مروان يونس يكتب: نجح د. مرسي وفشل الرئيس

 

 
ليس غريبا و ليس نوعا من انعدام التقدير لجماعة الإخوان المسلمين تمسكهم بالدكتور مرسي كرئيس للجمهورية أو نعته أنه أحد أنجح الرؤساء في تاريخ مصر، بل محقق الإنجازات الإلهية التي لا طاقة لبشر بها...
 
كما أنه أيضا ليس بغريب الحب والتقدير لثلثي السلفيين (الإخوان منهم أو التابعين للجهاد) أن يبادلوا نفس الشعور لجماعة الإخوان المسلمين أو الحلم، ومن ذلك استمرار تغنيهم اليومي بإنجازات دكتور مرسي، مما وضع المجتمع المصري في حالة تساؤل، ماذا ترى هذه المجموعات في د.مرسي لتستمر في تأييده رغم رؤية الغالبية عيانا بيانا إنهيار مصر الوشيك؟؟
 
حقيقة لم تكذب هذه المجموعات السياسية الدينية،  فالرئيس مرسي هبة من السماء لا يمكن التنازل عنها أو استبدالها، لكن الاختلاف الحقيقي بيننا حول معايير تقييم النجاح للرئيس سواء كنت منهم أو من المصريين..
 
أولا: اختلاف حول تعريف الثورة ونجاحها، إن المجتمع المصري سواء من الثوار أو محبي الاستقرار أو كما يسمي البعض بالفلول قد وصل لقناعة أنه من الضروري استكمال البناء على أهداف ومباديء الثورة الأصلية، وهي الحرية والديمقراطية والمساواة والتي تكون تحت مظلة الديمقراطية والقانون وتدعمها دولة مؤسسات محايدة، كما لا يتذكر أي من الثوار أن من أهداف الثورة تطبيق الشريعة بوجهة النظر القطبية أو الوهابية أو كانت ايران يوما ملهمة للميدان بدولتها الفاشية الدينية، فالمكان الذي يريده الثوار لمصر يختلف عن المكان الذي تريده هذه التيارات...
 
فكان لنجاح الرئيس في تطبيق أهداف الثورة معيارا اخر فثورته ليست ثورتنا، فثورة الإخوان وجماعاتهم هي الثورة الدينية (المتسترة في الإسلام) والتي ترغب في التمكين وإرساء قواعدها بأقصى سرعة، كما لم تكن من أهدافها يوما حرية أو مساواة أو غيره، فهي مبنية على فئة تعتنق الدين الجديد وتكون مكتملة الحقوق وذات تمييز إيجابي وفئة ضالة ترفض الدين الجديد وخارجه، فلم يكن يوما قياسا للنجاح تحقيق أي أهداف للثورة أو تقديم حياة أفضل للعباد ولكن فرض دينا جديدا يسمح لهم بممارسة سلطاتهم كأنصاف آلهة وفئة ناجية على الشعب...
 
فقياس نجاح الرئيس بالنسبة لهم لا يخرج من حجم الخطوات التي أتخذت لتلك الغاية،  وحقيقة وخلال 9 اشهر يكفي فخرا للرئيس هذا الدستور الذي يرعي التمييز ويرعي تشكيل هذه الدولة بقوة القانون ولو بعد حين...
 
ثانيا: الاختلاف حول جدوى دولة المؤسسات للجمهورية الثانية، هنا نجد النجاح للرئيس والجماعة في القضاء على هذه المؤسسات، فمعركة القضاء على المؤسسات أصبحت واضحة بل هناك رغبة ملحة الآن للجماعات العرفية أن تحول الدولة لشكل مهترئ مناسب لهم مُبارك لوجودهم العرفي كمجموعات وعشائر مسيطرة وحاكمة فوق المؤسسات، ولنا العبرة من حصار المحاكم والأقسام منذ يناير وإلى الآن، فنجاح الإخوان والرئيس في هذا المجال حقيقة مبهر، ففي 9 شهور جاري هدم القضاء والشرطة واختراق الجيش وتسييس كل وظائف مصر الإدارية لصالح العشيرة...
 
ثالثا: الاختلاف حول الشهداء وتعريفهم بلطجية أم ثوار، فلا زال هناك لبس في تقييم مرسي من موقف الشهداء أو حقوق الشهداء أو مضمون قضيتهم، ففي الطريق إلى التمكين كل من رفع لافتة ضد هذا التوجه فهو منطقيا عدو للثورة (الدينية) وفلول بكل تأكيد، بل بلطجي لا يريد استقرار النظام السياسي الجديد للجمهورية الثانية، وكافر عدو لله، فمقاومة التوجه نحو التمكين مهما أسيلت بسببه الدماء أمرا مذموما كما أن في سبيل التمكين يهون كل شيء حتى الدماء ...
 
ولنتذكر هنا بعض المواقف تمكننا من تقييم دماء الشهداء بالنسبة لهم، فكم كانت دماء الشرطة رخيصة أثناء حرب الإرهاب بالثمانينات والتسعينات مقابل إنشاء دولة الرب بمصر أو حتى أثناء ثورة يناير (حسب ما يُعرف إعلاميا بمصر) وكم هي غالية طالما كانت في نصرتهم الآن، وكم كانت دماء الثوار ذكية بيناير وتحولت لدماء بلطجية خونة وممولين الآن...
 
أما بالنسبة للعنف، فليس بغريب عدم الرغبة الحقيقية في إنهاء العنف والتفاوض مادام السير على درب التمكين للجمهورية الثانية، فكما نعلم أن رافضي الدين الجديد مستباح دمائهم ونوع من التطهير لمصر من أعداء الله والدين وأعداء الثورة، فتأديب الشعب ضرورة ليتواكب مع أفكار الجماعات الظلامية  والذي هدفه الوصول بالمجتمع لصورة بدائية من السمع والطاعة لم تخرج من مخيلتهم من 80 عام... وهنا نجح مرسي فمهما حدث حوله فهو سائر على الطريق...
 
المحور الرابع: تقييم النجاح الاقتصادي، اختلف كثير من المصريين على سوء إدارة مرسي وقنديل للأمور في مصر مما زاد الحياة صعوبة على المصريين وينذر بغضب شديد بل أصبح من المدهش إصرار الرئاسة أن الموضوع عادي جدا..
 
فللعلم، ولتتم أي ثورة بنجاح لابد من تغيير سياسي اقتصادي اجتماعي شامل، ويكون هذا التغيير الاجتماعي والاقتصادي بغرض حماية الثورة الجديدة (الدينية هنا) فتغيير طبقات المجتمع وإظهار طبقة جديدة من رجال الأعمال التابعين للجماعة ضرورة وجوبية لأي فاشي لتساعدة في البقاء وتقود المجتمع بالمال...
 
ومن ذلك فإن عملية ملاحقة رؤوس الأموال والمستثمرين وتطفيشهم قسريا ليس إلا خطوة لازمة حتى يستتب حكم آيات الله بمصر، فلن يصلح مع حكمهم أن يكون الاقتصاد خارج أيديهم كما أن هذا الإفقار  التطفيش سيتيح التغيير الاجتماعي وتقليب طبقي للموالين أولا...
 
حتى أكبر مخاوفه وهي هوجة للجياع، فترى التيارات الدينية أن هذه الهوجة بنموها ستكتسح الثورة الحقيقية وستمكنهم من لصق تهمة انهيار مصر لأي معارض تجهيزا للإعدام الجماعي لاحقا، فليس غريبا بشائر الجمهورية الثانية وعمليات الاغتيال المعنوي والتخوين الحالي لزملاء الميدان كتجهيز لمرحلة القصاص منهم وليس من قتلة المصريين....
 
المحور الخامس: وهو النجاح الأمني أو كما يسمى بالاستقرار، إن نجاح الثورة يراها الأغلبية في الوصول لهذا الاستقرار والذي من مظاهره العودة لحالة أمنية مناسبة ومنها عودة مؤسسة الشرطة لوضعها الطبيعي في خدمة الشعب وبدون القيام بدور سياسي جديد، فبالأمن يعود الاستثمار ويبدأ التطوير...
 
لكن للأمن رؤية جديدة بالجمهورية الثانية، فمن غير الممكن لفاشية ناشئة الاحتفاظ بمؤسسات الدولة على وضع الحياد، فلابد للجمهورية الثانية من أمن خاص (حرس ثوري) يكون نواة للتسييس وأدلجة المؤسسات بالكامل، ومن ذلك صباغة مؤسسات العنف المشروع  أيديولوجيا ليتوائم مع رغبات الفاشية الجديدة في السيطرة والبطش..
 
فانهيار الأمن بل والجيش بغرض إنشاء شرطة وجيش المرشد غاية لا تنازل عنها، فقد نجحت الرئاسة ذراع الإخوان في تفتيت الأمن وإخراجه مجددا من الشارع وزيادة الشق الاجتماعي بيننا وبينهم بعد أن بدأ في الالتئام وتحاول حاليا اختراق الجيش بكل وضوح...
 
فإن هدم الأمن بأنواعه أو الأمن السابق أو التقليدي نجاح كبير، فهو سيفتح المجال للعنف الديني المطلوب من دعاة الدين الجديد وأيضا غلق ملفات الإرهاب للأبد واستبدال جيش وشرطة مصر بحماس جديدة وعز الدين القسام جديدة وجيش إسلام (وهابي) جديد ليبقى الشعب رهينة جديدة للنظام...
 
الاختلاف السادس: هل مصر غاية أو وسيلة؟ هنا يأتي خلاف جوهري مع تقييم نجاح أو فشل الرئاسة، فبالنسبة لأغلب المصريين بخلاف أعضاء الإخوان والجهاد أن تنمية مصر الكبيرة والقوية هي الغاية الكبرى التي من مظاهر مواطن كريم يحيا حياة كريمة، ولكن تختلف هذه الرؤية للجماعة فمصر فرع من شيء كبير يسمى التنظيم العالمي، رغباته وأهدافه فوق رغبات وأهداف الوطن وأبناءه وبالمنطق..
 
فمصر ليست بالنسبة للرئيس إلا وسيلة ونقطة الانطلاق لأستاذية العالم وانشاء الدولة الإسلامية الكبرى، فمعاناة مصر أو حتى تفكك وتفتت مصر من أجل الوصول لهذا الغرض شيئا مرحبا به بل هو الخير المطلق في وجهة نظرهم، وكما قالوها واضحة طظ في مصر وكما يريدون تقسيم ومشاركة الأرض..
 
فمصر جزء من عالم افتراضي كبير لحلم الجماعة وهو الإمبراطورية العظمي للمرشد ولا يلزمه منها سوى جيشها ليسيطر من خلاله على دول الجوار كمحتل جديد، فليس فشلا بل انجازا في نظر الرئيس نصرة رجاله حتى لو على أبناء الوطن، فالمواطن الإخواني هو الفئة الناجية والعليا ومصلحته فوق الجميع في مصر أو خارجها... ولنا المثل في تطور الخطاب الإعلامي والسياسي لحماس مثلا والتي احتسبت نفسها شريكا رئيسيا في مصر العظمى، وذلك برعاية الرئيس الناجح جدا في هذا الملف أيضا...
 
و من ذلك يتضح الاختلاف الرئيسي بين الشعب المصري بغالبيته حتى المتدين منه وبين الجماعة، فهذا الاختلاف ليس حول حقوق تظاهر أو شهداء، ولكن اختلاف شامل بين رؤية المواطن وسلطة الدولة، ولذلك فإنه من الموضوعية السياسية والواقعية أن نضع نصب أعيننا أن المشكلة الأكبر بين مصر والإخوان هي تعريف الدولة من الأساس وليس حقوق المظاهرات أو القمع أو الفلول أو غير ذلك..
 
فالمصري الطبيعي بحث عن حلمه في بلد قوية تشمل الجميع وحلم الثائر الديني بجماعة قوية تشمل مصر ،فلنعترف أن الرئيس أبهر الجماعة بانجازاته ولكن بالنسبة لمصر الوطن فهي تعاني كل المعاناة ومعرضة للفشل والانهيار، فلا عجب الآن من إنجازات الرئيس النسبية لصالح جماعة وضد الوطن...
تعليقات القراء