«نتعرض لوشاية حاسد أو غيور في العمل فنتركه وسط الخوف» .. أمل المنشاوي : بعض الجراح دواء وشفاء

الموجز

تقول الكاتبة أمل المنشاوي في مقالها بصحيفة الإمارات اليوم ، كم هي قاسية ومؤلمة، تلك التي يحملها غدرٌ أو خذلان أو خيانة، تصدمنا حين تأتي وسط شعورنا بالأمان والاكتفاء، حين نظن أننا أصحاب الحظ الأوفر في الحياة، وأننا راضون وسعداء، تحفر وجعها في العروق وشماً، وتترك في القلب ندباً، وتأبى الرحيل وتستعصي على النسيان.

وتتابع في وصفها لتاثير الخيانة على الإنسان قائلة ، تغير مسار حياتنا أحياناً بلا هوادة أو ترفق وتنزع جذورنا لتغرسها في أرض جديدة وبعيدة عن تلك التي نبتنا في تربتها وتعودنا عليها.

لا تعترف بالألم الذي نعانيه، ولا تهتم بالأسئلة الحائرة بحثاً عن جواب: كيف حدث كل ذلك ولماذا؟ وكأنها تريد أن تخبرنا أنها مجرد وسيلة «والأمر كله بيد الأقدار».

تصمت ربما لسنوات حتى تصهر جوهرنا لتخرج أفضل ما فينا لنبدأ حياة أخرى وطريقاً مختلفة لا نفهمها إلا قرب اكتمال المسير فيها.

جراحات وعثرات البدايات، بكل آلامها، ثمن متواضع لتصحيح المسار الذي ربما لو أكملناه لشقينا به مهما كانت رغبتنا فيه، وتصبح عوضاً عظيماً عن كل الأحلام الموءودة والضائعة التي لا تناسبنا وتوفيق ورعاية من رب كريم يعلم الغيب دون سواه.

وتؤكد المنشاوي أن للخيانة وجه آخر حيث قالت ، بعض الجراح دواء وشفاء وميلاد عمر جديد وحياة أخرى أفضل من تلك التي رسمناها بخيالنا القاصر أحياناً، والحالم أحياناً أخرى، ندرك تلك الحقيقة بعد أن نختبر الطريق سنوات فنفهم الحكمة الإلهية وراء ذلك التخصص الذي درسناه رغماً عنا، ثم أدركنا بعدها أنه كان ضرورياً لشأن عظيم ينتظرنا في المستقبل، ونتأكد حين نصادف حب حياتنا ونصفنا الحقيقي الآخر، كم الرحمة واللطف الذي أبعدنا عن شخص لا يناسبنا، رغم ما عانينا من آلام وانكسار في البعد عنه.

بعض الجراح دواء وشفاء، حين نتعرض لوشاية حاسد أو غيور في العمل فنتركه وسط الخوف من الغد ليأتي الصباح حاملاً معه كل خير، حين تفتح السماء أبواباً جديدة لعمل أفضل وزملاء طيبين.

بعض الجراح دواء وشفاء حين يخرج من محيطنا أولئك السيّئون الذين عاشرناهم عمراً ثم اصطدمنا بهم لأسباب تافهة، فنؤمن لاحقاً أن صدمتنا فيهم كانت اختباراً حقيقياً لصدق إخلاصهم ومحبتهم لنا.

الجراح الشافية في جوهرها رحمة كبيرة من رب رحيم بنا يعلم ما يصلح حالنا صدقاً، حتى وإن لم يصادف هوىً في نفوسنا في البداية، فمع مرور الوقت وتعاقب الأيام نوقن بأن الطريق التي مشيناها هي الأفضل، والألم الذي عانيناه كان اختباراً لصبرنا وقوة تحملنا، وكان صقلاً لجوهرنا ومقابلاً زهيداً لمعرفة الطريق الصحيح.

من يوم أن التحق وهو كثير المشاكل معي، ويشي بي عند رؤسائي

وفي ذات السياق ورداً على أحد الأسئلة جاء فيه :
سؤالي هو: لي زميل في العمل، التحق معنا قريباً في العمل، ومن يوم أن التحق وهو كثير المشاكل معي، ويشي بي عند رؤسائي، مما دفعني إلى اتخاذ قرار بعدم التحدث معه، ومقاطعته تماماً، وهو زميل لي في نفس المكتب الذي أنا فيه.

وطلب السائل النصح في التعامل مع زميله الواشي ،
قال الشيخ/ أحمد سعيد الفودعي
لا شك أن هذا الأخ أساء إليك في وشايته بك، أو ذكرك بما تكره عند غيبتك، وما كان ينبغي له أن يفعل هذا، فإن للصاحب على صاحبه حقوقاً، فضلاً عن حقوق الإسلام العامة التي تجب للمسلم على أخيه المسلم، ولكن مع هذا -أيها الأخ الحبيب- نحن نتمنى ألا تفعل هذا الذي أنت عليه الآن، وإن كان ليس فيه إثم كما سنبين بعد، ولكن ليس هو الحال الأمثل الذي ينبغي أن يكون عليه الأصدقاء والزملاء، لا سيما إذا كان يجمعهم العمل في مكان واحد، ومحل واحد، فينبغي أن تسود روح الألفة والمحبة.

هذا هو الذي دعا إليه شرعنا الحنيف، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وكونوا عباد الله إخوانا)، وقال: (لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟! أفشوا السلام بينكم)، فالشرع الحنيف يدعو إلى إرساء قواعد المحبة بين المسلمين، لا سيما بين من تجمعهم علاقات معينة، كعلاقة النسب، أو علاقة المصاهرة، أو زمالة العمل، أو نحو ذلك.

لهذا نحن نتمنى أيها الحبيب أن تقوم بنصح هذا الأخ بلطف وإحسان، وتبين له بأن ما يفعله حرام، وأن هذا ظلم، وأن الظلم عواقبه وخيمة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الظلم ظلمات يوم القيامة)، ويقول عليه الصلاة والسلام: (لتؤدن الحقوق إلى أهلها حتى يقتص للشاة الجلحاء من الشاة القرناء)، فتبين له عواقب الظلم، وتذكره بالحساب أمام الله تعالى لعله يرتدع ويرجع.

الأمر الثاني: تطلب من الإخوان والزملاء الخيرين نصحه، ولا بأس في أن تقبل محاولات من يحاول منهم الإصلاح بينكم، لعل في ذلك خيراً كثيراً.

الأمر الثالث: تحاول أن تبادل هذا الأخ الإحسان، فإن النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها، وهذا علاج قرآني أكيد، دعانا إليه القرآن، فقال سبحانه وتعالى: (( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ))[فصلت:34]، فهذا الوعد الإلهي يبين لنا بأن الإنسان حينما يحسن إلى خصمه وعدوه؛ فإن هذا الإحسان كفيل -بإذن الله- بأن يعيده صديقاً حميماً بعد أن كان عدواً مبغضاً.

بعد هذا كله وقبله لا حرج عليك في أن تقتصر مع هذا الأخ على السلام، لكن مع عدم إضمار البغضاء والشحناء له، فتسلم عليه إذا لقيته، وتصافحه، وتدعو له بالخير، وهذا من أمارات الود والمحبة التي ينبغي أن تكون بين الزملاء والأصحاب كما قلنا، ولا حرج عليك في أن تمتنع من الحديث معه فيما زاد على ذلك، لكن كما قلنا: ما هكذا ينبغي أن يكون الحال الأمثل بين الأصدقاء والأصحاب.

تعليقات القراء