على الشهادات الغربية، وليست المصرية، التى تثنى على نجاح مصر فى القضاء الإرهاب فى شبه جزيرة سيناء.
كتبت سيمون ليدين المسئولة السابقة فى البنتاجون والزميلة الزائرة فى معهد الأمن القومى بجامعة جورج ماسون أن الدولة المصرية والرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى يمثلان حصنا حاسما ضد الجماعات المتطرفة.
وفى شهادة بالكونجرس الأمريكى عام ٢٠١٨، أشار النائب الأمريكى تيد دوتش فى عالم الإرهاب، كانت مصر قوة قتالية مكرسة ضد خلايا داعش، وخاصة فى سيناء.
وأضاف يعكس تفانى مصر فى محاربة هذه المجموعة الإرهابية الخطيرة أرضية مشتركة مع الولايات المتحدة ونحن فى غاية الامتنان لذلك.
وفى الجهة الأخرى من المحيط الأطلسى، قالت فلورنس بارلى، وزيرة الدفاع الفرنسية السابقة فى حوار مع محطة فرانس إنفو لدينا أيضا علاقة خاصة مع مصر، فهى دولة شاركت لفترة طويلة جدا فى مكافحة الإرهاب، إلى جانبنا، وهى دولة تلعب دورا مهما فى منطقة غير مستقرة للغاية.
هذه الأمثلة هى غيض من فيض للعديد من التقارير الدولية التى ترد على ادعاءات إسرائيل، والتى تحاول إخفاء الحقيقة الواضحة وضوح الشمس وهى أن هجوم 7 أكتوبر هو تجسيد لفشل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.
يبقى فى النهاية الإشارة إلى أن نتنياهو، بتعنته الواضح فى مفاوضات وقف إطلاق النار لا يسعى سوى لتحقيق هدفه الأسمى البقاء فى الحكومة حتى نهاية عام 2026 ومن ثم الفوز فى الانتخابات.