منظمة العفو الدولية: التعديلات الدستورية التي أصدرها الرئيس مرسي تقوِّض حكم القانون

 

قالت منظمة العفو الدولية إن السلطات الجديدة التي اكتسبها الرئيس المصري محمد مرسي تقوِّض حكم القانون وتنذر بمرحلة جديدة من القمع. فالتعديلات على الإعلان الدستوري في مصر، والتي أُعلنت بالأمس، تمنح الرئيس من الناحية الفعلية سلطات غير محدودة وتحول دون أي طعن قانوني في قراراته لحين انتخاب مجلس الشعب (أحد مجلسي البرلمان) الجديد في العام القادم. كما تجيز التعديلات للرئيس إصدار أية قرارات أو اتخاذ أية إجراءات يراها ضرورية "لمواجهة خطر يهدد الثورة او سلامة الوطن".
 
وقال الرئيس مرسي، في كلمة وجهها اليوم، إنه يعمل من أجل الإسراع بالإصلاح وتأمين أهداف الثورة. إلا إن تقويض حكم القانون لا يمكن أن يكون وسيلةً لضمان حقوق الإنسان وضمان تحقيق العدالة لضحايا "ثورة 25 يناير". وفي المقابل، تهيب منظمة العفو الدولية بالرئيس المصري أن يحترم المبدأ المتمثل في أنه لا أحد فوق القانون، بما في ذلك الرئيس نفسه، وذلك بإلغاء التعديلات الأخيرة التي تمنح قراراته حصانةً من الطعن.
 
وبالإضافة إلى ذلك، فمن شأن "قانون حماية الثورة"، الذي أُعلن بالأمس أيضاً، أن تمنح النائب العام الجديد، الذي عُين حديثاً، صلاحية حبس الأشخاص لفترة تصل إلى ستة أشهر بدعوى "حماية الثورة"، وذلك بينما يجري التحقيق معهم بتهم تتعلق بأحكام في قانون العقوبات عن جرائم مرتبطة بالنشاط الصحفي والإعلامي، وتنظيم احتجاجات، و الاضرابات العمالية والاشتراك في أعمال "البلطجة". وعادةً ما كانت هذه الأحكام المقيِّدة تُستخدم لمعاقبة أشخاص على الممارسة السلمية للحق في حرية التعبير وحرية التجمع وحرية تكوين الجمعيات. وبموجب هذا المرسوم الجديد، الذي يُعيد إلى الأذهان قانون الطوارئ سيء السمعة، يمكن حبس أشخاص لمدة تصل إلى ستة أشهر بتهم ملفقة لحين تقديمهم للمحاكمة في نهاية المطاف.
 
كما تقضي التعديلات التي أُدخلت على الإعلان الدستوري بإعادة التحقيقات والمحاكمات المتعلقة بقتل وإصابة المتظاهرين، وكذلك المتعلقة بجرائم "الإرهاب" التي ارتكبها مسؤولو "النظام السابق" ضد "الثوار"، بموجب القانون الجديد. ويلغي التشريع الجديد بعض البنود في قانون الإجراءات الجنائية المعمول به في مصر، والتي كانت تحول دون إعادة المحاكمة استناداً إلى ظهور أدلة جديدة أو ظروف جديدة. كما ينطبق التشريع على جرائم "الإرهاب"، الواردة في "قانون مكافحة الإرهاب" الصادر في مصر عام 1992، والذي طالما كان موضع انتقاد بسبب تعريفه المبهم لمصطلح "الإرهاب". وقد نُقل عن النائب العام الجديد قولُه إنه ستُعاد محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك ووزير الداخلية السابق حبيب العادلي وكذلك بعض مسؤولي وزارة الداخلية. وكان كل من مبارك والعادلي قد حُكم عليهما بالسجن المؤبد، في يونيو/حزيران 2012، بتهم تتعلق بقتل متظاهرين خلال "ثورة 25 يناير"، وذلك في محاكمة انتهت أيضاً بتبرئة ستة آخرين من مسؤولي الأمن. كما ينص القانون الجديد على تعيين وكلاء نيابة وقضاة تحقيق متخصصين لنظر تلك القضايا. ويُذكر أن إعادة المحاكمة بعد صدور حكم البراءة قد تحدث في ظروف استثنائية تجيزها المعايير الدولية لحقوق الإنسان في حالة ظهور أدلة جديدة. إلا إن منظمة العفو الدولية تشعر بالقلق في الواقع من أن السلطة التنفيذية قد تسئ استخدام هذا القانون الجديد لتقويض القضاء وحقوق المتهمين.
 
وفضلاً عن ذلك، فإن التعديلات التي أصدرها الرئيس مرسي تمنع القضاء من حل الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى (المجلس الآخر من مجلسي البرلمان). وكان من المقرر أن تصدر المحكمة الدستورية العليا في مصر حكمها بشأن تشكيل الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى في مطلع ديسمبر/كانون الأول 2012، وكان الكثيرون يتوقعون أن تقضي المحكمة بحلهما كما فعلت مع مجلس الشعب في يونيو/حزيران 2012.
 
وكان الرئيس في فشل في أكتوبر/تشرين الأول 2012 في محاولته لعزل النائب العام، وهو أمر لا يقع ضمن صلاحيات الرئيس بموجب القانون المصري، وذلك في أعقاب براءة جميع المتهمين في المحاكمة بخصوص ما عُرف باسم "موقعة الجمل"، والمتعلقة باشتباكات بين مؤيدين ومناهضين للرئيس السابق مبارك في ميدان التحرير، في فبراير/شباط 2011. كما قضت محاكم جنائية ببراءة معظم ضباط الشرطة الذين قُدموا للمحاكمة بتهمة قتل متظاهرين خلال انتفاضة عام 2011. وخلصت هذه المحاكم عموماً إلى عدم كفاية الأدلة ضد ضباط الشرطة، أو إلى أن استخدام القوة من جانب الشرطة كان مبرراً لحماية أقسام الشرطة من اعتداءات المتظاهرين. وبالرغم من أن منظمة العفو الدولية قد انتقدت أحكام البراءة هذه، فإنها ترى أنه لا يمكن تحقيق المحاسبة وإقرار العدالة عن طريق تقويض القضاء، بل على العكس فإن تحقيقهما يتطلب إصلاح القضاء وتعزيزه.
 
ومن جهة أخرى، خرج آلاف المصريين إلى الشوارع اليوم للاحتجاج على قرارات الرئيس، والتي صدرت في أعقاب أعمال العنف الاشتباكات المستمرة منذ 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2012 بين قوات الأمن المركزي (شرطة مكافحة الشغب) ومتظاهرين في ميدان التحرير وفي شارع محمد محمود المجاور للميدان، وهو شارع يؤدي إلى وزارة الداخلية. وبالأمس، أُضرمت النار في ستوديو قناة الجزيرة التليفزيونية في ميدان التحرير. وكان محمد جابر صلاح، أحد أعضاء "حركة 6 إبريل" الشبابية المؤيدة للديمقراطية، قد أُصيب إصابةً بالغة بعيارات خرطوش يوم 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، كما أُصيب عشرات آخرون خلال اشتباكات مع قوات الأمن المركزي بالقرب من ميدان التحرير وغيره من الشوارع القريبة من ميدان التحرير. وكان المتظاهرون يحيون الذكرى الأولى للمظاهرات الواسعة ضد حكم المجلس العسكري آنذاك، والتي أسفرت مقتل ما يزيد عن 50 متظاهراً على أيدي قوات الأمن.
 
تعليقات القراء