مروان يونس يكتب: هل سقوط الإخوان.. سقوط لدولة يناير!!
2013-04-14 21:36
طالما حلم المصريون بدولة كبيرة وقوية، دولة ربما تخرج من تابعيات الغرب وتابعيات الشرق ربما رآها البعض كمنوذج تركي أو نموذج لدول الخليج الناهضة والقافزة أو حتى لبعض دول أوروبا الصغيرة...
عاني المصريون خلال جمهورية ثورة 1952 (الأولى) وذات الثلاث أعمدة (ناصر سادات مبارك) من بعض الضغوط، والتي تنوعت حسب رؤية كل منهم لمصر وللمستقبل وماذا يريدون الوصول إليه...
فكان يريد ناصر التخلص من التابعية الغربية ويسعى لحلم العروبة واحياء حلم القومية، فقد قام بتغيير بوصلة مصر السياسية لذلك الغرض من الغرب للشرق والذي كلفة الكثير، و كان للسادات حلما كبيرا والذي حمل نقطة الانطلاق، تحرير الأرض ثم تحرير الاقتصاد وتحرير العقول، وأيضا كلفه كثيرا جدا حتى تم اغتياله على يد مَن حررهم مِن السجون وسمح لهم بالعمل العام، و جاء آخر جنرال في هذه الدولة -دولة يوليو- وكان له حلما هو الاستقرار والنمو الهاديء ولو على حساب الحريات السياسية، وكلفه هذا التحول البطيء بالحريات لقيام ثورة أطاحت به، وسببها عدم اللحاق بأحلام الوطن بالحرية أو نمو الفساد الذي ارتبط بشيخوخة نظامه الناتجة من طول فترة الحكم...
جاءت يناير وسقطت الجمهورية الأولى ودولة الجنرالات الثلاثة بأحلامها، وجاءت دولة انتفاضة أو انقلاب أو ثورة يناير "كما تراها "، بنيت دولة يناير على تحالف رئيسي مكونا من المجلس العسكري والإخوان المسلمين والنخبة و تياراتها المدنية وتكتلات ثوار الميدان، ولكن الأهم بغطاء أمريكي دولي مبارك لهذه الحركة أو هذه الثورة وكان سببا رئيسيا في إسقاط النظام...
بدأت دولة يناير مع استلام المجلس العسكري للحكم من بعد مبارك كما قامت هذه الدولة باختيار قواها السياسية الرئيسية القائدة للتوجه السياسي بنفسها، و نظرا لاختلال موازين القوى فقد أنتهت على قوتان حاكمتان بشكل نهائي كأعمدة دولة يناير وهم دولة الإخوان ودولة المجلس العسكري ، هذه الدولة التي وجهت مصر إلى هذه النتيجة منذ استفتاء يناير و اللذان دعموا وبقوة "نعم" سواء إلهية أو عسكرية أو استقرارية، كما اتخذت الجمهورية الثانية نفس معارضة الجمهورية الأولى بنفس الرموز بغرض لعب نفس الدور السابق وبغرض الحماية لهم فكلهم أبناء الثورة، اعتقادا من قطبي النظام المجلس العسكري ومكتب الإرشاد في أن هذه المعارضة المدنية هي الغطاء المدني اللازم والمناسب دوليا ومحليا...
للأسف بدأت الجمهورية الثانية في التكون على أسس الجمهورية الأولى بل ومحاولة فرض حالة من طغيان الأغلبية، ظهرت هذه الحالة من خلال صندوق انتخابات لا يعبر إلا عن توافق الثلاث قوى الحاكمة سواء الرئيسية أو الفرعية من المعارضة وأنتجت لنا أول انتخابات مجلس شعب وشورى نزيهة (إعلاميا فقط) مجالس نيابية مروعة لا تعبر إلا عن مصالح نوابها ثم تلى ذلك انتخابات رئاسية موجهة عاطفيا و أمنيا ومن خلال الترهب والرعب للشعب لاختيار محمد مرسي للرئاسة كمندوب لمكتب الإرشاد في إدارة البلاد...
فكان طبيعيا جراء هذه العملية الانتخابية التي لم تضمن أي قواعد نزاهة أو احترام للقانون و الدستور أن يكون نتيجة لها حالة سيطرة قسرية للإخوان على مفاصل الدولة من خلال فرض رجالها قيمين عليها، فقد كان حكام يناير خير خلف لخير سلف وهو الحزب الوطني، فلم يأبهوا حتى باستحداث آليات جديدة للحكم سوى بعض الأفكار الفاشية من التيار الديني ( المفترض ثوريا ) ومن ذلك تدخل رموزهم الدينية ليس للعمل بالوعظ والإرشاد ولكن في العمل السياسي المباشر فاستحدثت آلية المساجد والدعوة على المنابر والتكفير كاحد أهم الآليات...
لم تلبث أيضا أجزاء متعددة من الجمهورية الأولة أن تعلن ولاءها للثانية والتي لم تجد بينها فرقا فأعلنت الولاء المبكر لهذا النظام وهو الذي حافظ على عقائدها الرئيسية وأهمها عقيدة أكل العيش والمشي جوه الحيط والتي تتيح لأنصاف الموهوبين البقاء في الخدمة والاستمرار والترقي مقابل الطاعة، وكان أهم خطوات الجمهورية الثانية هي ابداء التعاطف مع هذه الفئة وتضخمت أجهزة الدولة بالتعيينات ورفع المرتبات وتثبيت العاملين معتقدين أنهم سيكونوا الظهير الاجتماعي الداعم لها وهم آكلي العيش...
كان لدولة يناير أخطاء أخرى خلاف الخطأ الاستراتيجي وهو التعامل السياسي الاجتماعي مع الشعب المصري فبدأوا في عملية ميكافيلية "فرق تسد" لشق الصفوف وتصفية المعارضين، بل أستمروا في حملات الاغتيال المعنوي على أي معارض لهم فكري أو سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي أو حتى ديني، فخرج أكثر من نصف الشعب من دائرة اهتمام دولة يناير سواء متهما أنه عدو الله ومن الكافرين، سواء متهما أنه مستفيد من النظام السابق، سواء متهما أنه فلول، سواء كنبة لافائدة منهم وأحيانا اتهموا بانهم عبيد للنظام السابق أو مفسدينه أو فاسدنه...
استمر نظلم يناير في استخدام الاغتيال المعنوي لمعارضيهم مع توسيع التعريف بل وصل للمتلقي العادي أو المواطن العادي الخائف من المستقبل على أيدي قيادات الدولة الجديدة، فاستمرت حملات التصفية النفسية والقهر تمارس من جميع أجهزة الإعلام بداية من يناير إلى هذه اللحظة حتى وصلنا إلى نظام نصف شرعي وبنصف شعب مهمش وذلك مع إضافة عنصر قاسي جدا وهو القضاء على حلم يناير والذي تحول من انشاء دولة قوية حديثة لدولة غير فاشية فقط لا غير...
فقد الشعب الثقة في دولة يناير بالتدريج وكان جليا واضحا هذا الفقدان خلال أعداد الناخبين الذين ذهبوا لصناديق الاقتراع على الدستور والتي شملت حشدا من الجانبين فلم تصل ل 50 % من الناخبين المسجلين في الكشوف...
أوصلت دولة يناير مصر لحالة من الفوضى وحالة من الاحتقان وفقدان الثقة غير عادي، فقدان ثقة فني في حكومة ونوايا حزب يدعي الأغلبية وفقدان ثقة نضالي في المعارضة بل وصل ليأس ديني وأخلاقي بعد انهيار الرموز الدينية بسبب تسييسهم للدين مما أفقده مضمونه...
وصلت دولة يناير لفاشية جديدة في سرعة عجيبة، فلازالت قياداتها الحاكمة ترى القانون انتقائيا صنع لخدمة الحاكم، ولازالت معارضته تلعب نفس الدور أيام مبارك بل بنفس الرموز، ولا زالت أيقونات الثورة تمارس نفس الآداء التخويني الذي يحمل الصلف لكل من يعارضهم حتى بات الشعب المصري إما فلول للتيار المدني أو فلول للتيار الديني مما وجه الاحتقان الحالي لشكل جديد ليس في مواجهة الإخوان ولكن في مواجهة النظام...
وزاد دولة يناير فشلا هو الأداء الاقتصادي العجيب للحكومة والآداء العشائري الأعجب للرئيس والذي رأيناه بكل وضوح معلنا من خلال مواقفة أنه رئيسا لبعض المصريين وليس كل المصريين فها هو ينفض للطمأنة على إسهال شباب الجماعة ولا يأبه حتى بتليفون لبطريركية الكرازة المرقسية أحد أعرق الكنائس بالعالم ومن أشدها وقارا مما جعل الشعب المصري تحت الاغتيال الاقتصادي والسياسي والاجتماعي بل والاعتقادي...
لم يخرج من هذه الدولة سالما سوى المؤسسة العسكرية وهي التي اتخذت التوجه الأذكى، فلم تدخل الصراع السياسي بشكل مباشر سواء لدعم جبهة إنقاذ أو دعم حزب حاكم فتركت الساحة ربما لتستعيد أنفاسها بعد 18 شهر حكم أفقدها بعض قدراتها أو سمعتها أو ربما لذكاء بالغ جعلها تستشعر مبكرا أن دولة يناير ولدت كالنعجة دوللي المستنسخة للنظام القديم ولكن ليس بفاشية مرنة مثل النظام السابق ولكن بفاشية دينية ثورية عشائرية مما سيجعلها علميا قصيرة العمر جدا، فآثرت الابتعاد حفاظا على المؤسسة وحفاظا على الوطن...
ومع الوضع الحالي بدأت تظهر بوادر انفراط عقد السلطة والذي ظهر أولا من خلال حركة شارع تخطت جدران وقواعد المعارضة الشكلية الحالية وإعلان الشارع عن نفسه بديسمبر الماضي...
وثانيا بداية ظهور كتل ثورية جديدة مثل شباب الأحزاب و البلاك بلوك وخلافه وبداية تحرك الثوار خارج الكتل الثورية التقليدية نتاج 25 يناير...
ثالثا نوعية العنف العام والتي ارتبطت بانهيار الأمن وانعدام الثقة فيه لتسييسه الواضح...
رابعا الظهور الجلي لعدم تمكن معارضة مبارك (النخبة الحالية) على معارضة الإخوان بجدية وإيثارها اتخاذ الوضع 2010 وهو المناسب لقدراتها المحدودة...
خامسا ظهور نغمة الخوف العام من المستقبل المرتبط بالأزمة الاقتصادية القادمة والتأكد من انعدام قدرة دولة يناير الحاكمة أو معارضتها على تقديم بديل...
وأخيرا موقف الجيش المحايد والمصر على محايدته حيال أي أحداث وعدم الانزلاق، بل العجيب عدم تصريحه إلى الآن للإخوان بأربع كلمات سحرية وهي "نحن مع شرعية الرئيس" ...
ولذلك فدولة يناير لم تحظى بالقوة أو التماسك إلى الآن، فاتخاذها للوطن غنيمة من أجل المصالح والتغيير الاجتماعي في صالح من يدعون أنهم من الثورة بل حتى لم تهتم بالمواطن البسيط وهو الظهير الاجتماعي والتي افترضت الثورة أنها قامت من أجله بل عملت دولة يناير فقط على استكمال العمر الافتراضي الذي كان متبقيا لنظام الجنرالات الثلاثة والذي كان "حيموت موتة ربنا" خلال سنوات تعد على اليد الواحدة...
فلا أستغرب حاليا حالة الهدوء والتفكر والتدبر للكل، ولا أستبعد أن يكون قريبا هناك حراك اجتماعي تسقط بسببه هذه الدولة لتبنى دولة جديدة على أهداف يناير التي لم تعد محل اهتمام للنظام الحالي بجناحيه سلطة ومعارضة...
و لكن إن لم تستطع القوى المدنية إعادة إنتاج نفسها من خلال معارضة حقيقية أومناسبة للظرف السياسي وأحلام الشارع قد ربما نجد أنفسنا أمام دولة جنرالات جديدة لن نستطيع تحديد أي ملامح لها حاليا سوى أنها ستبدأ عملية انقاذ فوري للوضع ولكن إلى أين لا نعلم!!
فالبوصلة حينها ستكون مرتبطة بقدر الوطنية وأهداف يناير، فإن تذكروها وتذكروا ماذا كان يطالب الشعب المصري به ربما تحقق الحلم ولكن على كل أن يلعب دوره الوطني الآن فلا وقت سواء للمعارضة الحقيقية إلا أن تقدم بديلا جديدا ومبتكرا أو سواء للجيش في وقف النزيف فورا وعدم ترك الوطن لانزلاق ولإفلاس شامل أو حرب أهلية وعنف شارع واستباحة حدود من الجيش....
فسقوط دولة يناير المتوقع سيسقط فيلقيها السياسيين الإخوان أو معارضتهم الشكلية.
تعليقات القراء