مروان يونس يكتب: العشيرة السعيدة - حلم «آل إخوان»

 

مصر "الأمن و الأمان" كان الشعار أو السلوجان المرتبط باسم مصر قبل الثورة، فعادة تعبر هذه الشعارات على ملخص العقد الاجتماعي أو أهم ما توصف به هذه الدول أو أهم مميزاتها.
 
وفورا وبعد تنحي مبارك بدأت أول معارك حرب الهوية في مصر، هذه الهوية هي التي عند وصف مصر بها ستتأثر بهذا الوصف كل أشكال الحياة والتعاملات والدستور، وبتلك الهوية الجديدة تريد التيارات الدينية تغيير وصف مصر من جماعة وطنية لربما لجماعة دينية أو عشائرية..
 
فمع النجاح المبهر في السيطرة للتيار الديني على كل مقاليد الحياة ومفاصل الدولة إلى الآن، ووسط حياد من الأجهزة السيادية -الذي لم يفهمه الكثيرون إلا في صورة "السكوت علامة الرضا"- بدأت فعليا معركة تغيير الهوية منذ استفتاء مارس على التعديلات الدستورية الإلهية مرورا بانتخابات مجلس الشعب وصولا لانتخابات الرئاسة ثم الدستور والآن قوانين الشورى...
 
فالأمن والأمان أو مصر للمصريين أو مصر هبة النيل أو أي شعار من هذه الشعارات لم يعد مناسبا لتوجهات التيار اليميني المتطرف أو شبه المتطرف الحالية وهم من يحكموننا الآن، فهذه التيارات وعشريتهم يحلمون لمصر "الجمهورية الثانية" حلما جديدا خاصا بهم وهو دولة دينية إلهية تحكمها عشيرة توفر لهم السعادة بالدنيا والآخرة...
 
فحقيقة سعادة المواطن وهو المبلغ الأسمى والتعريف الحديث للهدف الرئيسي من قيام أية سلطة سياسية ولكن ربما يرى هذا التيار السعادة بشكل آخر، فالنظام الجديد وهو "العشيرة السعيدة" يرتكز على حتمية وجود أبدي ودائم للإخوان المسلمين كعشيرة رئيسية حاكمة تتبادل السلطة داخليا بين أبناء العشيرة معتقدين أولا بنظرية الاصطفاء الإلهي لها وثانيا القبول الاجتماعي والشعبي وثالثا رضا المؤسسات السيادية عنها ورابعا مباركة الأب الأمريكي لها طالما ترعى مصالحه وتحققها بنجاح.
 
فما نستطيع استقراءه من حلم العشيرة الآن وقوانينها هو أنها تريد نظاما شموليا عشائريا للحكم (العشيرة هنا هي الجماعة) وخلاله يستمر تبادل الحكم إلى ماشاء الله بين أبناء العشيرة مع شكلا ديمقراطيا صوريا من خلال تمكين الرعايا من الاختيار من يرشحهم لك زعيم العشيرة الحقيقي (المرشد) من أبناءه...
 
ولكن ليستقر هذا النظام وتتم السيطرة الكاملة لـ"آل إخوان" على الدولة فهناك قوتان أساسيتان يجب تقويضهم: الأولى قوة العشائر الوثنية "في رأي الإخوان وشركائهم من آل سلف" والثانية هي "آل سلف" نفسهم...
 
فعن الصراع الأول لدولة العشيرة السعيدة هو العشائر الوثنية...
 
ففي الدولة الجديدة ذات الإيمان الواحد والحزب الواحد لا مجال إلا لمعتنقي فكرها ودينها الجديد، فبالنسبة للعشائر الوثنية واللادينية والتي تتبنى فكرا فلوليا حول المساواة والحرية والمواطنة إلخ إلخ..  فالقضاء عليها سيكون المهمة الأولى لـ "آل سلف" من خلال تزهيقها دينيا وتكفيرها وعمل التقليب الاجتماعي والديني اللازم، أما سياسيا واقتصاديا في مهمة "آل إخوان" ومؤسسات دولتهم الخانعة "أو التي ستخنع مع الوقت" ومن ذلك التضييق على حقوق الممارسة السياسية لهم والممارسة الاقتصادية الحرة...
 
فيتم التضييق على هذه العشائر تباعا بغرض خروج رؤوسها أولا خارج البلاد ثم من ذلك فقدان القيادة ومنه سهولة السيطرة على المتبقى، فاستمرار هذه العشائر خطرا كبيرا على الفاشية العشائرية الناشئة...
 
ولإضفاء صبغة السعادة والسلام على عمليات الفصل العنصري ونظرا لأن عدد هذه العشيرة الوثنية كبير نوعا ما... فسيكون لزاما على "آل إخوان" و "آل شيخ" انشاء مناطق أو كانتونات يستطيع الوثنيون الرافضين الرحيل أن يعيشوا بسعادة داخلها، فداخل هذه الكانتونات سيتم تخفيف حدة ضغط العشائر الأخرى عليها كما سيكون، ومن الممكن انشاء قوانين خاصة للتعامل بهذه المناطق، فهذا القانون الخاص سيكون مغناطيسا جاذبا لهذه العشائر الوثنية من سالف أرض الإيمان إلى أرض الإلحاد فيرسخ السيطرة هناك ويعطي مثالا للخارج حول المعايشة السعيدة بين العشيرة وبين الغير بوئام وسعادة في هذه الكانتونات بدعوى الحفاظ على الأقليات...
 
وبذلك يفترض "آل إخوان" أن تعيش هذه العشيرة في سعادة من خلال السماح لها بالاستمتاع بممارساتها الاجتماعية وتراثها الوطني والديني والسياسي في هذه الكانتونات ولاكتمال السعادة الافتراضية سيتم أيضا السماح لممثلي هذه العشائر الانضمام للمجالس التي ستختص بما يسمى الشورى لاحقا....
 
أما الصراع الثاني والذي سيكون لاحقا لانتهاء الصراع الأول وفي رأيي هو الأهم لإرساء وترسيخ قواعد حكم العشيرة الحاكمة "آل إخوان" هو الصراع مع العشيرة الشريكة أو "آل سلف"، هذه العشيرة التي تمتلك التوكيل الإلهي الفعلي مع الجماهير فهي المسيطرة على السواد الأعظم من المواطنين من قليلي الحظ علميا وثقافيا وهي التي ترى نفسها شريكا أساسيا في الحكم...
 
فالتعامل مع هذه العشيرة سيكون لاحقا وبشكل مماثل للعقد الاجتماعي السعودي بين "آل شيخ" (آل عبد الوهاب) و "آل سعود" وهم العشيرة الحاكمة هناك، فلترسيخ الحكم وتقويض قدرات العشيرة "آل سلف" سيكون من اللازم الدفع بهم لمعركة لتصفية قدراتهم على غرار معركة الجمل بأرض الحجاز (وليس بالتحرير) كما سيكون تاريخ هذه المعركة متناسبا مع اكتمال سيطرة "آل إخوان" على المؤسسات المحتكرة للعنف المشروع من شرطة وجيش مع نهاية المعركة الأولى وتسليم العشيرة الأولي للهزيمة...
 
ففي هذه المعركة والتي أراها لن تخرج عن "حربا على الإرهاب" لإرضاء الشريك الأجنبي والمجتمع الدولي سيتم تصفية قدرة "آل سلف" على المنافسة نهائيا وسيرضوا بعقد اجتماعي خاص مضمونه أن لهم الآخرة ممثلة في حقهم لقول ما يشاؤون في المساجد والسيطرة عليها ولـ "آل إخوان" الدنيا وحقهم في الحكم والملك، سيأتي هذا الوئام باعتراف متبادل للطرفين أن للأول صكوك الغفران وللثاني صكوك الرضا السامي للعشيرة المالكة لمصر ويتم عقد القرآن الجديد بينهم أيضا برعاية المأذون الدولي -الولايات المتحدة الأمريكية-...
 
يعتقد "آل إخوان" أن هذا هو الشكل الأمثل للدولة ومنه يستطيعون تحقيق حلمهم بدولة بلا دولة، دولة ينتمي رعاياها للعشيرة وليس مصر، دولة إسلامية تحكمها خلافة ديمقراطية داخلية بين أبناء عشيرة "آل إخوان"، ففي هذه الخلافة أو نظام الحكم تكون أرض الدولة هي أرض العشيرة وأملاكها أملاك العشيرة وهم من يحكمون دنيا الرعايا بقوة الجيوش وآخرة الرعايا بقوة "آل سلف" وقدرتهم على التوجيه النفسي والوجداني...
 
أعترف أن للوهلة الأولي ستجد عزيزي القارئ أن بهذه الأفكار كثير من البلاهة السياسية كما أن نظام "العشيرة السعيدة" مستحيل التطبيق في العصر الحالي، ولكن قبل أن تبدأ في الضحك على ما قرأت فلتنتذكر بعض الأمور، فأولا أن 80 % من المصريين ضربتهم آفة الجهل والفقر والمرض وغير مهتمين بأي وضع سياسي ولا نظام سياسي طالما يوفر حلم لقمة العيش وهو آخر حلمهم...
 
ثانيا قصر الديمقراطية داخليا بين أبناء عشيرة من خلال أبا روحيا يدعى مرشدا جارية التطبيق في ايران بين أعضاء عشيرة الحرس الثوري بنظام الفقيه "المرشد"...
 
وثالثا نجحت علاقة الدين بالدنيا المذكورة عالية في السعودية بين "آل شيخ" و"آل عبد الوهاب"…
 
 ورابعا فكرة الكانتونات ليست ببعيدة فهي متواجدة في منطقة الشرق الأوسط بكثير من الدول بداية بتركيا "المتحضرة" وأكرادها، بدون الكويت دروز لبنان، شيعة البحرين إلخ إلخ..
 
وخامسا المراهنة على عدم سكون شعب (مصر) على بيع الدولة لصالح عشيرة أو التعامل معها كمملكة فلتنظر عزيزي القاريء للغالبية العظمى من المصريين الـ 80% الذين تكلمنا عنهم ولتنظر على النماذج من الجيران وصمت الشعوب العربية التي لازالت مقتنعة بالنظرية الملكية لعشيرة تملك الأرض....
 
أما سادسا وأخيرا أرجو ألا يعتمد استهتارك بالمقال على خدعة أن المجتمع الدولي حامي الديمقراطية سيرفض هذه الفكرة، فيا عزيزي دوليا لا محل للقلب أو المباديء فالمصالح غالبة، و كما صمت هذا المجتمع على دولا عديدة سيصمت علينا أيضا طالما تتحقق مصالحه...
 
للأسف في ظل الحياد والوئام الحالي لمؤسسات الدولة مع العشيرة وفي ظل صمت مريب للشارع كل هذا ممكن، ولكن لازلت أراهن على صحوة 5000 سنة حضارة ربما ستزيل التراب عن نفسها قريبا وتقاوم هذه الفكرة لدولة العشيرة وبأسرع وقت حيث أن في ظل الهيمنة الحالية والحياد، الوقت ليس في صالح مصر الحديثة بل في صالح مصر العشيرة...
 
 
تعليقات القراء