د.محمد صلاح البدري يكتب: الهيكلة.. مش قلة أدب!!
١
التفت لي صديقي حانقاً :
- حاول أن تكون مفيداً ولو لمرة! ..
يبدو أنه محق بالفعل..
ينبغي أن يظهر العبقري المصري الآن.. ليضع حلولاً غير تقليدية للمشاكل التي نواجهها في هذا البلد.. حتي نستطيع أن نساعد رئيسنا المنتخب..بالعمل..والعمل فقط!
هممت بأن أجيبه أنني قد أقتنعت بوجهة نظره الجيدة..إلا أن اندفاعنا للأمام بصورة مفاجأة.. وصوت الارتطام المعدني الذي انبعث من مؤخرة السيارة التي يقودها صديقي الذي أجلس بجواره .. منعني من إبلاغه هذا الخبر السعيد!
٢
محاولات صديقي للخروج من باب السيارة الذي فشلنا في فتحه بسبب الارتطام ..مع الموسيقي التصويرية من السباب الأنيق الذي اندفع من فمه في نفس اللحظة...كل هذا استغرق وقتاً كافياً..ليفر صاحب السيارة النصف نقل التي تحمل طوباً والتي صدمتنا من الخلف..
ومحاولاتنا سوياً للحصول علي رقم اللوحات المعدنية للسيارة الفارة بائت أيضاً بالفشل..لأنه وببساطة لم يكن هناك لوحات معدنية من الأساس!!
دقائق مرت علينا و نحن بجوار السيارة نحاول تقييم الخسائر التي حدثت لها.. حتي أقبل علينا كائن كنت أظن أنه انقرض..تهللت أساريري فجأة وأنا أرى -ولأول مرة منذ مدة طويلة- ظابط مرور!
يبدو أن الوضع سيتغير بالفعل!
بهدوء واثق و صرامة سأل : ماذا حدث؟!
- في عربية خبططنا من ورا و جريت
- طب في حد لمح النمر ؟
- مكانتش حاطة نمر حضرتك خالص!
- مستحيل.. أكيد فيه نمر بس انتوا مخدتوش بالكوا..
كان رده صارماً قاطعاٍ..حتي أنني نظرت لصديقي و تأملت نظارته الطبية.. و تحسيت مثيلتها التي تزين وجهي.. ثم أردفت بخفوت: جايز!
- طب من فضلكوا حركوا العربية علي جنب عشان الطريق !
- طب واللي خبطنا يافندم؟!
- وأنا هجيبه إزاي؟ كان لازم تاخد نمره ..و بعدين حضرتك تقدر تعمل محضر في القسم لو عاوز..
كان منطقه قوياً بالفعل! ..
هممت بالعودة للسيارة ..ولكنني لمحت سيارة أخرى محملة بالطوب أيضاً تأتي من نفس الاتجاه.. ليست هذه هي المشكلة..الطريف أنها لم تكن تحمل لوحات معدنية هي الأخرى!!
- اهي يافندم عربية تاني من غير نمر!
- فين دي؟
- اهي يافندم قدامك!!... كانت تمر من أمامنا في نفس اللحظة..نظر سيادته إليها نظرة خاوية.. ثم التفت لي: يعني إحنا بنموت في الشارع و كمان حضرتك مش عاجبك؟!
الكارثة أن منطقه مازال قويا ... على الأقل بالنسبة له!
٣
لم يكن غياب أفراد الشرطة عن الشارع المصري هو المشكلة الرئيسية.. بل جهلهم و تقاعسهم عن أداء دورهم الذي يتقاضون من أجله مرتبهم هو المشكلة الأكبر..
لقد قررت وزارة الداخلية أن تعود للشارع المصري مرة أخرى .. و تغلب السادة الظباط علي "الحالة النفسية السيئة" التي يعانون منها أخيراً.. و لكن يبدو أنهم قد قرروا أن يعودوا فقط... ولا يعملوا!
لقد أصاب الترهل هذا الجهاز الخطير منذ أعوام طويلة.. و تحولت مفاهيم ظباطه بشأن المهام الموكلة إليهم بصورة كبيرة.. وأي محاولة للعودة للعمل بنفس المفاهيم ستكون عبث!
في فبراير ٢٠١٤ صرح السيد مساعد وزير الداخلية أن الحديث عن "هيكلة" الداخلية هو "قلة أدب"!!
إلى من بيده الأمر الآن ... إعادة هيكلة المفهوم لظابط الشرطة هو الخطوة الأولى لبناء وطن ... قد يكون يوما "قد الدنيا" !
عزيزي ظابط الشرطة.. كلنا سنموت .. و لكن البعض منا قد قرر أن يكون مفيداً.. حتي تأتي ساعته!
وبالمناسبة... الهيكلة مش قلة أدب !