د.محمد صلاح البدري يكتب: خلف أسوار الجامعات!
١
ارتفع صوت الهتاف حتي أصبح مزعجا بالفعل..فتنظر من النافذة المجاورة لك..لترى المشهد المعتاد... طالبا يمتلك لحية قصيرة غير مهذبة.. محمولا علي عنق أحد زملاؤه..في وسط مسيرة طلابية ..يحمل بعضها لافتات صفراء مقيتة.. و يحمل البعض الأخر لافتات بيضاء تحوي سبابا من النوع الرفيع ..الذي قل أن تجد مثله في أيام السبكي التي نعيشها!!
... لطيف أن تجد البعض الذي مازال يؤمن بعودة مرسي !
لا تستمر مراقبتك للهتافات طويلا .. فلا تلبث أن تتحول إلى معركة بين أمن الجامعة والطلبة.. و تبدأ قطع الطوب في التطاير في الهواء أمامك .. فتتحول عيناك سريعا إلى سيارتك التي تقبع أمام باب الكلية.. و تدعو الله أن تبقي سليمة هذه المرة
تلمح مدرعات الشرطة خارج البوابة الحديدية و هي تهدر بصوت أكثر إزعاجا من الهتافات ..وتبدأ الأجواء تأخذ شكلا ضبابيا ..بعد أن يبدأ سيناريو إلقاء قنابل الغاز من قبل مدرعات الداخلية التي تقبع خارج أسوار الحرم الجامعي.. والتي تنتظر سماع صوت الهتاف .. لتبدأ في ممارسة هوايتها!!
أصوات تكسير زجاج النوافذ والأبواب تبدأ في التصاعد تدريجيا ..فتبتعد عن النافذة التي تراقبهم منها كي لا تصيبك شظايا الزجاج حين يقوم الطلبة بتكسيرها كالمعتاد!!
كلاهما -الطلاب والشرطة- يبذلان أقصي ما يستطيعا .. لجعل الأمر دمويا بالقدر الكافي..ليناسب المشهد الذي يريدان إخراجه ...
البعض يصر علي استكمال الحل الأمني للنهاية!!
٢
-أنت بتكسر في جامعتك ليه يا بني؟
- عشان نرجع مرسي تاني
-وأنت لما تعمل كده هيرجع؟!
-صوت صرصور الحقل!!
هو لا يعلم لماذا يفعل..هو لا يعرف سوى ما أرادوا أن يعرفه...هو -للأسف-لا يعلم لماذا سيموت!!
٣
لا شك أن هناك الكثير من العنف الذي يحدث يوميا في كل جامعات مصر تقريبا..ولم يتمكن الأمن المدني من السيطرة عليه...ولن يفعل.. هذه حقيقة..
ولكن الذين ينادون بعودة رجال وزارة الداخلية إلى حرم الجامعة لا يمتلكون تصورا أيضا..لما يمكن أن يفعلوه -أيا كان عددهم-تجاه مظاهرة طلابية تحوي ألف طالب فقط بخلاف تسميم الأجواء بالغاز!
٤
لقد قرر الإخوان أن ينقلوا ملعب المباراة إلى الجامعات..فالطلبة لا تمل ولا تهدأ-بحسب ما صرح لي أحدهم-
ولا تعرف لليأس سبيلا.. والطالب إن كان بلا قضية ..ابتدعها...
الكل يعرف هذا.. إلا فئة قليلة. وبالصدفة هي الفئة التي تتولى أمر الجامعات المصرية هذه الأيام!!
.فكانت النتيجة..أن يطلب مجلس الجامعة الذي تسبب في خروج الحرس الجامعي من الجامعات..أن يعودوا ثانية!!
٥
تركة ثقيلة تركها لنا نظام مبارك..جامعات مخترقة من تنظيم مشوه و مشوه للأفكار ..لقد ترك لهم الساحة أعواما طويلة..واكتفى بمنع ممارسة العمل السياسي..عدا الذي ينظمه الحزب الوطني فقط بالطبع!
أعواما طويلة ومكتب قائد حرس الكلية هو من يحدد اختيار-وليس انتخاب-أمين اتحاد الطلاب..فتكون النتيجة أن يتحول اتحاد الطلبة الذي يفترض أن يمثلهم إلى "مشروع أمن الدولة القومي لتربية العصافير"!!
سؤالا كان معتادا أن تسمعه -أو ربما أنت من تسأله-عقب كل حوار يجمعك مع أكثر من خمسة طلاب في ساحة كليتك في تسعينيات القرن الماضي...حتي ولو كان الحوار حول العلاقة العاطفية التي انتهت بين "أحمد و مني"!!
-هو مين اللي كان واقف معانا ده؟!
٦
إن الذين قضوا سنوات الدراسة الجامعية ينتظرون إجازة الخميس وارتداء بدلة الفسحة..ذات الأزرار الذهبية..لا يدركون أهمية هذه الأعوام في تشكيل وعي وثقافة وفكر..بل والاتجاه السياسي للطلبة!!
٧
الهدف ...كان خروج الأمن "السياسي" من الجامعات..واستقلال الجامعة عن أي نوع من الوصاية .. والذي كان ينبغي أن يصاحبه خطة لإعادة تشكيل الوعي السياسي للطلبة ..وتدريبهم علي ممارسة الديموقراطية ..مع حفظ كرامتهم و حريتهم في التعبير عن رأيهم...
والنتيجة ...كانت خروج الأمن بالكامل..سياسيا و جنائيا..وترك الساحة لأذناب الإخوان لبث سمومهم بين الطلبة ...ولا بأس من بعض العنف ... وكأن الجامعة ليست جزءً من هذا الوطن ..والسادة ظباط وزارة الداخلية مسئولون عن حمايته و إقرار الأمن فيه !
لقد اكتفت مجالس الجامعات بتوقيع قرارات الفصل للطلاب دون أن تحاول حل المشكلة فكريا معهم...ولم يتسائل أحد...أين سيذهب الطلبة المفصولون؟!هيهاجروا؟!
إعادة تشكيل الوعي السياسي للطلبة أصبح ضرورة.. وتفعيل دور الأستاذ الجامعي في الريادة لم يعد من أجل أن "يحلل" مرتبه فقط ...والأمن "الجنائي" لا ينبغي أن يتم تحريم دخوله أي قطعة من أرض الوطن...و العام الدراسي المشوه الذي قضيناه لا ينبغي أن يتكرر ثانية..فلا مستقبل للهروب !!