دعاء سليط تكتب: طابور الصباح «القصير قدام والطويل ورا»

منذ فترة أعكف علي تجنب برامج التوك شوز إلا صدفة، أصبحت تهدد خطراً واضحاً على حياتي الصحية وعلى ثقافة بناتي الصغار، فأصبح البديل متابعة برامج القنوات الكارتونية الخاصة بالأطفال، في الحقيقة لم يختلف الوضع كثيراً، فأصابني إحباط آخر، فما بين شاودر و تنانين برج و بين الوحوش التي تتحدي الفضائيين والأخ أنجلو، تضيع العقول، ابنتي الصغيرة تتحدث لغة غير التي نمارسها في العامية المصرية فتجيبني بنعم، وتسألني بهل تودي يا أمي ، في الحقيقة لا أعترض على اللغة في حد ذاتها، لكن الثقافة بمجملها، لا أستطيع فهم المادة الكارتونية في حد ذاتها؟ ولا أعرف كيف يستفيد بها طفل في عمر البناء الفكري! وحدث ولا حرج عن كمية العنف التي تبث في ذهن الطفل ... في هذه اللحظة فقط فسرت أمام نفسي مشاهد الاشتباك التي دائما أتدخل بفضها بين بناتي العزيزات.

أذكر حدث علي سبيل الخطأ في صباح يوم ليس ببعيد ، وقعت عيني على مذيعة تجلس علي دكة خشب وتجمع حولها بعض الأطفال وكل طفل في يده كتاب يحاول أن يقرأ منه، ويتلعثم ، وتصحح ، لم أفهم ما هو المطلوب ولا لماذا يظهر طفل في هذا العمر علي الشاشة أمام كل أصدقاؤة لا يقرأ جيداً ، بالتأكيد هو سعيد بظهورة علي شاشة التلفزيون ، وبالتأكيد يخبر الجميع أن ينتظروا إطلالة مميزة ليسعد معهم ، فبدلاً من أن يتباهى بظهوره، تجده خجلاً ، وربما نادماً ، وبدلاً من أن ينمو طفل جديد في رحاب التلفزيون كأطفال كثيرون شابو نجوماً لاحقاً ، فنحن نكسر الطموح والأمل والموهبة معاً ، بالتقليل من شأنه.

الخطأ ليس في عدم استطاعة الطفل القراءة جيداً على الإطلاق ، لكن الخطأ الحقيقي يكمن في مجموعة عمل كاملة ، معد ، ومذيعة ، ومخرج ، غير مهنيين ، وفي دائرة أكل العيش ، لايهتم منهم أحد بصنع برنامج أطفال على مستوى مناسب ، أبسط ما فيه ، احترام عقول الأطفال وطفولتهم ، ، تلك المشاهدات كانت في الفضائية المصرية ، صباح يوم جمعة منذ عدة أسابيع ، وانتظرت لأعرف اسم المذيعة المبتسمة ، فلم يأتي ، بل اختصروا وبدأوا أغاني دينية استعداداً للصلاة ،والمذعج أنه بدت لي الصورة وكأنة درس خصوصي لمجموعة أطفال متأخرين دراسياً ومدرسة أكثر منهم تأخر.

التلفزيون المصري الرائد ، وهذا ما يزيد الحزن حزناً ، كانت ماما نجوى ببساطتها وبابا ماجد بأفكاره وثقافته ،عمو فؤاد ، إلى بوجي وطمطم ، عفاف الهلاوي و سينما الأطفال ، التي جمعت جيل بأكملة صباح كل جمعة في انتظار ما تعرضه السينما من أفلام عالمية وعلى مستوى يرقي بداية من الأطفال وصولاً للمراهقين الذين كانوا يخفون متابعتهم ولا ينتهي حرصهم علي المتابعة أبداً ، والسؤال الآن: تلك الأسماء وغيرها أضاءت استوديوهات ماسبيرو لم تقوى على تربية جيل جديد يحمل ربع جينات الإبداع والفكر التي حملوها ؟ لم يستطيع أحدهم علي الأقل ، تسليم الراية لجينات من نفس لون ونوع الجيل القادم ، تتحدث نفس اللغة؟ ولا مذيع واحد في ماسبيرو يستطيع أن يقدم برنامج أطفال يرتقي بفكر الطفل ، ولا جهة واحدة قادرة على إنتاج برنامج أطفال مصري ، لن يرقي طموحنا إلى قناة كاملة ، تسحب المتابعة من القنوات التي أرى بشكل أو بآخر أن نتيجتها ستكون طمس ملامح الطفل المصري لاحقاً ، بل ابتدأت بالفعل ، وبدت واضحة في كلمات يشكوا منها الجميع...ماذا بعد؟

أين مدعي العناية بالمرأة والطفل ، أين هذا المجلس الذي يسعي علي مشاكلهم ، أين مراكز الطفولة ، والاتفاقيات الدولية ، واليونسكو وأي يونسكو آخر محلي أو دولي مهتم بالأطفال ، هل يدرك أحد أن الإعلام أصبح مؤثراً لدرجة تفوق الطعام والشراب ، الحياة أيها السادة لم تعد تملك تلك الأولويات التي ولى عليها الزمن وبليت بمرور الوقت ، فتغيرت المفاهيم ، وأصبحت المواجهات شرسة ، الطفل إن كان يهتم أحد ، هو البذرة لزراعة المستقبل ، تركناهم لبرامج تافهة ، خالية من المضمون حتي الترفيهي ، تعمد بالغ في تفريغ العقول ، توجيه للعنف دون

أدني سبب ، السم في العسل بكل صورة ، يضحوا شباباً ، ثم نشكوا من أفكارهم الشاردة ، وتخليهم عن الأخلاق ، ثم نشكوا تعنتهم ، ثم نلعن من طلب التغيير ، ونترك من لعنه .

من المؤكد بالنسبة لي أن تلك البلد لن تتقدم خطوة ولو صغيرة دون إعادة ترتيب الأولويات ، ولن يدرك المسئولين هذا حتى يتغير مضمون طابور الصباح الذي بني علي قاعدة واحدة ، "القصير قدام والطويل ورا" عزيزي المسئول فلتعلم جيداً أن المطلوب الآن أن يكون ترتيب طابور الصباح كالتالي "الصالح قدام والطالح ورا" ....ارحمونا يرحمكم الله

للتواصل عبر تويتر https://twitter.com/just_me_didi

تعليقات القراء