سقراط يكتب: إنه القاع.. والقادم أسوأ !!
2014-06-11 16:52
في طفولتي كنت أشاهد ذاك الفتي الأسمر، صاحب البسمة الرقيقية، بكار، كان يمرح بين الحقول والأراضي، وكنت أتخيل أن الحياة في مصر تتلخص في تلك المغامرات التي يخوضها بكار، وتلك القيم النبيلة التي يسير علي نهجها هذا الفتي الاسمر..
كنت طفلا، لم أكن أدرك أن الحياة داخل أفلام الكارتون عبارة عن خيال بعيد المنال، صعب أن يتحقق علي أرض الذئاب..
لم أكن أدرك أن الوضع خارج الشاشة يختلف تماماً عن ما يقدم عليها، لم أكن أدرك أن الحياة في بلادنا صارت مجازفة من أجل البقاء، كل هذا لم أكن أعلمه، لأني كنت طفلا، لا يشغل باله بما يدور حوله..
نعيش في فترة انحدار صعبة للغاية، صار الكثيرون يتخاذلون عن وصف الأمور بأشيائها، يبررون ارتكاب المصائب تحت مسميات تخدم مصالحهم، صاروا يتنافسون على الأكثر انحدارا.
إنه مجتمع السبعة آلاف عام، القاطن على شريط النيل، الذي يدعي أنه من أفضل شعوب العالم، لا أعلم لماذا ينفخون في كذبة الشعب الأفضل ؟!!
لا أعلم لماذا يمتنعون عن أن يشاهدوا أنفسهم بالمرآة ؟!!
لما يا أصحاب هذا الادعاء لا تنزلوا إلى الشارع وتشاهدوا إلى أي حد وصلت المهزلة.
الفتاة في بلادنا باتت مهددة في كل خطوة تخطوها، تصوب تجاهها سهام الشهوانية، وكأن عند خروجها من بيتها إلى الشارع هو كالسير بسيارة في طريق معاكس، فرص النجاة تقترب من الصفر والهلاك شئ شبه أكيد!
وسط هذا المستنقع، أجد من يخرج ليقول أن بلاد العالم تتآمر علينا، أظن أنهم يحسدوننا على ما توصلنا إليه من فساد وفشل ورجعية وتردي أمني وأخلاقي، لا أنكر أن للعبة السياسة حسباتها، لكن هواجس التآمر الخارجي أقل خطورة من التآمر الداخلي من قبل الماسكين بزمام الأمور، من قبل من يسنون القوانين، من يطبقون العدل وينفذون الأوامر، من إعلام تحول لأداة رأسمالية تضرب الطبل للفريق الموالي!
إنهم صاروا اذا اعترفوا باتساخ الأمور، يتجهون في نفس التوقيت لوضع نظريات تبرير لهذا الاتساخ والقذارة!
في بلادنا، صرنا نبيع الوهم و نفتح حواديت تروج للجهل، العلم والمنطق تم طرحهم خارج حدود الوطن.
الرجعية والتخلف، صارت تحرك فئة ليست بالقليلة، حتي فكرة السلم الاجتماعي صارت مهددة، العواطف باتت تقود والعقول صارت متخاذلة، والحق صار يعرف بالرجال، ومن كانوا ينددون بجرائم الغد صاروا يفتحون قنوات لتبرير جرائم اليوم و المستقبل.
وأنا أتحدث عن مجتمع يظن في نفسه التقوى، العلم، والتقدم، وكأني استحضر مشهد ذاك الحرامي الذي يستهل جريمته بعبارة "يا رب استرها "..
نحن الآن نعيش في أسوأ فترات عمرنا، خاصة في آخر عقدين، أي منذ التسعينيات!
فطيور الظلام صارت تضع للبلاد استراتيجياتها، والشعب صار لا يدرك أنه وصل به الانحدار إلى القاع، وينكر دوماً هذه الحقائق، بالرغم من ثبوتها علي أرض الواقع، لا تحلموا بالأفضل مادام لم تنقدوا الأسوأ، مادام لم تتعلموا كيف يجب أن تكون الحياة، لابد أن تدركوا أن لا نجاة إلا بالعلم و المنطق، و إعمال دولة القانون، والعقاب الرادع لأي منتهك لحق الحياة، وأن المرأة كالرجل حرة في اختيار أي شكل تكون عليها حياتها!!
أتعلمون؟ القاع لم يعد يحتمل، فنحن نتعمق إلى أسفل من القاع، والقادم لن يكون خير بل مزيد من الفشل والانحدار وقد نتحول في لحظة من أقدم دولة في التاريخ إلى أسرع دولة تخرج من إطار البشرية و تنحرف بعيداً عن القيم الإنسانية!!
للأسف بعد كل صدمة أصاب بها من الواقع أتذكر كم كنت مغفلا في طفولتي، للأسف لم أعد أصدق بكار!!
تعليقات القراء