مروان يونس يكتب: «التمكين» الآن... أو «اللعنة» الآن!!

 

مع إصرار الشعب المصري على الحصول على حريته، تتابعت موجات الغضب للثورة المصرية (حسب الإعلام المصري) أو الانتفاضة المصرية (حسب الإعلام الغربي)، ومع تتابعها واحدة تلو الأخرى بدأت إحداث تغييرات طفيفة وشروخ بالنظام، فهي لم تستطع تحقيق سوى مطلب واحد إلى الآن وهو سقوط مبارك، كما أصبح جليا واضحا أنها لم تستطع تغيير أو تحسين أو حتى تجميل النظام، فبكل أسف تعثرت الانتفاضة بعد الخطوة الأولى ولم تنتج سوى زيادة المعاناة للشعب المصري على كل المستويات وحالة استبدال للنظام من النظام نفسه من خلال معارضته الوفية وهي الإخوان المسلمين..
 
ففي أي ثورة محترمة في العالم عادة يسقط النظام ومعارضته الوفية ويسموهم معا (القوى الرجعية - الفلول) فهذه المعارضة ظلت خادمة للنظام تتستر من خلال أداءها التمثيلي الديمقراطي على ديكتاتورية أو فاشية، بل كان يحرص على إبقاءها بجواره خادمة له ولاعبة لدور الفزاعة للداخل والخارج، فللأسف خٌدعت الثورة وأتت بأول رئيس للثورة من هذه القوى الرجعية أي الثورة المضادة الحقيقية والتي لا تتعدي آمالها الثورية استبدال الكراسي مع النظام السابق...
 
وكأي قوى رجعية بدأت في ترميم ما تم هدمه من النظام بسبب هوجة يناير، ومن ذلك اتخاذ وضع رئيسهم الوضع حسنيا مباركا وبأسرع وقت (مع احترام الفارق بين الاثنين لصالح مبارك)، فاعتمد مكتب الإرشاد خطة (ا) للتمكين أو السيطرة الكاملة و هي التمكين الناعم ، فمن خلال مؤسسات مزورة تضفي الشرعية على كل تصرفاته وتقننها وتكون مدعومة بمؤسسة شرطية محتفظة بعقيدتها السابقة "حماية أي فرعون" أعتقد أنه سيتمكن من فرض السيطرة الكاملة وإسكات أية أفواه قد تطالب بتغيير حقيقي للنظام، ولا ننسى أن كل ذلك لابد أن يكون تحت مظلة جيش محايد صامت خارج اللعبة مضغوط عليه خارجيا بواسطة الراعي الرسمي للجماعة وهو البيت الأبيض...
 
 فلم يكن غريبا من الإخوان ورئيسهم الإلهي مع تنفيذ الخطة (ا) للتمكين أن يبدأوا فورا حربا نفسية مع الشعب المصري من أول يوم، محورها الأول حملات التشويه والتخوين لأي رموز معارضة، ومحورها الثاني وعلى خطوات مبارك بدأ صنع البديل المرعب والذي هو جزء من النظام أيضا وهم ووصولا لصنع بديل مخيف وأكثر رعبا من بديل مبارك والذي كان الإخوان، ببديل جديد وشريك جديد وهم السلفيين الجهاديين، ومحورها الثالث بث انعدام الثقة بين الشعب وبعضه بدعم الشق الاجتماعي والصراع، ومحورها الرابع بث انعدام الثقة في المصري ذاته من خلال حملات الترهيب من الجماعة وميليشياتها وأسلحتها المرعبة وزيادة حجم الجماعة بالونياً في خيال المصريين بغرض إقناعهم بضرورة الخنوع...
 
فلم يتورع النظام عن نشر حملات الرعب ومباركة ظهور كل الإرهابيين المعتزلين على شاشاتنا المصرية الحكومية بل والخاصة، ليصرحوا ويهددوا ويتوعدوا الشعب المصري أنه في حالة الإطاحة بالمشروع الإسلامي لمرسي فهناك المشروع الإسلامي للقاعدة والظواهري، بل تطرفوا للوعيد بحرق البلد كالعادة، كما لم يتورع في اإغماض العين عن حوادث مثل الاتحادية ومباركة أداء الجناة لشق المجتمع كما أصر على تصدير الأخبار المرعبة حول الأسلحة الفتاكة والأعداد المهولة للجماعة السرية وهي الإخوان...
 
وتماشيا مع الخطة ومع تزايد الغضب بدأ النظام في استدعاء أدوات وخبرات النظام السابق ومنها تفعيل دور الشرطة كآلة للبطش والترهيب والإرهاب في مواجهة أي اعتراض، وكأي قوة رجعية لم تتوارى أو تتوارب في نواياها، بل ظهر لنا الرئيس في خطبة إصبعية يلوح بسبابته للمصريين متوعدا بعنف أكثر وأشد ومثنيا على الأداء الشرطي الممتاز والذي استفتح مرحلته الثانية من مقاومة الثورة بـ50 شهيد في بورسعيد، و نظرا لنضب الإبداع عند الإخوان بدأوا في وصف كل من قاوم بطش الشرطة بالبلطجية حاملي المدافع الرشاشة والجرينوف بل ضاربي النيران على الطائرات الحربية على غرار أفلام الحرب العالمية الثانية ووصف معارضيهم بالخونة...
 
ولكن استمر الغضب والمقاومة لإرادة النظام وتواصل العنف فبدأ النظام فقدان أحد أهم أدواته وهي الشرطة، فمع اعتصام الشرطة أو بداية غضب الشرطة ووصول حالة الثورة وعصيان الأوامر داخلها،  والذي تزامن مع تزايد الضغوط الأمريكية بضرورة تنفيذ الاستحقاقات وأيضا وصول الإخوان لحالة استنفاذ لكل الميراث التاريخي والخبرات في استخدام أدوات النظام السابق (مع كامل الاحترام للنظام السابق الذي كان أكثر حرفية بفارق واضح) .... ارتبكت الجماعة.... وارتبك أيضا المقاول العمومي للربيع الإخواني... فالاستحقاقات لم تسلم بل "زاد الطينة بلّة" الوضع الاقتصادي المشين لمصر..
 
وبسبب الفقر الإبداعي الواضح للجماعة، بدأ مكتب الإرشاد استدعاء نموذج آخر ليس بجديد للسيطرة على مصر، فقد وصل أخيرا لقناعة أنه مع هذه الضغوط لن يمكن تمرير أي شيء بهدوء وبالأخص التمكين، فانتقلنا لطريق جديد للتمكين وهو الخطة (ب - التمكين الخشن) و استدعاء نموذج غزة...
 
بدأ الإخوان المسلمين وسط حالة الارتباك غزونة النموذج المصري ، ربما ليس من خلال التطابق و لكن على نفس الاسس ، فأستكمل النظام برضا كامل مباركة اشعال الوضع الداخلي المصري وعلى كل المستويات بل و دفع الشرطة سياسيا للانهيار مع  تحميل المنافس أو المعارض كل الأغيار تهمة الخيانة و العمالة بل و الانفلات نفسه ...
 
اعتقد النظام أنه في حالة الفوضى سيرضى المجتمع بأي نظام يستطيع تأمين افراده وفرض الأمن في الشارع وباأي أسلوب وبأي ثمن، ليكون الإخوان ورجالهم في مصر بديلا لكل شيء سواء شرطة، جيش، سواء سلطة محليات إلخ إلخ ... كما أنه وسط هذه الحالة لا يكون هناك مجال لأي انتخابات أو ديمقراطية أو أي شيء، كما ستسمح بتمرير كل ما يرغبون من قوانين ومنها الوفاء بالاستحقاقات الأمريكية المرهقة وبأسرع فرصة ومن ذلك الحفاظ على حليفهم الاستراتيجي وراعيهم الرسمي...
 
فلا عجب من دفع الوضع المصري نحو الاشتعال طالما سيصل بنا لنفس النتائج، فاستقرار مصر الذي يراه مكتب الإرشاد ليس له إلا طريق واحد وهو الرضوخ للتمكين...
 
ولكن أين جيش حماس من المجاهدين المدربين في مصر الذين سيفرضوا إرادة الإخوان؟؟ فمبارك قد منع التدريب للميليشيات والمعسكرات كما ظل يلاحق آلة صنع المجاهدين لثلاثين عاما متصلة حتى أصبحت غير قادرة على تفريخ وصناعة سوى جيش صغير للجماعة لا يتناسب مع الوضع المصري..
 
اعتقد الإخوان أنهم يمكنهم استبدال فكرة حمسنة التنظيم المصري (نسبة لحماس) إلى اللجوء لكوكتيل من المجاهدين مرحليا، هذا الكوكتيل مكون من: أولا، ميليشيات جاهزة من السلفية الجهادية والذي راهن مكتب الإرشاد أنهم يستطيعون إعادة اإنتاج حالة الثمانينات بالصعيد لحالة موديل 2013 على كل مصر، ثانيا، بواسطة الموالي للإخوان من بقايا الشرطة، وثالثا، غطاء مدني من بعض الألتراس الذين اخترقهم الشاطر (ولا نقول الأغلبية) ومظلة قانونية يوفرها لهم النائب الخاص بالجماعة المدعو "المدعي العام المصري" و الذي فتح المجال بتفعيل الضبطية القضائية للمواطنين ولشركات الحراسة...
 
اعتقد الإخوان أن هذا الكوكتيل سيستطيع الصمود مرحليا كوضع مؤقت لحين السيطرة الكاملة ثم استدعاء الجيش الحقيقي المدرب والمجهز من الإخوان في غزة وهي حماس الحقيقية وكتائب عز الدين القسام، و لكن تظل هذه الخطة ضربا من الجنون إلا في ظل بعض المعطيات:
 
الأولى: نجاح التيارات الجهادية في تخويف المصريين، ومنه النجاح في تفعيل خطة النائب العام وانتشار اللجان الشعبية والمواطنين الشرفاء (بدقن) الذين سيكونون شرطة موازية..
 
الثانية: إقناع الأب الأمريكي بضرورة استمرار الدعم وإيهامه أنه لا مجال لتنفيذ الالتزامات الإخوانية إلا من خلال دعم تنفيذ الخطة (ب) وهي التمكين الخشن (حمسنة النموذج المصري) ومن ذلك اضطراره للعمل دوليا على إغماض أعين المجتمع الدولى واعطاء غطاء سياسي للجماعة لأعمال العنف المتوقعة..
 
الثالث: توافر عدد كبير من القيادات بالجيش (موائمين أو محبين أو مقتنعين أو إخوان ) قادرين على عمل توجيه معنوى داخلي و"مرهمة" للضباط الوطنيين سواء من جيل القيادة أو الوسط أو الصغرى (الفاهمين) وإقناعهم بضرورة عدم التدخل وترك الوضع الداخلي بغرض دفع الأمور بهدوء للوصول لنقطة اللاعودة...
 
هذه النقطة التي ستكون في حالة التمكين الناعم انتهاء عملية الانتخابات الصورية المزورة لمجلس الشعب وإعلان تمكين الإخوان بالقانون على مصر، وفي التمكين الخشن الوصول بمصر لحالة الفوضى الشاملة القانونية والأمنية السياسية تجعله غير قادر على السيطرة حتى في حالة التدخل فيفضل اتخاذ الوضع متفرجا ليصل لنفس وضع الجيش الإيراني مع ظهور وسيطرة الحرس الثوري الإيراني خلال أحداث مشابهة اأتقد يعرفها الكثير منا الآن...
 
نهاية، فللقصة بقية ولازالت الخيارات مفتوحة، فها هو الأب الأمريكي متردد بضغط أوروبين  وها هو الشعب يعيش حالة الأدرينالين الزائد جراء موجات الثورة المتلاحقة والتي جعلته ربما أكثر عنفا من الإرهابيين أنفسهم، وها هي بوادر استفاقة لبعض القيادات بالجيش والتي بدأت بالاغتسال من طبقات متعددة من المرهم السياسي الذي تعرضوا له منذ تولي طنطاوي والإيد الواحدة مقاليد الحكم ..
 
فكما علمنا التاريخ، فالشعوب هي من تكتب تاريخها بإرادتها ولا أعتقد شخصيا كمحلل أن ينجح مخطط التمكين الخشن وحمسنة مصر والذي في رإيي إن فشل فلن يكون نهاية لحلم التمكين ولكن للجماعة بالكامل، فان استفاق الشعب والجيش لما يحاك بهم فربما قد أخشى على الإخوان أنفسهم من حالات بطش اجتماعي ربما تنتاب الكثيرين جراء السقوط...
 
وأخيرا، كم يذكرني المشهد المصرى بمشهد مماثل من فيلم صلاح الدين حين خاطب ريتشارد قلب الأسد وهو فاقد للأعصاب مخمور أكبر أساقفة بمقولته الشهيرة "البركة الآن ... أو اللعنة الآن"، في مصر ربما تشابة حالة فقدان الإخوان للأعصاب بحالة ريتشارد ولكن بطلب "التمكين الآن ... أو اللعنة الآن" و أعتقد أنها ستكون اللعنة الآن...
 
تعليقات القراء