جيمي جمال يكتب: لا كهنوت في السياسة

كان الفرعون يحكم وهو ابن الإلهه ، لا يرد أمره ولا يناقش ، بل أن مجرد نقاش أوامره يستدعي المحاكمة و القتل ، كيف تعارض ابن الإله!! ، كيف تعارض الرب!! ، كيف تقف أمام من يعلم مالا تعلم!! ، و بالطبع فرعون بدون سحرته و رجاله الذين قوضوا الشعب ليصبح قطيع يسير طبقاً لإشارة أصبعه ، لا يستطيع أن يفعل أي شئ ، هم جزء أساسي من أركان حكمه ، هم كهنته الذين رسموا في خيال الناس الأساطير المرعبة عن جبروته و قوة بأسه ، وبالتالي وجدوا لأنفسهم مكانً مُعظم  بجواره ، فصاروا يستمدوا قوتهم من أسطورة صنعوها !! 
 
كهنوت الكنيسة في أوروبا تحول من سر من أسرار الكنيسة المقدسة إلى قيود تجبر الشعوب للرضوخ لرجال الدين و إطاعتهم طاعة عمياء في كافة نواحي الحياة ، حتى أصبح الكهنوت يقتل و يسفك الدماء باسم الله ، ولكن في النهاية كان عبارة عن غطاء لمصالح مشتركة بين رجال الدين و أغنياء الأمة!! 
 
داعش وأمثالها الآن يتحدثون عن كونهم أوصياء عينوا من قبل الله على الناس ، أي أنهم يمثلون نفس فكرة الكهنوت، يقتلون تقرباً من الله ، يسبون و يغتصبون لنفس السبب ، ولكن في حقيقية الأمر هم لا يفعلون شئ غير تحقيق مصالحهم لكن باستخدام هالة مقدسة تخلق لهم مكان في قلوب المغفلين الذين لازالوا ينخدعوا في كل  من يتحدثون باسم الله !! 
 
الأمر في مصر الآن أصبح في حقيقة الأمر أشبه بمجموعات تمارس اللعبة السياسية تحت غطاء مقدس ، كلاً خلق لنفسه كهنوت يجرم من ينتقده و يشهر به و يجعله مضطهداً من المجتمع كله ، فالأزهر الشريف لازال يدفع بنفسه في اللعبة السياسية ، و لازال بداخله مجموعات من الأساتذة الذين لا يجدوا أدنى خلاف مع الأفكار التكفيرية بل هم يدافعون عن أفكار الإخوان وأمثالهم ، لك أن تتخيل أن رئيس تحرير جريدة الأزهر هو أحد أكبر الداعمين للإخوان و ليس فقط كذلك بل كل كتبه تستمد أطروحاتها من أفكار سيد قطب ، لكن ليس هذا ما  يهم الدولة ، ما يهمها هو أن يظل الأزهر القيادة حليفاً لنظام حكمها ، يصدر البيانات الرسمية المطابقة لأفكاره وأوامره وفي المقابل تضمن الدولة الحصانة لقيادات الأزهر و تحصن تدخلاتهم في كافة نواحي الحياة أي أنها تضمن كهنوت القيادة وهم يضمنوا رسم صورة الحاكم المؤمن في أذهان الناس ، ولا يهم الأزهر القاعدة -الذي هو الأساس- أي أنها علاقة مصالح ! 
 
الكنيسة المصرية كقيادة ، لا تجد أي أزمة من تحالفها مع نظام الحكم مهما كان شكله أو فكره ، فما يشغلهم هو ضمان استمرار مؤسساتهم الاقتصادية و الاجتماعية في التوسع و التوغل في كافة مناحي حياة الأقباط ، لكن تحالفهم هذا وصل بهم إلى حالات من التزيف وقلب الحقائق بشكل فج ، فوصل الأمر لخروج تصريحات خزاعبلية عن حقائق كلنا أقرينا بها بما فيهم الكنيسة ، الأمر الذي يجعلنا ندعوهم اذا استمروا في تصريحاتهم السياسية هذه ، إلى أن يخلعوا عنهم اللباس المقدس و يتجهوا لممارسة العمل العام داخل الأحزاب أو الجماعات المختلفة ، لكن أن يستمر هذا الهراء طويلاً فهو أمر لا يحتمل و سيجعلنا نتعامل معهم كخصوم سياسين مثلهم مثل أي منافق للنظام !! 
 
الدولة المصرية الآن تتحدث عن رغبتها في حدوث ثورة داخل الأفكار العقائدية و في نفس الوقت لا تجد أي ضرر من تواجد أحزاب دينية ، تفرض أفكارها كما كان يفرض كهنة فرعون أفكارهم ، مما يجعلنا نرى أنه إلى الآن الدولة لا تبيع إلا الكلام المعسول في العلن و في الخفاء ترى إلى أي درجة ستستفيد من تحالفاتها مع تنظيمات تتخذ من فكرة الكهنوت منهجاً في فرض أفكارها ، أي أنها تطمح لتصبح هى المهيمنة على كل مجموعة ترى في نفسها صاحبة فكر مقدس لا يقبل الجدال أو الاعتراض ، وهذا ما يمكن تسميته اللعب بالنار !! 
 
اللعبة السياسية لا تعترف بالثوابت ، فهى لعبة المتغير، تحكمها ظروف مختلفة ، وتقدم الشعوب  التي تتعلم من تجاربها جعلهم يدركون أن رجل السياسة لا يجب أن يتمتع بكهنوت مقدس ، وهو تحت المجهر و يجب معارضته وتقويمه كلما أخطأ، لكن ما يحدث من رجال الأديان باختلافهم و محاولاتهم لتقويض الشعب ليصبح كالقطيع الذي يسير طبقاً لأوامر فرعون هى جريمة لن يغفرها لهم التاريخ و لن ينتفع الوطن بهذا ، و لن يمنعنا كهنوتهم من مجابهتهم كلما تحدثوا فيما لا يعنيهم ، فاللعبة لا تعترف بالكهنوت مهما فعلتم و طبيعة الشعوب أنها تتعلم -ولو ببطئ- و بالتالي عاجلاً أم آجالاً سينكسر كهنوتكم اذا استمر هذيانكم السياسي ! 
 
تعليقات القراء