مروان يونس يكتب: الشرطة.. والثورة الثانية

 

كانت أحداث ما قبل يناير عصيبة، نعم كانت هناك حالة من الاحتقان تعم الأجواء في مصر، وحقيقية لا يخفى على أحد أنكم فعلا كنتم الحاكم الفعلي للبلاد وأهم أركان النظام السابق في وقت كان الحكم في مصر يعاني من الشيخوخة والضعف مما ألزمه أن تكون الذراع الأمنية هي الضامن الوحيد للبقاء...
 
كنت لا ألوم الشرطة كثيرا حينها بقدر ما ألوم النظام في إصراره أن تقوم أجهزة الشرطة بعملةه السياسي وتنفيذ و تمرير إرادته السياسية، و التي لم تجد لها الشرطة سبيلا للتمرير إلا من خلال زيادة البطش والسيطرة والقمع...
 
ربما كان الشيء لزوم الشيء، فلم تكن تستطع الشرطة المصرية السيطره على الشارع إلا من خلال الامتيازات ومن خلال مباركة تخطي القانون والذي لو كان طبُق ما كان من الممكن الإبقاء على النظام السابق لفترة 30 عام..
 
وصل بنا الاحتقان لأحداث يناير والتي كانت الفراق بين النظام والشرطة والشعب، أعجب الجمع الإخوان وكتائبهم الدولية المتعددة واختاروا توقيت جمعة الغضب 28 يناير للقصاص الشعبي من الجهاز وكسر أهم مفصل للنظام...
 
كُسرت الشرطة في جمعة الغضب، فبينما كان الثوار سائرين إلى ميدان التحرير للاعتصام كان هناك من يحاصر 99 قسم شرطة وبعض السجون الأخرى لأغراض مختلفة منها انهيار حالة الأمن والتي بدورها ستضغط إضافيا على النظام لتحقيق المطالب... فمع تتابع الأحداث وغياب الشرطة المكسورة بدأ النظام في التنازل تدريجيا أمام الضغط الشعبي حتى وصلنا إلى التنحي واستلام المجلس العسكري لشئون البلاد...
 
كان من توابع يناير الانهيار الأمني، فبدأ المواطن يشعر تدريجيا أنه لا غنى عن الشرطة بل ارتفعت الأصوات مطالبة بعودتها وبسرعة، حقيقة لا أخفي عليكم كانت المحاولات للعودة واضحة ولكن دائما كانت مصاحبة باحتجاجات وشهداء من الطرفين..
 
كان هناك طرفا ثالثا، إن كان مزعوما لنسميه عدم انتهاء حالة الغضب من الطرفين وإن كان حقيقيا فقد قام بنفس الدور، فقد أبقى على الشارع ملتهبا باستمرار والشرطة متهمة باستمرار أيضا ومن ذلك تأجيل العودة للدولة لحين الانتهاء من تنفيذ جميع مطالب الإخوان والتمكين...
 
ومع بدايات حكم الإخوان والذي لم يختلف كثيرا عن الحكم السابق، بدأ الدكتور محمد مرسي في اتخاذ نفس درب النظام السابق، فبدى نظامه منفصلا عن الواقع بل وُلد في شيخوخة، فكان للنظام الجديد محورين أساسيين في ترسيخ الحكم الأول: اجتماعي معتمدا على شق صف المجتمع "فرق تسد" ومحورا ثانيا أمنيا قمعيا يرى أن الشرطة المصرية هي الجهاز الوحيد المؤهل للعمل عليه...
 
فتم اختيار الشرطة مجددا للقيام بالدور السياسي للنظام الجديد وكان الاختيار بسبب عدم قدرة ميليشيات الإخوان في العدد والعتاد على فرض سيطرة الرئيس الإله على هذا العدد الكبير من المواطنين الغاضبين والمتواجدين في الحارة المزنوقة وهي القاهرة، عمد الدكتور محمد مرسي على استخدام عصا الدولة في التمكين ومن ذلك استثمار حالة غضب الشرطة ورغبة العديد من قوات الشرطة في العودة على حالة 2010 لترسيخ حكمه من خلال إعطاء الضوء الاخضر لهم للبطش بلا محاسبة (وقتية) واستعادة دور الباشا مقابل ترسيخ الحكم الجديد...
 
اعتقد نظام الإخوان أنه بهذه الطريقة ستتمكن جماعته من كل مفاصل الدولة وبدون أية تضحيات وتوفير ميليشياتها قليلة العدد والعتاد داخل أرض مصر (لا نتكلم عن حماس) حتى إشعار آخر وطلب العون من الشرطة نفسها...
 
وحينها فالخير خيرين، فسيقوم بإضافة ما لديه من ميليشيات على قواتها (الحرس الثوري) لتساعدهم على تنفيذ الأجندة ومن ذلك مكسبا آخر وهو زيادة سرعة اختراق أجهزة مصر السيادية وهي آخر الاجهزة في أجندة المرشد...
 
للأسف تم وضع الشرطة في موقف حرج بل خطير فإما فازت في المعركة ومكنت الرئيس وأعلنت ولائها إخوانيا كتابعية منطقية للانتصار... إما انهزمت نصف هزيمة وتمكن الرئيس من الشرطة والدولة معا بشكل أسرع من خلال تطعيمها بالميليشيات الإخوانية... إما انهزمت هزيمة كاملة ونزل الجيش لحماية حكم المرشد... الله أعلم ماذا سيكون مصيره في عهد محمد مرسي فهو أيضا سيتم تنفيذ نفس الأجندة عليه في حالة عدم الانقلاب الفوري على الحكم فور النزول....
 
و لكن لننظر -بأعين المحتجين- للموقف السياسي، فالثوار يرون أنفسهم الحاجز الأخير قبل أخونة مصر و تحولها لنظام فاشي أشد قمعا اضافة لاحساسهم أن حلمهم قد سُرق بواسطة رفقاء الثورة وتعاون أجهزة الدولة السيادية في ذلك، إضافة إلى إحساس الجميع ثوار وغير ثوار ورغم التصريحات الإعلامية أن أخونة الدولة شر لابد منه وأن المؤسسات السيادية المصرية متوافقة على ذلك وعواقبه...
 
ففي نظر الشارع، لا يرى الثائر غضاضة في اتهام النظام كاملا بجناحيه شرطة للتواطؤ وجيش للصمت، فبذلك وجد المبرر لمهاجمة الشرطة بشراسة وتحول المظاهرات من سلمية (والتي لم تغني ولم تثمن من جوع) إلى مظاهرات عنيفة يرى أنها السبيل الوحيد للخروج من الأزمة ونفق الإخوان المظلم..
 
فالشرطة المصرية الآن وبكل أسف وضعت نفسها بين شقي الرحى، بين تنفيذ إرادة سياسية غير مشروعة والالتزام بالأوامر الفرعونية مقابل مكافأة وهي عودة لحالة 2010 ولو بدقن، أو عدم الانصياع ومواجهة مصير اللواء أحمد جمال الدين أو الانشقاق على بعضها وللأسف الجيش ربما يعاني نفس المصير ولكن مؤجلا...
 
ولذلك تمر معركة تكسير عظام مصر بردا وسلاما على الإخوان، ففي حالة نجاح الشرطة منفردة في تنفيذ الإرادة أو من خلال المشاركة مع الميليشيات أو حتى نزول الجيش لتنفيذ هذه الإرادة، و بعد ما المولد ينفض سيكونا -الشرطة والجيش المصري- متهمان جديدان إما بالعنف والقتل للمصريين ومن ذلك اتباع نظام التطهير الناعم والبطيء لهذه الأجهزة وإقصاء القيادات غير الموالية تحت دعاوى حماية حقوق الإنسان.
 
أو عرضة للتطهير الخشن من غير الموالين للنظام الإخواني بجميع أجهزة الدولة السيادية من خلال إلصاق تهمة الطرف التالت الجاهزة للاستخدام فور التمكين...
 
فللأسف الوضع الحالي مهما كانت نتائجه حتى لو انسحبت الشرطة أمام المتظاهرين أو حتى لو نزل الجيش الشارع أو لو وصلت مصر لأشد اللحظات فوضوية فالفائز الوحيد هو الإخوان لما لديهم من قناعة بدأت تمر للشعب أن المؤسسات السيادية المصرية تحمي دولتهم بل تساعدهم في بناء نظاما فرعونيا جديدا..
 
فعزيزي ضابط الشرطة، عند التفكير في حال الوطن يجب أن تقف على بعض الحقائق:
 
أولا: أن انشاء أو محاولة التستر أو المساعدة في ترسيخ حكم نظام فاشي جديد غير مجدية، كما أنكم لو استطعتم الابقاء عليه من خلال تأمين تجاوزاته القانونية والدستورية والتزويرية باجراءاتكم السيادية وبالقوة فإن النظام سيسقط سيسقط ولو بعد حين...
 
ثانيا: يجب ألا يغيب عنكم الإحباط للأغلبية والناتج من فشل تجربة حشد الملايين سلميا خلال ديسمبر للمطالبة بوقف تخطي القانون وسيادة القضاء ودستور متوازن رغم كونها مطالب بديهية ومشروعة بل من واجبكم أنتم الحفاظ عليها...
 
ثالثا: فلنقر جميعا أن مقاومة الشرطة وأعمال العنف من المتظاهرين خطأ كبير ومرفوض، ولنقر أيضا أن التستر على حصار المحاكم ومساعدة نظام على تخطي القانون واستخدام ميليشياته للتعذيب وسكوتكم عليه أمرا مرفوضا أيضا...
 
رابعا: إن مع استمرار الإقصاء فالنتيجة المؤكده هي زيادة حدة ونوعية عنف المواجهات والتي بالتأكيد ستوصلنا إلى طريق مسدود شعبا وشرطة بل وجيشا في مرحلة أخرى..
 
خامسا: إن رسائل نبذ العنف ودعاوي عدم مقاومة الشرطة التي تستخدمونها هي مسكنا موضعيا وليس علاجا للموقف، فأنتم تعلمون أن في باطن هذه الرسائل طلبا للاستسلام لإرادة الجماعة، فحتى إن نجحتم فالرابح الوحيد هو الإخوان، كما لم يمنعكم هدوء الشارع من الذهاب لنفس المصير من تطهير أجهزتكم السيادية المصرية من المواليين لمصر واستبدالهم لمن ولاءه للقمة العيش أو المرشد وأيضا تذكروا أن تهمة الطرف التالت التي يلوحون بها جاهزة لكم الآن...
 
وقولا واحدا أيضا فنحن كمصريين نريد عودة الشرطة في خدمة الشعب وليس في خدمة النظام.. ولذلك وعلى أقل تقدير ونظرا للظروف الانتقالية التي نعيش فيها، فنلوم عليكم، فبدلا من الضغط على النظام لشراء غاز مسيل جديد أو مدرعات جديدة أو بدلا غير قابلة للاحتراق كان من الأفضل أن تمثلوا الشعب ولتضغطوا عليه وعلى أقل تقدير توجيهه لما فيه صالحا للوطن بدلا من حماية تجاوزاته...
 
إن الصمت والإصرار على الانحياز لإرادة النظام وليس للقانون أو الصالح العام أو حتى استعمالكم الحياد في مقابل السحل والقتل هو ما ألهب الشارع وزاد هوة الفرقة والعنف، فللأسف لازالت الشرطة تحتفظ بدور المتهم الوحيد بل وتزيد الأزمة يوما بعد يوم رغم أن الشرطة من الشعب ولشرفائها نفس مصير شرفاء الشعب في الدولة الجديدة، فالمستقبل واحد...
 
فلا أعتقد أن للوطن مخرجا إلا من خلال انضمامكم لمطالب الشعب الآن وبدون تأجيل حيث أن دفع البلد للفوضي أمر بالغ الخطورة فربما لن تستطيع كل أجهزتكم ولو أضفنا عليها ميليشيات الإخوان السيطرة عليها، فبدلا من الفرجة على مصر وهي تذهب للهاوية من الوضع موائما للنظام أو محايدا له عودوا لدوركم العظيم في حماية أمن البلاد ولم الشمل الوطني.... ومهما تكلف فكلنا زائلون وسيبقى الوطن..
 
ونهاية "من يجعل الثورة السلمية مستحيلة يجعل الثورة الدموية مؤكدة" جون كينيدي
تعليقات القراء