"الإفتاء" توضح حكم وضع كاميرات داخل غرف قياس الملابس ببعض المحلات.. والقانون يعاقب بالحبس 5 سنوات


الموجز

أفتت دار الإفتاء المصرية بحرمة وضع بعض أصحاب المحلات التجارية لبيع الملابس كاميرات تصوير في غرف تبديل الملابس المخصَّصة لقياس الملابس المعروضة، وذلك بطريقة خفية بحيث لا يراها من يبدل ملابسه، ولا يخفى ما في ذلك من كشف للعورات التي حث الشرع على حفظها، تحججًا بأن ذلك من أجل الحفاظ على أمواله من السرقة؟.
 الدكتور شوقي إبراهيم علام، مفتي الديار المصرية، قال إن الإنسان بنيان الله تعالى، أفاض الله عليه نعمه المتكاثرة، وآلاءه المتتابعة، وأجلُّها أن جعله مكرمًا مصانًا بحمى الشرع الشريف؛ فجعل حرمته عند الله أشد من حرمة البيت الحرام؛ فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يطوف بالكعبة، ويقول: «مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ، مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ حُرْمَةً مِنْكِ، مَالِهِ، وَدَمِهِ، وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلَّا خَيْرًا» أخرجه الإمامان: ابن ماجه في "السنن"، والبيهقي في "شعب الإيمان".
وللحفاظ على كرامة الإنسان وحرمته، جاءت النصوص الشرعية بالنهي الشديد عن تتبع عوراته، والأمر الأكيد بسترها؛ سواء أكان ذلك فيما لا يجوز الاطلاع عليه؛ كعورة الجسد لمن لا يجوز له الاطلاع عليها، أو فيما يجوز الاطلاع عليه بإذن صاحبه؛ كبيته، ورسائله، وكتبه.
وصيانة لعورة الإنسان في جسده أمره الشرع الشريف بسترها عن غير الزوجين؛ قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ۞ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾ [المؤمنون: 5-6].
وقال تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ [النور: 30].
وروى الإمام مسلم في "صحيحه" عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلَا الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ، وَلَا يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَلَا تُفْضِي الْمَرْأَةُ إِلَى الْمَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ».
قال الإمام النووي في "شرح مسلم" (4/ 30، ط. دار إحياء التراث العربي): [وأما أحكام الباب: ففيه تحريم نظر الرجل إلى عورة الرجل، والمرأة إلى عورة المرأة، وهذا لا خلاف فيه، وكذلك نظر الرجل إلى عورة المرأة، والمرأة إلى عورة الرجل حرام بالإجماع] اهـ.
وتأكيدًا لحرمة كشف العورة، سلكت الشريعة في ذلك مسلك الترغيب والترهيب؛ فتواردت النصوص بجزيل عطاء الله تعالى لمن يحفظ على الناس عوراتهم، وببيان شديد العقاب لمن يفضحها.
بل وجعلت الجنة مستقرًّا ومقامًا لمن يقع نظره على عورة فيسترها؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «لَا يَرَى امْرُؤٌ مِنْ أَخِيهِ عَوْرَةً فَيَسْتُرُهَا عَلَيْهِ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ» أخرجه الإمامان: الخرائطي في "مكارم الأخلاق"، والطبراني في "المعجم".
وأما الترهيب في النهي عن كشف العورات، فقد تواردت النصوص في بيان أن من يتتبع عورة أخيه يفضحه الله تعالى ولو في جوف بيته؛ فعن أبي برزة الأسلميّ رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ! لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ يَتَّبِعْ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعِ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعِ اللهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ» أخرجه الأئمة: أحمد، وأبو يعلى في "المسند"، والترمذي في "السنن" وحسنه، والبيهقي في "شعب الإيمان".
وعن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، رضي الله عنه، قال: صلينا الظهر خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلمَّا انفتل من صلاته أقبل علينا غضبانًا، فنادى بصوت أسمع العواتق في أجواف الخدور، فقال: «يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ، وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قَلْبِهِ، لَا تَذُمُّوا الْمُسْلِمِينَ، لَا تَطْلُبُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ يَطْلُبُ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، هَتَكَ اللهُ سِتْرَهُ، وأَبْدَا عَوْرَتَهُ، وَلَوْ كَانَ فِي سِتْرِ بَيْتِهِ» أخرجه الإمام الطبراني في "المعجم".
وقد نهى الشرع الشريف عن إيذاء المسلم لأخيه بأي نوع من أنواع الإيذاء؛ قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: 58].
وليس أشد على المؤمن إيذاءً من هتك ستره ومشاهدة عورته في غفلة منه ورغمًا عنه، حتى أباح الشرع له الدفاع عن نفسه ضد هذا الفعل؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَوْ أَنَّ امْرَأً اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إِذْنٍ فَخذَفْتَهُ بِعَصَاةٍ فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ جُنَاحٌ» متفق عليه.
رأي القانون
ونصت المادة (309) مكررًا (أ) على أنه: [يعاقب بالحبس كل من أذاع، أو سهل إذاعة، أو استعمل ولو في غير علانية تسجيلًا، أو مستندًا، متحصلًا عليه بإحدى الطرق المبينة بالمادة السابقة أو كان ذلك بغير رضاء صاحب الشأن. ويعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات كل من هدد بإفشاء أمر من الأمور التي تم التحصل عليها بإحدى الطرق المشار إليها لحمل شخص على القيام بعمل أو الامتناع عنه] اهـ.
وبناءً على ذلك: فإنه لا يجوز لأصحاب المحلات التجارية -تحت أي تبرير أو دعوى- أن يضعوا كاميرات في غرف تبديل الملابس؛ لما في ذلك من الاطلاع المحرم على العورات وكشفها، وهذا من كبائر الذنوب التي تستوجب غضب الله تعالى وعقابه؛ لما في ذلك من تتبع العورات المصونة المأمور بسترها، ولما فيه من الغدر والخيانة بمن يدخلها ظانًّا أنه في مأمن من اطلاع الغير عليه.
أما دعوى الخوف من السرقة فهي لا تبيح هذا الفعل المنكر بحال؛ لأن الحقوق لا يحتاط لها بتضييع الحقوق، وإرادة حفظ الأموال لا تبيح تضييع حفظ العورات، وحق الإنسان في جسده أوجب من حق غيره في ماله، والحق لا يُتوصل إليه بالباطل، ووسائل الحفاظ على السلع والأموال متيسرة متوفرة لمن شاء، من غير حاجة للجوء إلى هذا الفعل الدنيء الذي يحرمه الشرع الشريف وتأباه الأخلاق والقيم والمبادئ.
 

تعليقات القراء