في خطابه بشهر رمضان.. جمال عبدالناصر يعتذر للصعايدة

كلمة الرئيس جمال عبد الناصر فى احتفال رابطة أبناء الهلة ببولاق بأعضاء الثورة بمناسبة ليلة رمضان

٣/٥/١٩٥٤

 
إخوانى أبناء الصعيد.. إخوانى أبناء الهلة:
 
أحييكم وأنتهز هذه المناسبة التى أجتمع فيها معكم لأول مرة فى القاهرة؛ مناسبة ليلة رمضان وأقول لكم كل عام وأنتم بخير.
 
وفى نفس الوقت أعتذر عن التقصير فى زيارة الصعيد؛ فإنى فى مقابلتى لأهل الصعيد كانوا يحتجون دائماً على التقصير فى الزيارة، ولكنا - بإذن الله - سنبدأ فى زيارات متتالية للصعيد بعد انتهاء شهر رمضان. وإنى أنتهز هذه الفرصة لأؤكد لكم محافظتى الدائمة على تقاليد الصعيد وعلى شرف أهل الصعيد، وأعدكم أيضاً أن أكون فى كل أعمالى ممثلاً للرجولة التى اشتهر بها رجل الصعيد، فلا يخدعنى المال ولا تغرنى المظاهر، ولا تأخذنى السلطة أو يغرنى السلطان، ولكنى سأبقى دائماً جمال عبد الناصر ابن بنى مر ابن الصعيد.
 
نعم - يا إخوانى - فسأعمل كما تعملون، وسأكد كما تكدون، وسأجاهد كما تجاهدون فى سبيل المصلحة العليا، لا فى سبيل المصالح الذاتية أو فى سبيل الأغراض الشخصية؛ فى سبيلكم أنتم، ومن أجلكم أنتم ومن أجل أبنائكم، ومن أجل قراكم ومن أجل وطنكم الكبير، ومن أجل آمالكم، من أجل هذا كله قامت الثورة لتمثل عن الآمال العظمى التى يشعر بها الوطن، ومن أجل هذا كله قامت الثورة لتعبر عن آمالكم أنتم، ومن أجل هذا كله قامت الثورة لتسير بالوطن كمجموع، كوحدة واحدة متكاتفة قوية متحدة متعاونة؛ من أجل خير الجميع، ومن أجل عز الجميع، ومن أجل كرامة الجميع.
 
يا إخوانى.. يا إخوانى:
 
أرجو أن نقلل من الهتاف، وأرجو أن ننصت، وأرجو أن نفهم حتى يمكن أن نعمل.
 
لقد قامت هذه الثورة من أجلكم أنتم ومن أجل الوطن؛ قامت لتقضى على الماضى البغيض، قامت لتقضى على الاستبداد ولتقضى على الاستغلال، قامت لتقيم العدل وتقيم المساواة. وإن هذا كله لن يمكن أن يتحقق إلا إذا عملنا جميعاً متكاتفين متعاونين، وإلا إذا نبذنا الرجعيين والخونة، وإلا إذا نبذنا المضللين والمخادعين الذين خدعونا فى الماضى، وضللوا بنا فى الماضى، واستغلونا فى الماضى، واستبدوا بنا فى الماضى، وتحكموا فينا، وتحكموا فى عرقنا وتحكموا فى رزقنا. هؤلاء الناس، هذه الفئة القليلة التى استعبدت الوطن والتى اعتبرته ضيعة لها، هذه الفئة القليلة يجب أن نحترس منها ويجب أن نتنبه إليها، ويجب ألا نعطيها فرصة لتعود مرة أخرى لتعيد الماضى ببغضه وكراهيته. هذه الفئة القليلة التى تتمثل فيها الرجعية، والتى يتمثل فيها الاستغلال، والتى طالما غررت بنا، لن تيأس ولن تهمد، ولكنها ستحاول دائماً أن تستغلكم أنتم لتنجح، وتغرر بكم وبعد هذا تستغلكم. إنها ستضللكم بكل الوسائل وبكل الأساليب، ستحاول أن تخدعكم وستحاول أن تستغل طيبتكم، ولكنكم أنتم يا أبناء الصعيد.. ولكنكم أنتم يا أبناء الصعيد لن تمكنوهم من هذا أبداً، بل ستبقوهم فى الجحور قاعدين.
 
لقد قامت هذه الثورة لتهيئ للمواطنين جميعاً حياة حرة، حياة شريفة، حياة كريمة، وإننا نسير إلى هذا الهدف ونسير فى هذا السبيل، نسير إلى هذا الهدف بالعمل والعمل وحده لا بالكلام ولا بالخداع ولا بالتضليل، فلن نخدعكم، ولن نضلل بكم، ولن نقول لكم كلاماً جميلاً، ولن نقول لكم كلاماً معسولاً، ولكنا لن نقدم لكم إلا عملاً قوياً، عملاً راسخاً؛ فإن الأوطان لا يمكن أن تبنى بالكلام، ولا يمكن أن تبنى بالتضليل، ولا يمكن أن تبنى بالخداع، ولكنها تبنى بالعمل وتبنى بالجهد وتبنى بالعرق. وإذا نظرنا إلى الماضى لوجدنا الكلام كان سبيلنا الوحيد، ولوجدنا التضليل، ولوجدنا الخداع.
 
وإذا نظرنا إلى الحاضر لوجدنا آثار الماضى باقية، وآثار الماضى مخيمة علينا؛ آثار الماضى باقية فى الأرض وباقية فى المال وباقية فى العمل، آثار الماضى باقية فى الحياة الاجتماعية وباقية فى المستوى الاجتماعى. وإننا إذا أردنا أن نعمل اليوم فى رفع المستوى الاجتماعى وإزالة الظلم الاجتماعى، فإننا لابد أن نعمل عملاً متواصلاً وعملاً مجهداً وعملاً قوياً حتى نصل إلى نتيجة.
 
وإنى أقول لكم - أيها الأخوان - إننا لن نتمكن فى وقت قصير من القضاء على آثار الماضى كلها، وإننا لن نتمكن فى وقت قصير من البناء الشامخ، فإذا أردنا أن نبنى يجب أن نبدأ بالدور الأول ثم نكمل بالدور الثانى ثم نكمل بالدور الثالث، وحتى نستطيع أن نصل إلى هذا البناء يجب أن نعمل، ويجب أن نصبر، ويجب أن نفهم، ويجب ألا نعطى أى فرصة للمضللين المخادعين.
 
يا إخوانى:
 
لقد تآزر علينا فى السنين الطويلة الماضية أعداء ثلاث: الملكية والرجعية والاستعمار، وكانت مصالحهم مشتركة، كانوا - الجميع - يستغلون هذا الشعب وأبناء هذا الشعب من أجل مصالحهم الخاصة. واليوم لقد قضينا على الملكية، وتمكنا من أن نزوى الرجعية، ونستعد للقضاء على الاستعمار.
 
اليوم يجب أن نتحد ويجب أن نتكاتف ويجب أن ننتبه، فإن القضاء على الملكية ليس قضاء على كل المفاسد، وليس قضاء على كل الآثار، ولكنه بداية الطريق. وإذا أردنا أن نحقق الأهداف العليا يجب أن نستمر فى طريقنا حتى نصل إلى نهاية الطريق، وإذا أردنا أن نصل إلى نهاية الطريق يجب أن نحارب الرجعية حرباً لا هوادة فيها، ويجب أن نتكاتف فى نفس الوقت لنقضى على الاستعمار؛ فإن الرجعية تتعاون دائماً مع الاستعمار عليكم أنتم وعلى أرزاقكم، وعلى أبنائكم وعلى عرقكم، فإذا تكاتفتم من أجل حربها فإنكم بهذا تحمون أرزاقكم وتحمون عرقكم وتحمون أبنائكم.
 
هذا هو السبيل الذى يجب أن نسير فيه، وإن الطريق الذى أمامنا ليس طريقاً سهلاً ولكنه طريقاً صعباً. إن أمامنا حرباً لا هواده فيها مع الرجعية أولاً ومع الاستعمار ثانياً، وإذا أردنا أن ننتصر فى هذه الحرب يجب أن نؤمن بالله، ويجب أن نؤمن بالوطن، ويجب أن يؤمن كل مواطن بأخيه، ويجب أن يؤمن كل فرد منكم بنفسه، ويجب أن نشعر بأننا قوة لن يتمكن أى رجعى ولن يتمكن الاستعمار من هزيمتها.. وعند هذا، وعند هذا فقط سنستطيع أن نسير فى طريقنا محطمين الرجعية ومحطمين الاستعمار.
 
يا إخوانى:
 
لقد كان المستعمر يقول دائماً: إن المصرى لا يمكن أن يترك بلده، ولا يمكن أن يهاجر منها لا سعياً وراء الرزق ولا سعياً وراء العمل ولا سعياً وراء القوة لوطنه، ولكنكم أنتم - يا أهل الصعيد - أثبتم أن هذه فرية وكذباً وبهتان، أنتم - يا أبناء الصعيد - أثبتم أن المصرى يسعى وراء القوة ويسعى وراء الرزق ويسعى وراء العمل، وأن المصرى يعتقد أن العمل هو شرف للمواطن. وأن المصرى يعتقد أن الهجرة وراء العمل هى قوة للوطن وهى شرف للوطن. وإنى أطالبكم أن تثبتوا أيضاً أن المصرى لن يقبل احتلالاً ولن يقبل ضيماً ولن يقبل استعباداً، ولكنه سيكون دائماً مطالباً بالحرية، ولن يرضى بغير الحرية بديلاً.
 
والسلام عليكم ورحمة الله.
تعليقات القراء